من بين المفاهيم السياسيّة التي أصبحت وافرةً في الكتابات السياسيّة مفهوم المجتمع المدنيّ ولاشك أن سعة دائرة استعماله تندرج ضمن دائرة العناية المستجدة بالفكر السياسيّ وبالمنظومة السياسية الليبرالية فقد انتعشت في العقدين الأخيرين ظاهرة الدفاع عن الأطروحات والمفاهيم الليبرالية الجديدة إلا أن الملاحظ أن الظاهرة لم تُعنَ بالحضر في الأصول النظرية للمفاهيم المستعملة وفي الاستعمالات الرائجة لمفهوم المجتمع المدني ما يدل على عشوائية استعماله صحيح أن أغلب الذين يستعملونه يوظفونه في سياق الاستعمال الأيديولوجي الرامي إلى إصابة أبعد من الإحاطة النظرية بمحتواه إلا أن إطلاقه بدون ضبط ولا تحديد نظريين يساهم في تعميم البلبلة الفكرية وهي نتيجة لا نعتقد بفائدتها بالنسبة لكل الذين يجتهدون لاستثمار الدلالة الرمزية للمفهوم في سياق بناء دعاويهم وصياغة براهينهم فعندما تضيع الملامح النظرية لدينا للمفهوم تختلط المقاصد السياسية ويصعب إدراكها وإدراك غاياتها وعندما تتوفر إرادة التأصيل النظرية للمفهوم في الفكر السياسي تصبح الحاجة ماسة إلى معرفة حدوده وصيرورة تبلوره وذلك للتمكن من تجاوز استعماله الأداتي الاعتباطي إلى مستوى المساهمة في صياغة أبعاده الجديدة المرتبطة بصيرورة المجتمع في علاقته بالدولة السائدة في مختلف أقطاره وفي هذا الإطار بالذات تتحول خصوصية المجتمع إلى دائرة فاعلة في مجال إعادة بناء وإعادة إنتاج المفاهيم الفلسفية والسياسية المساعدة على فهم الدولة والمجتمع.