سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المثقف المستقل أو المتسلق

آلـدار آمـد –
يُتداوَل الحديثُ كثيراً عن دور المثقفين في بناء المجتمع وتقدمه وازدهاره، باعتبارهم الطليعة الواعية والتي تدرك الواقع الاجتماعي والسياسي وقضاياه قبل غيرهم، وتضع اليد على مكامن الخطأ والصواب سواء أكان في الإدارة والتنظيم أم من خلال نقد الحياة المعاشة الخاطئة، والذين هم جزء منها، وقد مارس المثقفون دوراً كبيراً في تقدُّم المجتمعات من خلال الأفكار والآراء التي كانوا يطرحونها، حتى تتحول هذه الأفكار والآراء إلى حقائق وثوابت تلتزم بها تلك المجتمعات، وتصبح جزءاً من ممارساتهم اليومية، أي أنَّ هؤلاء المثقفين قاموا بدورٍ رياديٍّ في تطوير المجتمع، وحل قضاياه الأساسية، وإزاحة كلِّ المفاهيم والعادات التي تقف عائقاً أمام تطوُّر مجتمعاتهم، وما نشهده في روج آفا وشمال سوريا حالة أخرى قد تكون غريبة نوعاً ما، فالمثقفون هنا يردِّدون كثيراً كلمة أو مصطلح المستقل والتي تعني عدم الانحياز والالتزام التنظيمي بأي حزب أو فكر سياسي ويدعون إلى أنَّ المثقف يجب أن يكون مستقلاً حتى يستطيع أن يقوم بدوره كمثقف، مع ادعائهم التام بأنَّهم جزء أساسي من هذا المجتمع وهم يحملون هموم هذا المجتمع وقضاياه المصيرية؛ والسؤال الذي يتردَّد في أذهاننا مادام المثقفون هم جزء من المجتمع يؤلمهم ما يؤلم المجتمع ويفرحهم ما يفرحه ويعملون قبل غيرهم على حل قضايا المجتمع فما هي هذه القضايا التي تهم المجتمع والتي سيكون للمثقف دورٌ فيها؟! فعلى سبيل المثال حماية المجتمع وأمنه هل هي قضية خاصة بفرد أم عددٍ من الأفراد أم أنَّها قضية عامة تهم كل أبناء المجتمع وفئاته!! وعند تعرض هذا المجتمع إلى للخطر سواء أكان عسكرياً أم سياسياً أم إذا ما أعلن الحرب عليه مباشرة كما حدث في روج افا وشمال سوريا فهل هي قضية خاصَّة أم قضية عامة ويتوجَّب على أبناء هذا المجتمع كافة الوقوف في وجه الخطر الذي يهدد وجوده وهل يستطيع المثقف أن يقول: إنَّه مستقل ولا علاقة له بهذا التهديد و الحرب الدائرة أم أنه ليس من هذا المجتمع أم أنَّ القضية هي سياسية وهو مستقلٌّ ولا علاقة بالسياسة، فالحرب كان سببه هذا الحزب أو ذاك التنظيم!!.
ومن ناحية أخرى هل الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الحصار والتي أدت إلى زيادة معاناة المجتمع وزيادة الأسعار وفقدان المواد لا تؤثر على المجتمع وليس للمثقف علاقة بها كونها ناجمة عن أسباب سياسية فقط؟!، وأن المثقف شخصية مستقلة سياسياً ولا علاقة له بهذا الموضوع وعليه ألا يبدي أيَّ موقف ولا السعي لحلِّها كونها ناجمة عن خلاف سياسي بين حزب أو تنظيم يدير هذه المنطقة، وينطبق هذا الادعاء على الميادين الأخرى كافة؛ الاجتماعية والتربوية والتعليمية والصحية وهذا هو المشهد المُتكرِّر الذي يبديه المثقفون في روج آفا وبخاصة دعاة الاستقلالية، فربما دموع الأمهات على أبنائهن الشهداء الذين يقاومون الظلم ويدافعون عن حرية هذا الوطن، لا تعنيهم فليسوا جزءاً من هذا المجتمع الذي يجب أنْ يحمل همومه المثقفون!!.
فقصف المدن والقرى وتشريد الآلاف من منازلهم وتعذيب الأطفال وتجويع الشيوخ ليست قضايا المجتمع وليس للمثقف علاقة بها كونها أحداث سياسية متعلقة بسياسة أو فكر تنظيم ما. من ناحية أخرى؛ لماذا يبدي المثقفون آراءَهم وانتقاداتِهم الشديدة للإدارة الذاتية الديمقراطية عندما يتعلَّق الأمرُ بتأمين احتياجات المواطنين من المستلزمات الأساسية لهم كالخبز والمياه والكهرباء أم أنَّ الوضع مغاير؟! عندها يحملون هموم المجتمع وقضاياه ويبدون انتقاداتهم ومواقفهم الثابتة والجريئة إزاء الإدارة الذاتية ولماذا لا يقولون: إنَّها ناجمة عن مواقف سياسية وليس لنا علاقة بها كوننا مثقفين مستقلين، لماذا تنثر أقلامُهم تلك السموم على الإدارة الذاتية الديمقراطية والتي تصارع أكبر القوى الفاشية والإرهابية عبر التاريخ البشري وتقوم بتوفير الأمن والاستقرار وكل المستلزمات وهي في أضعف حالاتها من حيث الحصار وعدد المتربصين بها من الأعداء الذين يحاولون إبادة هذا المجتمع عن بكرة أبيه، طبعاً الحديث هنا لا يسري على جميع المثقفين فهناك الكثيرون منهم ممن أدركوا دورهم كمثقفين ويبذلون جهوداً كبيرة للوصول بمجتمعهم إلى الاستقرار وهم مدافعون شرسون عن قيم مجتمعهم الأصيلة، وهذا هو المثقف الذي تحتاجه روج آفا وشمال سوريا. وفي الختام؛ أليس من واجب المثقف الدفاع عن المجتمع سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً!! فإذا كان كل ذلك ليس من مهمة المثقف والمثقفين فلسنا بحاجة إليهم في شيءٍ آخر؛ فاحملوا أقلامكم وانصرفوا وكفاكم تسلُّقاً..