سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

المؤونة المنزلية مواجهة الحصار في شمال وشرق سوريا

تحضّر النساء في شمال وشرق سوريا مؤونة الشتاء، وهي عادة متوارثة تجذرت كثقافة اجتماعية في المنطقة، وتكتسب المؤونة الشتوية أهمية إضافية في المنطقة، التي تواجه حصاراً من عدة أطراف، وتساعد الأهالي على مواجهته، وبخاصة في فصل الشتاء حيث تتضاءل كمية الخضروات المحلية في الفصل البارد.
في كل عام وبالتزامن مع قدوم فصل الخريف تجدد المرأة السورية عادتها المتوارثة بين الأجيال منذ القدم، وهي إعداد “مونة البيت”، لاستقبال فصل الشتاء على أكمل وجه.
وصناعة المؤونة بات تقليداً اجتماعياً تراثياً عند الكثير من المجتمعات، ولا سيما لدى الأمهات، اللواتي يعمدن إلى تكريس أوقاتهن لإعداده وتخزينه للشتاء البارد، حيث يتم تخزين كل من “المكدوس، والملوخية، والبرغل، والعدس، والفريكة، والألبان ومشتقاتها، وورق العنب والمخللات ودبس البندورة والفليفلة والمربيات بأنواعها المختلفة وغيرها”.
مؤتمر ستار يقدم الدعم للنساء
ولكن هذا العام كان مختلفاً لغالبية النساء في حييّ الشيخ مقصود، والأشرفية في مدينة حلب، إذ امتنعت النساء عن هذه العادة في التحضير لمؤونة الشتاء؛ بسبب الوضع الاقتصادي الصعب والارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية.
ويعود أسباب ارتفاع الأسعار في حييّ الشيخ مقصود، والأشرفية بحلب، إلى الحصار المفروض من قبل قوات حكومة دمشق، التي تمنع من وصول المواد اللازمة والضرورية إلى الحيين بغية إخضاع الأهالي لها.
الأمر الذي دفع لجنة الاقتصاد الكومونالي لمؤتمر ستار إلى تقديم العون للنساء، حيث ضمت عدداً من المتطوعات إليها بغية تحضير مونة البيت، تلبية لمتطلبات سكان الحيين خلال فصل الشتاء وتقديمها لهم بأسعار زهيدة.
ولجنة الاقتصاد الكومينالي لمؤتمر ستار مسؤولة عن تنظيم الأنشطة الاقتصادية للمرأة، وتناضل على جميع المستويات ضد السياسات الاحتكارية، وتعزز الاقتصاد الاجتماعي البيئي، وتعتمد على تنمية التعاونيات النسائية في الزراعة، والمؤسسات والحرف اليدوية وغيرها في جميع المجالات.
بهذا الصدد، قالت الإدارية في لجنة الاقتصاد في مؤتمر ستار، غزالة شيخ موسى: “نقوم الآن بالعمل على تخزين الملوخية، بمساعدة عدد من النساء المتطوعات على أسس تشاركية، ومحبة وشغفٍ كبير بإعدادها”.
ويتم العمل على تخزين المؤونة في مركز لجنة الاقتصاد التابعة لمؤتمر ستار الواقعة في القسم الغربي من حي الشيخ مقصود في مدينة حلب.
ومنذ القِدم والمرأة هي من تتولى مهام التدبير المنزلي، الذي يعد جزءاً مهماً في سد الثغرات المعيشية داخل الأسرة، وبالتالي يحقق تنمية اقتصادية على المستوى المجتمعي، وصولاً إلى دورها الكبير في تعزيز المجال الاقتصادي بشكل عام سواءً من خلال الأعمال اليدوية أو إعداد المؤونة أو غيرها.
ونوهت غزالة إلى أن العمل سيعود على النساء المتطوعات بالفائدة، وقالت: “سينال النساء المتطوعات حصتهن من المؤونة المُعدة، للاستهلاك الخاص بها ولعائلتها، كما أن المشروع يهدف لاستقلالية المرأة وتعزيز اقتصادها”.
وأضافت: “أما ما تبقى من المؤونة سيتم بيعها في الأسواق بسعر زهيد يتناسب مع الوضع المعيشي للأهالي وبأقل سعراً، مما تُباع في الأسواق”.

