سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

اللاجئون السوريون في لبنان… هروبٌ من النار إليها

بدرخان نوري_

دفعت ظروف الحرب في سوريا بمئات آلاف السوريين لعبور الحدود إلى لبنان، وعاشوا طيلة السنوات ظروفاً صعبة في بلدٍ منهكٍ اقتصاديّاً، على أمل العودة إلى بلداتهم بعد تحقق الأمن والاستقرار، إلا أنّهم وجدوا أنفسهم فجأة مع اندلاع الحربِ في لبنان يواجهون خيارين أحلاهما مر إما البقاء وتحمّل ظروف الحرب وافتراشِ الطرقاتِ والحدائق أو العودة قبل أن تنضج شروط العودة الآمنة، وبمرور الوقت ترتفع فاتورة الدم لبقاء السوريين في لبنان، وفيما بدا لهم يوماً خلاصاً كان هروباً من النار إليها.
ضحايا سوريون في القصف الإسرائيليّ
قال رئيس بلدية يونين اللبنانيّة علي قصاص، الخميس 26/9/2024: إن 23 سوريّاً على الأقل معظمهم من النساء والأطفال قُتلوا في غارة إسرائيلية على مبنى من ثلاثة طوابق في البلدة، في وقت متأخر من مساء الأربعاء، مضيفاً أن ثمانية أشخاص قد أُصيبوا أيضاً.
ويعمل معظم الضحايا في مهنة قص وتركيب الحجر، ويقيمون في مبنى واحد مؤلف من ثلاثة طوابق منذ سبع سنوات، وقال علي الحسين وهو قريب الضحايا لقناة “الحرة” إنّ 17 قتيل هم من عائلة “الشيخ عبد القادر”، وتعود أصولهم إلى بلدة كلجبرين بريف حلب الشمالي، وأضاف أنّ الضحايا مدنيون عزّل وبينهم نساء وأطفال وبقية الضحايا سوريين ومن مناطق أخرى في البلاد”، ومن بين الضحايا الآخرين أشخاص من مدينة منبج في شمال وشرق سوريا ودير الزور ومدينة الحراك بريف درعا.
وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، بلغ عدد الضحايا السوريين الكليّ في اليوم الرابع من التصعيد الإسرائيليّ 113 سوريّاً، بينهم 25 امرأة و35 طفلاً، وأكد مدير المرصد رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «نحو 18 ألفاً من النازحين السوريين عادوا إلى سوريا، وبالتحديد إلى مناطق سيطرة النظام، وبعضهم إلى مناطق الإدارة الذاتيّة”، لافتاً إلى أن “هؤلاء غادروا عبر معابر نظامية وغير نظامية”.
استشهاد ثلاثة أشقاء من عفرين بقصف إسرائيلي على بلدة الخرايب اللبنانيّة. وهم أبناء عائلة عربية من أهالي من قرية أبو كعب ــ ناحية جندريسه، وهم: 1- سعاد أسعد عبد الله (18 سنة).  2- شام 8 سنوات 3- عبد الهادي 9 سنوات. كما أصيبت شقيقتهم “صفاء” في القصف.
وتم تداول مقطع مصوّر يُظهر قصفاً إسرائيليّاً على منطقة في جنوب لبنان، وفي خلفية المشهد صوت امرأة كرديّة تبكي وتصرخ باللهجة العفرينيّة بما معناه “يا الله… حمودة، مات أولادي… مات أولادي… أنا أموت”، ولم يتم تبين تفاصيل حول الحادث والمنطقة وهوية المرأة.
ويشهد لبنان منذ الاثنين 23/9/2024، غارات إسرائيلية عنيفة وكثيفة، استهدفت بشكلٍ كبير مناطق في الجنوب والبقاع. وتحارب إسرائيل حالياً على جبهتين في مواجهة حركة حماس وجماعة حزب الله في لبنان. ومنذ الاثنين، يشن الجيش الإسرائيلي “أعنف وأوسع” هجوم على لبنان منذ بدء المواجهات مع “حزب الله” قبل نحو عام، وأسفر عن مقتل أكثر من 730 شخص، بينهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى 2658 جريح ونحو 390 ألف نازح، وفق بيانات السلطات اللبنانيّة الرسميّة.
الإدارة الذاتية تُعلِن استعدادها لاستقبال اللاجئين السوريين
مع تفاقم أزمة اللاجئين السوريين في لبنان جراء الحرب أعلنت الإدارة الذاتية الديمقراطيّة لإقليم شمال وشرق سوريا، استعدادها تقديم الدعم والعون اللازم وتسهيل عودة اللاجئين السوريين في لبنان.
وقالت الإدارة الذاتية في بيان أصدرته الثلاثاء 24/9/2024، إنّ “التطورات التي تعصف بالمنطقة وخاصةً ما يجري في لبنان، تُسهِم في زيادة معاناة أهلنا السوريين النازحين إلى لبنان؛ في ظل ما يعيشونه من ظروف صعبة ضمن رحلة النزوح؛ نتيجة ما حدث في سوريا منذ أزمة أكثر من عقد”.
