سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

اللاجئون السوريون ضحية العنصرية والترحيل القسري في ظل غياب المحاسبة الدولية

برخدان جيان_

على الرغم من الحقائق، التي كشفتها تقارير موثوقة عن وضع اللاجئين السوريين وترحيل دولة الاحتلال التركي لهم قسراً، التي استخدمتهم ورقة ربح وضغط منذ استضافتهم بموجب اتفاقيات دولية وأوروبية، إلا إن المجتمع الدولي بقي صامتاً، جراء ما يحدث للاجئين السوريين، فظلوا يقاسون المعاناة في ظل التعسف والقمع التركي.
تعمل السلطات التركية خلال الفترة الحالية على تأجيج العنصرية ضد اللاجئين السوريين، وخاصة بعد حوادث العنف الوحشي في ولاية قيصري، والتي راح ضحيتها العشرات من اللاجئين السوريين على يد العنصريين الأتراك، ولتطبيق سياسة التغيير الديمغرافي بترحيلهم قسرياً.
قضية العنف ضد “اللاجئين السوريين” ليست بالجديدة على العموم، ولكن تعمد “السلطات التركية” خلق روايات معادية للاجئين السوريين، والتي استثمرتها الأحزاب السياسية وخاصة القومية، وكذلك المتصيدون في مواقع التواصل الافتراضي، تشكل تحديات للاجئين السوريين في تركيا، الذين باتوا يمتلكون الآن آلاف المحلات والمطاعم والأعمال التجارية في كثير من المدن والبلدات التركية، بمقابل محاولتها ترحيلهم الى الأراضي السورية المحتلة لتطبيق سياسة التغيير الديمغرافي، واستخدامهم أدوات تنفيذية في تطبيق سياساتها الاحتلالية متعددة الجوانب.
عنصرية مقيتة واستخدام للاجئ السوري
وشملت المزاعم والروايات، التي يروج لها “العنصريون الأتراك”، منح الحكومة رواتب خيالية للاجئين السوريين وسهولة منح الجنسيات، وتصاريح العمل وقبولهم في الجامعات التي يختارونها وإعفاؤهم من الضرائب؛ الأمر الذي أدى إلى تأليب الشارع التركي ضدهم.
ولكون تركيا أضحت سجناً كبيراً للاجئين السوريين الهاربين من أتون الحرب السورية منذ العام 2011 إلا أن المساعدات الأوروبية لم تتوقف لتركيا؛ لتمويل برامج دعمهم، حيث استلمت السلطات فعلياً مليارات اليورهات مقابل تمويل مشاريع لاحتضان اللاجئين السوريين بحسب الأرقام المتوفرة على موقع المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين، حيث أن هنالك تساؤلات بخصوص هذه المبالغ وإن كانت تصل الى اللاجئين أم لا؟!.
وتعمل السلطات التركية على تأجيج المشاعر العنصرية بحق اللاجئين السوريين بإتاحة المجال للأحزاب المتطرفة المناهضة لهم لإشعال فتيل الأحداث العنصرية، وخاصة بعد حدوث كارثة زلزال (شباط 2023) حيث بدأت نسبة الحوادث العنصرية تتزايد من قتل وطعن وحرق لممتلكات السوريين هناك، ومنها أحداث “آلتن داغ” التي سببت تزايد المشاعر القومية ومعاداة المهاجرين وتعرض ممتلكات السوريين للتخريب والحرق.
وأعقب ذلك بداية ظاهرة إطلاق هتافات تدعو إلى طرد السوريين من البلاد قبيل بدء المباريات في الملاعب الرياضية، ثم بداية تعرض اللاجئين السورين لأول مرة لاعتداءات من مجموعات من الأتراك، وهكذا تحولت مشاعر ما يعرف التعاطف والأخوة، التي أظهرها المجتمع التركي تجاه اللاجئين في الأعوام الأولى من الحرب في سوريا، إلى أخرى أكثر عدائية ضدهم.
كما تصاعدت مشاعر العداء للاجئين في تركيا مع قيام عدد من السياسيين المحسوبين على الأحزاب المتطرفة بحملات لفرض قيود أكثر صرامة على اللاجئين السوريين، مما ساهم في ازدياد مشاعر الكراهية تجاههم، حيث نشر المعارض المتطرف أوميت أوزداغ الذي يترأس “حزب النصر” والذي تتركز سياساته على محاربة فكرة وجود المهاجرين في تركيا تغريدة قال فيها “حان وقت الرحيل”.