الحفاظ على التراث من الاندثار والزوال
باشرت لجنة الاقتصاد بكمية من مادة الملوخية الخضراء تُقدر بـ 300 كيلو، ليتم تنظيفها من التراب والقش والرمل من الساعة التاسعة صباحاً حتى الثالثة مساءً، من قِبل سبع نساء متطوعات، وثلاث من لجنة الاقتصاد بهذا العدد يصل إلى عشر نساء.
ولن يقتصر إعداد المؤونة على مادة الملوخية فقط، إنما يستمر العمل عليها حالما تنتهي الكمية ويجلبون كميات إضافية أخرى، ومن ثم سيتم العمل على إعداد دبس الفليفلة، بحسب ما قالت الإدارية غزالة.
وعن السعر أشارت غزالة إلى أن الملوخية، التي يتم إعدادها بأيدٍ نظيفة وآمنة، وبإتقان سيتم بيعها بسعرٍ مقبول.
المتطوعة هيفين حسن، من قرية بارودي تقول عن الأوقات، التي يقضونها أثناء تنظيف الملوخية: “نلتف نحن النساء حول بعضنا ببسمة وأحاديث مشوقة، تجعلنا لا نشعر بالعمل الشاق الذي نبذله، ولا بالوقت”.
أشارت هيفين إلى أن عادةً المؤونة ليست بالوليدة والجديدة: “تخزين المونة، ثقافة ورثناها من أسلافنا، وتعود علينا بالفائدة، وأنه من دواعي سرورنا، أن نحافظ على مثل هذه التراث القيّم من الاندثار والزوال”.

الأم حلوة… تواجه تداعيات الحرب عبر الاكتفاء الذاتي
حوّلت الأم حلوة أرض منزلها إلى بستان صغير، زرعت فيه مختلف أنواع الخضروات، لتلبية حاجة منزلها اليومية وتخزين الباقي للمؤونة، في مثال حي على تطبيق مبادئ حرب الشعب الثورية، ومحققة الاكتفاء الذاتي، داعيةً النساء إلى أداء دورهن في مساندة الشعب ومواجهة الحرب، في ظل تهديدات الاحتلال التركي وحالة الطوارئ المعلنة في شمال شرق سوريا.
في سياق متصل، تتجول الأم حلوة في بستانها الصغير، صباح كل يوم، تسقي مزروعاتها بحب، وتزيل الأعشاب الضارة، وتتأمل الثمار التي كرست جل وقتها في العناية بها، وكأن قطعة الأرض هذه، باتت أنيس روحها، في صورة تجسد مدى ارتباط المرأة بالأرض.
حلوة حسين محمد (50 عاماً)، من أهالي ناحية تربه سبيه، حوّلت أرض منزلها إلى بستان صغير، تزرع فيه مختلف أنواع الخضروات الصيفية والشتوية، لتلبية حاجتها وحاجة جيرانها اليومية منها، وتجفيف الباقي وتخزينه كمؤنة أيضاً.
قالت الأم حلوة: “الخضروات المنزلية طازجة وصحية أكثر من التي تباع في الأسواق، كما تساهم الزراعة المنزلية في توفير المال وتحقيق نوع من الاكتفاء الذاتي”.
ولفتت إلى أن الزراعة المنزلية تعود بالنفع عليها وعلى غيرها في ظل حالة الطوارئ التي أعلنت عنها الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، إثر التهديدات المستمرة للاحتلال التركي بشن هجوم على المنطقة وتصاعد حدة الاستهدافات في الآونة الأخيرة، في مثال حي على تطبيق حرب الشعب الثورية.
واستراتيجية حرب الشعب الثورية تعتمد في أساسها على النضال والتنظيم الشعبي ودعم القوات العسكرية وفق نظرية ثورية للدفاع ضد جميع أشكال الاحتلال والظلم والاستبداد، ومن أهم أسسها الثقة بالنفس والارتباط الوطني بين الشعب والأرض، والقدرة على المقاومة، بالإضافة إلى ضرورة استعداد وتجهيز الشعب لنفسه من الناحية اللوجستية والنفسية لفترة طويلة، فطبيعة هذه الحرب تختلف عن الحروب الأخرى، فهي حرب طويلة الأمد وقد تستمر لعدة سنوات.
وفي إطار ذلك، أشارت حلوة إلى أنها توجهت مع إعلان حالة الطوارئ، إلى تخزين مؤنة منزلها، تحسباً لأي طارئ، ودعت النساء إلى تحضير أنفسهن كثوريات لمواجهة الحرب، وزراعة أرض منازلهن، وكذلك التدريب على السلاح والخضوع لدورات في الإسعافات الأولية.
ونوهت حلوة في ختام حديثها، إلى أن شمال وشرق سوريا تواجه حصاراً من قبل القوى الإقليمية، وبالاعتماد على الذات والمواد المتوفرة، يستطيع شعب المنطقة كسر جزء من هذا الحصار والاعتماد على نفسه لمواجهة كافة التحديات.
والجدير بالذكر أن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا قد أعلنت في السادس من تموز الماضي، حالة طوارئ عامة لمواجهة تهديدات دولة الاحتلال التركي التي تستمر بزعزعة أمن المنطقة عبر طائراتها المسيّرة والقصف المستمر.

وكالة انباء هاوار