وأكد البيان أنّ العودة حقٌّ أساسيّ ولابد من عمل كل الأطراف على تسهيله بشتى الوسائل الممكنة “حيث ونتيجة ما تم ذكره، فمن الضروريّ وبشكلٍ عاجل أن يتم تسهيل عودة أهلنا النازحين إلى بلدهم سوريا، ممن يريدون العودة لمناطقهم التي نزحوا منها”.
وطالبت في الوقت ذاته حكومة دمشق على التعاون لتسهيل مرورهم وأخذ معاناتهم بعين الاعتبار بشكلٍ جدي، “مؤكدين على إننا ملتزمين جميعاً في تخفيف معاناة أهلنا النازحين والعمل على تحقيق العودة درءاً لأيّ مخاطر يمكن أن يتعرضوا لها وسط ما يحدث”.
وفي هذا السياق أعلنت ممثلية الإدارة الذاتيّة في لبنان، تشكيلَ لجنة لمتابعة شؤون اللاجئين السوريين، لتقديم يد العون والمساعدة للاجئين ممن هم من إقليم شمال وشرق سوريا، فضلاً عن تشكيل لجان لتنسيق شؤون اللاجئين العائدين إلى شمال وشرق سوريا أيضاً.
مائة دولار لعبور الحدود
مع استمرار القصف الإسرائيليّ وتزايد النزوح من عدة مناطق في لبنان، ترفض مراكز الإيواء التي حددتها الحكومة اللبنانيّة استقبال السوريين باعتبار أنّ الأولوية هي للبنانيين الهاربين، لتجبر عائلات السوريين على المبيت في الشوارع وتحت الجسور والأشجار ريثما يجدوا مأوىً لهم، فيما قرار العودة إلى سوريا لم يدخل بحساباتهم، ما أجبرهم على النزوح من بيروت ومنطقة الجنوب، إلى جبل لبنان وطرابلس للإقامة بشكل مؤقت. وأعرب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية الأمميّ “أوتشا” عن قلقه من تدفق السوريين واللبنانيين عبر الحدود إلى سوريا، مؤكداً أنّه “لا يمكننا تحمل مزيد من حالات الطوارئ الإنسانيّة”.
وقال بيان مشترك للمنسق المقيم للأمم المتحدة في سوريا، آدم عبد المولى، والمنسق الإقليميّ للأزمة السوريّة، رامناتن بالكرشنن، صدر يوم الجمع: إنّنا “نتابع عن كثب التطورات المقلقة في المنطقة، حيث شهدنا في الأيام القليلة الماضية تدفق آلاف السوريين واللبنانيين إلى محافظات ريف دمشق وحمص وطرطوس في سوريا”.
وأعلن نائب محافظ ريف دمشق، جاسم المحمود، الخميس أنّ عدد الوافدين السوريين واللبنانيين عبر معبر جديدة يابوس، منذ الثلاثاء حتى ظهر الخميس، بلغ 42 ألف شخص بينهم 31 ألف سوريّ و11 ألف لبنانيّ. كشفت تقارير إعلاميّة أنّ مئات اللاجئين السوريين في لبنان والذين نزحوا من مناطق الجنوب اللبناني التي تتعرض للقصف الإسرائيلي، ينتظرون عند الحدود اللبنانيّة السوريّة بسبب عجزهم عن الالتزام بشرط “تصريف مائة دولار على الحدود عن كلّ شخص تجاوز 18 سنة”، والذي تفرضه حكومة دمشق.
وذكرت التقارير أنّ عدداً من المواطنين السوريين عالقون على الحدود اللبنانية السورية عند نقطة “جديدة يابوس”، اشتكوا من عرقلة دخولهم من قبل حكومة دمشق، ما لم يدفعوا مبلغ مائة دولار أمريكيّ. فيما حين يدخل أشخاص من جنسيات أخرى دون شروط. وواجه اللاجئون السوريون العائدون تحقيقات مطوّلة ووضعاً معيشيّاً صعباً في مراكز الإيواء، مع غياب الخدمات الأساسيّة.
وكانت حكومة دمشق قد أصدرت في 8/7/2020 قراراً يلزم كلّ من يدخل الأراضي السوريّة بتصريف مائة دولار أمريكيّ أو ما يعادله من العملات الأجنبيّة. وأشار القرار إلى أنّه يتم تحديد سعر الصرف وفق نشرة أسعار صرف الجمارك والطيران، وأعفى القرار القاصرين من السوريين ومن في حكمهم، وأيضاً سائقي الشاحنات والسيارات العامة. وفي 2/9/2020 صرّح مدير إدارة الهجرة والجوازات اللواء ناجي النمير أن التعليمات تقضي بإعادة من لا يملك مائة دولار من حيث أتى”. وأضاف أنّ “الجانب اللبناني لا يقبل رجوع السوريين، لذا على العالق الاتصال بأحد من ذويه أو أصدقائه، لتأمين المبلغ ليتمكن من الدخول بشكلٍ طبيعي”. أثار تعامل سلطات حكومة دمشق مع النازحين اللبنانيين غضباً واسعاً في أوساط المواطنين السوريين، خاصةً في المناطق الخاضعة لسيطرته. ويأتي هذا الاستياء في ظل تقديم حكومة النظام تسهيلات كبيرة للنازحين اللبنانيين الذين فروا من القصف الإسرائيليّ، فيما يعاني السوريون العائدون من لبنان إجراءات معقدة على الحدود وتهميشاً كبيراً في الخدمات المُقدمة لهم.
