روناهي/ جل آغا ـ ما إن يحط الصيف رحاله حتى تبدأ النسوة في التجهيز والاستعداد للمؤونة الشتوية التي تساعد الأُسر في تأمين قُوْتِها خلال فصل الشتاء الطويل الذي تقل فيه الخضار مما يجعل ربات المنازل يلجأن إلى ما ادّخرته أيديهن من ذخيرة غذائية تعينهن وعائلاتهن على مواجهة جوع الشتاء.
تبقى المرأة السورية مميزة ومتكيفة مع كافة الظروف السيئة منها والجيدة وخاصة الاقتصادية، فهي تملك إدارة منزلية مالية حكيمة تستطيع من خلالها تأمين احتياجات عائلتها، وتحافظ على أمنها الغذائي وخاصة في ظل غلاء الأسعار وصعوبات الحياة المعيشية التي مر بها السوريون على مدار التسع سنوات السابقة؛ لتتفاقم مع بدء تطبيق قانون قيصر.
أهم المواد الغذائية التي تخزن للشتاء
يتصدر المؤونة الشتوية تقطيف الملوخية وصناعة المربيات المنزلية والمكدوس واللبنة والجبن البلدي والمخللات وكبس الزيتون وعصائر العنب والليمون والرمان ودبس البندورة، والفليفلة، والتجفيف لبعض الخضار (اليبيس) الذي تكيف هو الآخر للظروف، فنظراً لانقطاع الكهرباء استبدلت النسوة الحفظ في الثلاجات إلى اليبيس.
المؤونة الشتوية تحقق أهدافاً اقتصادية
هذا وقد كان لصحيفتنا “روناهي” جولة بين أحياء مدينة جل آغا التي انشغلت نساؤها بهذه الفترة بأعمال المؤونة الشتوية التي بدأن بالتحضير لها، والاستعداد لمواجهة الغلاء، وتحدي الظروف المعيشية القاسية مما جعل من المخزون الغذائي بريق أمل لعادة اجتماعية قديمة لم ولن تنقرض؛ فهي نوع من الحفاظ على تراث الأجداد الذين كانوا يحفظون المأكولات صيفاً ليستهلكوها في الشتاء؛ مما يخفف من ضغوط العبء الاقتصادي على الأسرة.
المؤونة رمز للتعاون الاجتماعي
وفي هذا الإطار كان لنا لقاء مع السيدة حنان الأسعد التي تقوم مع جاراتها بتقطيع الملوخية، وقد بدت جلستهن مثالاً للتعاون والمحبة، وبهذا الخصوص قالت: “نحن نقوم بتقطيع الملوخية بشكل جماعي لأن الكمية كبيرة حيث نقوم بترتيب أدوار، كل يوم نجتمع ونتعاون حتى ننهي الكمية لكل بيت من بيوت الجارات”، وتابعت حنان “نشعر بالسعادة حين نقوم بهذا العمل الجماعي كما أننا نتساعد في حل مشكلات بعضنا البعض فلا نشعر بأننا قمنا بإنجاز كميات كبيرة تتراوح بين الـ ١٠٠ إلى ٢٠٠ كيلو غرام يومياً”.
أما فيما إذا كان عملهن متواصل فقد أوضحت حنان أنهن يقمن بأخذ فواصل بعملهن كشرب الشاي والقهوة وبأن هناك فترة للغداء، وتجهيز أمور بيوتهن ثم يتابعن حتى إنهاء عملهن، وبهذه الطريقة لا يشعرن بثقل تجهيز المؤونة.
كيفية صنع دبس البندورة
هذا وكان لنا لقاء آخر مع ربة المنزل غيداء السالم التي تقوم بصنع دبس البندورة وعصرها؛ لتخبرنا عن خطوات عملها وجاراتها حيث شرحت لنا كيف ينجزن عملهن قائلة: “أولاً نقوم بغسل حبات البندورة بالماء والملح ثم نتركها لتنشف تماماً لتبدأ عملية تقطيعها ووضعها في إناء وتغطيتها، وتركها ليوم كامل مع الملح وبذلك يحصلن على أكبر كمية من ماء البندورة ثم تصفيتها بمصاف، وتوزيع مائها بأوانٍ متعددة ونشرها على الأسطح، وتغطيتها بقطع قماش حتى لا تدخل الأتربة أو الحشرات الطائرة فيها مع تحريكها كلّ فترة إلى أن تبدأ بالسماكة، وبالتالي تفقد كل كمية الماء وتصبح جاهزة للتخزين في علب زجاجية أو بلاستيكية مع وضع الملح اللازم لحفظها والزيت على وجهها وبذلك يحتفظن بمعجون البندورة لسنة وأكثر”.
أما عن المكدوس ودبس الفليفلة فقد سألنا السيدة سناء الإبراهيم التي قالت بدورها: “نقوم بمساندة بعضنا البعض حيث نقوم بتقطيع الفليفلة وتنظيفها من البذور ونشرها، وفرمها في المكنة الكهربائية لنحصل على عصير الفليفلة ونقوم بتنشيفه على الشمس”.
الثقة بجودة المؤونة المنزلية
أما عن سؤالنا لماذا لا تعتمد المرأة على المؤونة الجاهزة والشراء من الأسواق قالت سناء: “لماذا أشتري من السوق بسعر مرتفع وأنا أستطيع عمل ذلك بنفسي وكلي ثقة واطمئنان بنظافة وجودة منتجي”.
التوفير الاقتصادي
وكذلك للمخللات نصيب من المؤونة حيث أشارت السيدة سناء الإبراهيم بأن الجو لا يزال حاراً ولذلك تؤخر ربات المنازل كبس المخلل؛ لأنهن لن يحصلن على نتيجة ترضيهن مع الحر وأكدت بأن المخلل من أهم المواد الغذائية المحفوظة فهو عنصر محبب تواجده على السفرة وبأنهن يستعملن خل التفاح والملح لحفظه والحصول على لون أصفر وقوام متماسك.
وكذلك العصائر ودبس الرمان لها حظ وفير في الأمن الغذائي في حياة الناس.
أما عن المربيات فقد كان لنا لقاء مع السيدة تماضر الأسعد التي تملك شجرة عنب في منزلها وتستفيد منها في الأكل والمؤونة؛ حيث إنها تقوم بصناعة المربى بكافة أنواعه كالتين والورد؛ وبذلك توفر على نفسها الكثير بالنسبة لأسعار السوق.
نازحات سري كانيه متشوقات للعودة لصنع مؤونتهن
وهكذا كان للمؤونة والتحضير لها حضورها في حياة ربات المنازل مما يعكس حسن تدبيرهن فكم من مؤونة بكت أصحابها بعد أن شردهم الاحتلال التركي وهجرهم، وهذا ما أكدته النازحة من سري كانيه/ رأس العين خلود إسماعيل التي قالت: “تركت مؤونة عائلتي هناك في بيتي نتيجة العدوان التركي ولم نتذوق ما صنعت أيدينا”. ثم تابعت حديثها الذي لا يخلو من أمل يداعب عينيها الحزينتين على فراق بيتها “سأجهز مونتي هذا الصيف وأتمنى أن أعود بها إلى أحضان سري كانيه بعد أن يندحر العدوان التركي عن أرضنا”.
هكذا وبقلوب مفعمة بالأمل بغدٍ أفضل تستعد النسوة في جل أغا لتجهيز احتياجاتهن الغذائية لاستقبال رحلة الشتاء الطويلة لا يثنيهن عن واجبهن أي شيء.