سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الليبرالية

محمد داوود داوود –
تعتبر الليبراليّة الغربيّة التي تشكّل إيديولوجية المجتمع المدنيّ الحرية المبدأ أو الغاية التي يجب أن تسود فيه.
وقد استطاعت الفلسفة الليبراليّة الكلاسيكيّة الغربيّة أن تبني منظومة مكتملة من الأفكار تتعلق بالحرية داخل المجتمع المدنيّ من خلال المراحل الأربع التي مرّت بها ففي المرحلة الأولى من تطوّر الليبراليّة كان التركيز على مفهوم الفرد إذ ينطلق التحليل النفسيّ الغربيّ من الإنسان باعتباره الفاعل صاحب الاختيار والمبادرة وفي المرحلة الثانية تمَّ تشييد علمين عصريين مهمين وهماً من أهمّ إنجازات الثورة البرجوازيّة في القرن الثامن عشر أي علم الاقتصاد السياسيّ العقلانيّ المتناقض جذريّاً مع الاقتصاد الإقطاعيّ المفكّك والمجزّأ وعلم السياسة النظرية المتأسس على العقلانيّة والعلمانيّة في العلاقة الحرّة بين الأفراد المستقلين والمتساوين في تناقض جذريّ مع سياسة الاستبداد الإقطاعيّ التي كانت سائدة في النظام القديم وقد عرفت المرحلة الثالثة من الليبراليّة في الغرب نزعة المبادرة الفرديّة الخلّاقة المبدعة وإذا كان مفهوم الأساسيّ للحرية في المرحلة الرابعة من الليبراليّة حيث يسود مبدأ عدم التدخل هو حق الاختلاف أو التباين والمعارضة ومع ذلك فالمذهب الليبراليّ الذي يركّز على الفرد باعتباره أصل المجتمع المدنيّ وعلى الملكيّة الخاصّة باعتبارها هي وحدها: ما يجعل البشر أهلاً للحقوق السياسيّة لقد تبلورت الليبراليّة على يد اقتصاديين عظام مثل آدم سميث وريكارد وفلاسفة كبار مثل جون سيتورات ميل خلال القرن التاسع عشر كمذهب يدافع عن كينونة الفرد وحقه وحده في صنع اختياره وأهليّته وجدارته وحقه في التملك وفي الممارسة الاقتصاديّة، ومن هنا جاءت اللافتة الليبراليّة القائلة دعه يعمل، دعه يمر» واستمرت الليبراليّة تتوحّد مع معنى الحرية الاقتصاديّة طوال الردح الأعظم من القرن التاسع عشر غير أنّه يستحيل أن نفهم مغزى وطبيعة هذا الموقف التأسيسيّ للمذهب الليبراليّ إلا كاحتجاجٍ ونقد جذريين لنمط سياسات الدولة للمجالين الاقتصاديّ والاجتماعيّ في القرنين السابع عشر والثامن عشر وهي السياسات التي اتّسمت بنمط تدخل إقطاعيّ بحشد في احتكارات الدولة في مجالي التجارة والزراعة في هذا السياق دافع الليبراليون عن الفرد في مواجهة الدولة الإقطاعيّة ودافعوا عن حرية العمل الاقتصاديّ للأفراد في مواجهة احتكارات الدولة الإقطاعيّة وأكّدوا أنّ الرفاه يرتبط بحرية السوق وليس بالقيود المفروضة على العمل الاقتصاديّ للأفراد وهي القيود التي تمنع جهاز السوق والأيدي الخفية التي تحرك هذا الجهاز وتصل به إلى أفضل التوازنات الممكنة نظريّاً غير أنّ قراءة أعمق لمؤلفات آدم سميث وريكارد دوجون، سيتوارت ميل توضّح بجلاء أنّهم قد وقفوا أيضاً ضد تجاهل أو إهمال مشكلة الفقر من جانب المجتمع والدولة وأنّهم كانوا على استعداد تام لتأييد تدخّل المجتمع والدولة للتخفيف من الفقر والأهم لضمان تكافؤ حقيقيّ للفرص والتأكّد من عدالة ونزاهة العقد كشريعة للمتعاقدين الذي يمثل المبدأ الحاكم للنظام الرأسماليّ وكأنّ توحيد الموقف الليبراليّ على شعار حرية السوق ولافتة دعه يعمل ودعه يمر هو تكثيفٌ مبتورٌ للموقف الليبراليّ واختزالٌ غير علميّ له وهو ما اتضح خلال القرن العشرين حيث تقدّم الليبراليون الكبار للدفاع عن مواقف تدخّليّة من جانب الدولة لتحقيق أغراض اجتماعيّة بل وللمحافظة على توازن السوق وحريته الحقيقيّة من خلال ضمان تمتع الفقراء والمحرومين بحدٍّ أدنى من الحقوق.