وكان كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب “الشعب الجمهوري” المعارض، قد وعد أنصاره، بأنه سيعيد السوريين إلى بلادهم في غضون عامين في حال نجح في الانتخابات الرئاسية المنقضية، مؤكداً لهم أن لديه خططاً جاهزة لتنفيذ ذلك.
ترحيل وتوطين في الأراضي المحتلة
وبسبب السياسة العنصرية، التي تتبعها السلطات التركية بحق اللاجئين السوريين، وكمية الكراهية والعنصرية، التي سببتها يلقي المواطنون الأتراك اللائمة على اللاجئين، وخاصة السوريون في الأحداث والمشاكل، التي تواجهها شعوبهم، وخاصة ارتفاع معدلات البطالة والتضخم والإيجارات والمواد الغذائية وغير ذلك.
هكذا لعبت تصريحات أردوغان دوراً كبيراً في التخفيف من الضغوطات على حكومته، التي فشلت في حل الأزمات التي يعانيها الداخل التركي،  ولا سيما تصريحه الذي قال فيه: “إن 670 ألف سوري رُحلوا إلى تجمعات سكنية في الشمال السوري، ومن المتوقع عودة مليون شخص آخر”، وقد تأكدت تلك التصريحات على لسان وزير الخارجية “هاكان فيدان” وغيره من المسؤولين الرسميين، حيث يتم العمل على توطين الآلاف منهم على الأراضي السورية المحتلة “عفرين ـ وكري سبي ـ والباب ـ وجرابلس ـ وسري كانيه.. وغيرها”؛ لتطبيق سياسة تغيير ديمغرافية المنطقة وتطبيق مخططها الاحتلالي.
دعوات للحد من العنصرية
 ودعت منظمات محلية ودولية الاتحاد الأوروبي إلى إيقاف تمويل ودعم انتهاكات حقوق اللاجئين السوريين في تركيا، وفي بيان مشترك أعربت سبع منظمات بينها (الخدمة الدولية من أجل حقوق الإنسان) و(المركز السوري للعدالة والمساءلة)، عبرت عن مخاوفها البالغة إزاء الارتفاع الحاد في المشاعر المعادية للاجئين السوريين في تركيا وما يصاحبها من أعمال عنف ضدهم.
وأكد البيان ضرورة تجميد المساهمات المالية المقدمة إلى تركيا إلى أن توقف عمليات ترحيل اللاجئين إلى سوريا، بما في ذلك نحو المناطق المحتلة، ومقاضاة حالات أعمال العنف ضد اللاجئين.
وفي السياق ذاته، يرى “باحثون” أن تصاعد خطاب الكراهية ضد السوريين في تركيا يبعث على القلق، وهو يضغط على سياسات حكومة أردوغان في هذا الملف أيضاً، إذ أن ذلك لن يؤدي إلا لمضاعفة الضغط على اللاجئين السوريين في تركيا، حيث أن تعاون تركيا (السجن الكبير) في مكافحة الهجرة غير الشرعية يكتسب أهمية كبيرة في علاقتها مع الاتحاد الأوربي لاسيما أن الأخير لا يزال يولي أهمية لمواصلة التعاون مع تركيا في هذا المجال.
فيما يرى “محللون” أن تصاعد خطاب الكراهية يرجع لمجموعة من الأسباب على رأسها توظيف بعض أحزاب المعارضة قضية اللجوء في السياسة الداخلية، وأن أحداث “قيصري” أظهرت مخاطر أن يؤدي خطاب الكراهية إلى صدام مجتمعي تؤججه السلطات التركية بين شعوبها واللاجئين، وهذا الأمر يدفعها إلى التعامل بحزم مع مكافحة خطاب الكراهية بمعزل عن الآثار السياسية الداخلية.