وفعليّاً يرفض شبان سوريون العودة إلى بلادهم، خشية تعرضهم للاعتقال لسبب ما أو سوقهم إلى الخدمة العسكريّة الإجباريّة، وما تزال عائلات سوريّة تفضّل البقاء في لبنان في ظروف الحرب على العودة إلى مناطق سيطرة حكومة دمشق، رغم تزاحم العائلات اللبنانيّة عند المعابر الحدوديّة.
ومنذ اليوم الأول لتدفق النازحين تم التركيز على تقديم دعم شامل للبنانيين، وتسريع إجراءات دخولهم عبر الحدود باستخدام الهوية اللبنانيّة، وتوفير وسائل نقل، إضافة لافتتاح مراكز إيواء مجهّزة بجميع الاحتياجات الضروريّة مثل الطعام، الدواء، والأغطية. وتم إسكان غالبية اللبنانيين في هذه المراكز، بينما استأجرت بعض العائلات اللبنانية المقتدرة ماليّاً منازل في مناطق ريفي دمشق وحمص ومناطق أخرى.
وقامت شركات الاتصالات في سوريا بتسهيل بيع الخطوط الخلوية للبنانيين عبر تقديم باقات إنترنت مجانية لهم، وإرسال سيارات جوالة إلى المناطق التي يتواجدون فيها لتسهيل شراء الخطوط بكل يُسر.
استهدافٌ لمعابر حدوديّة ومواقع سوريّة
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان الخميس 26/9/2024، بأنّ الطيران الحربي الإسرائيليّ شنَّ غارةً جويّة بعدة صواريخ استهدفت معبر مطربا الذي يربط منطقة القصير بالأراضي اللبنانية، ما أودى بحياة عنصر من المخابرات العسكريّة وإصابة ثلاثة آخرين، وخروج المعبر عن الخدمة بسبب تعرضه لأضرار مادية كبيرة، وهو الاستهداف الثاني لليوم الثاني على التوالي. كما أنّه الاستهداف الإسرائيلي الخامس منذ بدء التصعيد الإسرائيليّ على الأراضي اللبنانيّة. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، إن طائراته هاجمت بنى تحتية تستخدم لنقل وسائل قتالية من الأراضي السورية إلى “حزب الله” في لبنان. وأنّ قصف المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، يهدف لمنع وصول الأسلحة إلى حزب الله منها.
كما شهد يوم الخميس غارةً أخرى على محيط قرية حوش السيد علي، وهي منطقة يستخدمها “حزب الله” للتنقل بين سوريا ولبنان، لكن لم ترِد معلومات حول خسائر بشرية نتيجة لهذا الهجوم.
استهدفت مسيرة إسرائيلية، فجر السبت 28/9/2024 منزلاً في قرية بيت سابر في منطقة جبل الشيخ بريف دمشق، ما أدّى إلى مقتل امرأة وزوجها وهو فلسطينيّ سوريّ، كما أصيب عدد من أفراد اسرته بجروح.
أعلنت وزارة دفاع حكومة دمشق، الجمعة 27/9/2024 أن الجيش الإسرائيليّ شن هجوماً جوياً من اتجاه الجولان السوري مستهدفاً أحد مواقعها العسكرية على الحدود السورية – اللبنانية قرب كفير يابوس بريف دمشق. وبحسب وزارة الدفاع، فإن القصف أدى لمقتل خمسة عناصر وإصابة آخر بجروح. كما تم استهداف آلية قرب منطقة كفير يابوس ما أسفر عن مقتل شخصين لم تُعرف هويتهما.
استهدف قصف إسرائيلي مدينة طرطوس الساحليّة وأعلنت فيه وسائل إعلام موالية لحكومة دمشق تصدي الدفاعات الجويّة لأهداف في السماء. وذكر المرصد السوري أن الدفاعات الجوية تصدرت لثمانية أهداف في سماء المياه الإقليمية قبالة طرطوس.
وبالمجمل؛ فإنّ احتواء تداعيات الحرب التي تشنها إسرائيل على لبنان وتخفيف معاناة اللاجئين السوريين يستدعي عملاً استثنائياً وتسهيلات على معابر الحدود، الأمر الذي يتطلب وتجاوز النتائج التي أفرزتها الأزمة في سوريا، تحقيق أقصى درجات التعاون للحفاظ على حياة المواطنين السوريين.