قامشلو / رشا علي ـ
يعد الخامس عشر من شهر أيار يوم اللغة الكردية، الذي يعدُّ انتصاراً على الأنظمة القمعية، لصهر ولمحو الوجود الكردي، واللغة الكردية، ويحتفل أبناء الشعب الكردي بهذا اليوم العظيم، إدراكاً منهم بأن حماية اللغة الكردية، وتعزيز مكانتها واجب وطني على كل كردي؛ لأن اللغة الشرط الأساسي، والأول للوجود، وللحفاظ على الهوية من الاندثار؛ هذا ما أكدته معلمة اللغة الكردية نجبير علي..
في الخامس عشر من أيار من كل عام، يحتفل الشعب الكردي بيوم اللغة الكردية، والذي يصادف تاريخ إصدار أول عدد لمجلة “هاوار” الأدبية الكردية، والتي أسسها جلادت بدرخان في دمشق، وصدر عددها الأول في الخامس عشر من أيار 1932، وسُميت الأبجدية الكردية اللاتينية، التي أدخلها جلادت بدرخان، واستخدمها في مجلته، باسم “أبجدية هاوار”.
اللغة الوسيلة الأولى للتواصل بين البشر
وحول أهمية اللغة الكردية، ومكانتها التاريخية، التقت صحيفتنا مع إحدى معلمات اللغة الكردية “نجبير علي” والتي أشارت في حديثها، الى أن اللغة، تعد من أهم الوسائل الرئيسية للتواصل بين البشر، والعالم على مرِّ العصور، مّا أعطى اللغة مكانتها الأولى بين البشر، حيث أن اللغات تعددت، واختلفت من مجتمع لآخر، فكان كل مجتمع يستخدم مفردات مختلفة عن المجتمعات الأخرى، للتعبير عمّا يحتاجه، أو يفكر به، مّا جعل قيمتها تبرز في الفنّ، والأدب، والخطابات، فضلًا عن أنّها تُمكّن من تدوين الأفكار وحفظها، بالإضافة إلى أنها ساعدت في نقل تُراث الأجداد جيلًا بعد جيل، وبأنها قاعدة أساسية، لكل مجتمع، وقد تم شرحها من قبل الفلاسفة والأديان بمعانٍ مختلفة.
وتابعت نجبير حديثها: “أهمية اللغة برزت بصورة جلية في التواصل بين الشعوب، فهي مفتاح التواصل، وهي الوسيلة، التي من خلالها تم الحفاظ على ثقافة الأمم والشعوب، بالإضافة إلى تاريخها المشرق المليء بالقصص والعبر، وهي تربط الفرد بأمته، وبحضارته، التي ينتمي إليها، وبالتالي اللغة ليست مجرد حروف تنطق، أو تُقال، بل إنَّ وراء هذه الحروف فناً ذا مستوى عالٍ، يُمكّن الأفراد من الاتصال ببعضهم من خلالها، وإيصال ما يريدونه، وما يسمعونه من أحاديث فيما بينهم”.
وأوضحت نجبير: “للغة مكانة مرموقة، وخاصة ضمن المجتمع، لأنها الوسيلة الأولى للتواصل: “جلادت بدرخان يقول “إن اللغة هي القاعدة التي تبقي المجتمع صامداً”، نحن الشعب الكردي، إذا أعدنا النظر إلى تاريخنا، سوف نجد الكثير من الهجمات، والسياسات الاحتلالية من صهر، ومن إبادة بحق شعبنا لأنهاء ثقافته ولغته، وعاداته وتقاليده، ويقول جلادت بدرخان في هذا الصدد أيضاً: إن الشعب الكردي واجه الكثير من السياسات الاحتلالية، والإبادة ومن أجل حماية نفسه من الانصهار، حمل سلاحين للمقاومة، إحداهما اللغة والثاني الدين، فإن واجهه العدو بالدين، يستخدم اللغة، ويقاوم بها”.
بدر خان وضع القواعد والأسس
لعب الأمير جلادت بدرخان، دوراً كبيراً في نشر اللغة الكردية، وضبط قواعدها، وحماها من الانصهار من خلال التركيز على أهمية اللغة، ودورها في حماية ثقافة المجتمعات من الاندثار، ورغم الظروف والأوضاع في تلك الفترة، فكانت سوريا قاعدة خصبة لنهضة فكرية من أجل تعريف الكرد بحقوقهم كشعب من جهة، وقاعدة لانطلاق التمرد ضد العثمانيين أولاً، وتركيا الحديثة لاحقاً.
أكدت نجبير على ذلك بقولها: “رغم الظروف والأوضاع الصعبة في تلك الفترة، إلا أن جلادت بدر خان استخدم الأحرف اللاتينية، ونشر أول مجلة كردية سميت “هاوار” واختصت هذه المجلة الكتابة باللغة الكردية، ولم تتناول إلا المواضع الأدبية، والشعرية، والثقافية، والفلكلور، وذلك من أجل معرفة الشعب الكردي لتراثه، وابتعدت عن السياسة، ومنذ ذلك الحين، تطبع، وتكتب المئات من الكتب باللغة الكردية، ويعود الفضل في ذلك إلى ميراث جلادت بدر خان”.
وأصدرت اليونسكو في مؤتمرها العام في شهر تشرين الثاني من عام 1999، قراراً ينص على أن للفرد الحرية في التكلم بلغته الأم، وذلك من أجل تعزيز التعدد اللغوي، والثقافي، والتشجيع على المحافظة على اللغات، التي تستخدمها شعوب العالم وحمايتها، ولكن لم يلتزم المستعمرون لأجزاء كردستان الأربعة، بهذا القرار، بل عملت على العكس من ذلك، فمنعت الكرد من التحدث بلغتهم الأم، واُرتُكبت العشرات من المجازر، والتي تعدّ إبادة جماعية بحقهم فقط، لأنهم كرد.
وحول ذلك أوضحت نجبير: “من أجل أن يتعلم الفرد اللغة، هناك أربع قواعد، لا يمكن الاستغناء عنها، وهي القراءة، والكتابة، والاستماع، والتحدث، تعلم أبناء الشعب الكردي لغتهم الأم عن طريق الأمهات، والعوائل والأصدقاء، لكن عندما كنا نبلغ السادسة من العمر، نذهب إلى المدرسة، التي كانت تُقال لنا بأنها منزلنا الثاني، ولكن عن نفسي، أقول: إنها ليست منزلنا الثاني، بل كانت السجن، الذي نُرسل إليه، وبخاصة عندما كانوا يفرضون علينا لغة أخرى، غير تلك التي نتحدث بها، حيث لم يكن لنا حرية الرأي والتعبير، وأثر ذلك بشكل سلبي على نفسية الأجيال الكردية المتتابعة”.
للغة الكردية خمسُ لهجات مختلفة
هناك ستة آلاف لغة في العالم، لكن الغالبية العظمى من هذه اللغات معرضة للانقراض، فالنسبة العظمى من سكان الكرة الأرضية يتحدثون بـ(100) لغة فقط، من بينها اللغة الكردية، التي تحتل المرتبة (59) من حيث عدد الناطقين بها.
وحول ذلك نوهت نجبير، أن الشعب الكردي حافظ على لغته، رغم الهجمات والإبادة، والسياسات الاحتلالية وبينت: “تنقسم اللغة الكردية إلى خمس لهجات رئيسية: وهي صوران، ظاظا، كوران، وكرمانج، ولوران، هناك الكثير من الدلائل، والإثباتات تدل على أن اللغة الكردية لغة غنية بمفرداتها”.