الحقائق بقيت مغلفة في ظرف مختوم
ما يعيشه اللاجئون السوريون اليوم عاشوه في السنوات الماضية، ولكن حجم العنصرية والتقارير، التي كشفت زيف دولة الاحتلال التركي كانت كفيلة في كشف الحقائق، ففي 2023 وقبيل استذكار الأزمة السورية في عامها الثاني عشر، وضمن تقرير خاص حذرت مفوضية شؤون اللاجئين من خذلان اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة لهم مطالبة بحماية دولية لهم، وقتذاك صرح أيمن غرايبة مدير المكتب الإقليمي للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: “بعد مرور 13 عاما ومع عدم وجود حل سياسي في الأفق، لا يزال اللاجئون السوريون في حاجة ماسة للحماية الدولية وفرص التماس اللجوء”.
وبدورها؛ كشفت الباحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش ناديا هاردمان انتهاك تركيا للقانون الدولي باعتقالها مئات السوريين اللاجئين وأجبرتهم على العودة إلى شمال سوريا، في محاولة منها لجعل تلك المنطقة ساحة للتخلص من اللاجئين، على الرغم من أن دولة الاحتلال قد قدمت حماية مؤقتة لـ 3.6 مليون لاجئ سوري.
عمليات الترحيل القسري تمثل نقيضاً صارخاً لسجل تركيا، التي استضافت عدداً من اللاجئين واستلمت من الاتحاد الأوروبي مليارات الدولارات مقابل تلك الاستضافة.
كما كانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد صرحت مسبقاً بأن تركيا ملزمة بموجب المعاهدات والقانون الدولي العرفي باحترام مبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يحظر أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطراً حقيقيا بالاضطهاد أو التعذيب أو غيره من ضروب سوء المعاملة أو تهديد الحياة.
ويشار إلى أن تركيا طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وكلاهما يحظران الاعتقال والاحتجاز التعسفيين والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، فالتزاماتها بتلك الاتفاقيات إضافة إلى اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية اللاجئين لعام 1951 تفرض عليها احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية. وكانت هناك توصيات قد قدمت إلى السلطات التركية بإنهاء عمليات الاعتقال والاحتجاز والترحيل التعسفية للاجئين السوريين إلى شمال سوريا، وضمان عدم استخدام القوى الأمنية ومسؤولي الهجرة العنف ضد السوريين أو غيرهم من المواطنين الأجانب المحتجزين ومحاسبة أي مسؤول يستخدم العنف، والتحقيق بشكل مستقل في الإجراءات الرامية إلى فرض أو خداع أو تزوير توقيع أو بصمات المهاجرين على استمارات «العودة الطوعية»، إلى جانب هذه التوصيات قدمت هيومن رايتس ووتش توصيات أخرى إلى المفوضية الأوروبية تضمنت الإيضاح علنا أن تركيا ليست بلدا ثالثا آمنا بموجب المعايير المنصوص عليها في المادة 38 من “توجيه الاتحاد الأوروبي المعني بإجراءات اللجوء”، وإعداد تقييم عام لما يحدث بتجاوزات على حقوق الإنسان، والضغط على تركيا للسماح بآلية إبلاغ مستقلة من أجل ضمان عدم مساهمة تمويل الاتحاد الأوروبي لإدارة الحدود ولمراكز الترحيل في تركيا، بالإضافة إلى الإبلاغ علنا، بما في ذلك في سياق التقرير السنوي عن تركيا، عن إجراءات السلطات التركية “لترحيل اللاجئين السوريين بشكل غير قانوني، والإجبار أو الإكراه على توقيع استمارات “العودة الطوعية “في مراكز الترحيل، بما في ذلك تلك التي تلقت تمويلا من الاتحاد الأوروبي، وتوصية أخرى تتضمن دعوة تركيا علنا إلى وقف عمليات الترحيل والسماح لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بمراقبة ما إذا كان السوريون المحتجزون يرغبون في البقاء في تركيا أو العودة طواعية إلى سوريا.
هذه التوصيات والمطالب والدعوات بقيت حبراً على الورق في ظل استمرار الانتهاكات والاعتقالات التعسفية بحق اللاجئين السوريين، إلى جانب الإعادة القسرية، على الرغم من التوثيقات والتقارير التي أكدت صحة الترحيل القسري بما في ذلك تقرير هيومن رايتس ووتس، وبقي اللاجئون السوريون رهان مصالح تركية ودولية وورقة ضغط تستخدمها تركيا وقت إفلاسها.