روناهي/ الشدادي: داخل أسوار منزلها الواقع على تخوم مدينة الشدادي تفترش السيدة الثمانينية “عيدة الهفل” الأرض وتُدندن بلحنٍ من تراث المنطقة يكون مألوفاً لمن عاش على ضفاف الخابور, وهي تضع أمامها بابور كاز قديم وجرن “مهراس” صغير الحجم، ترمي حجر “الإثمد”، وتدقّه على مهل على أنغام ألحانها التي تدندن بها, بالإضافة إلى إناء مصنوع من الكروم تضع فيه بيضة وتحركها ببطء حتى تتفحّم.
تخلط عيدة البيضة مع حجر الكحل وعود القرنفل والحلبة والسكر المصري وتبدأ بدق الخلطة في “النجر” البلاستيكي حتى تتجانس مكوناتها, تطبق يدها على المدقة وتبدأ بالتحريك بحركات دائرية حتى تتأكد من نعومة الخليط.
وبعد الانتهاء من مرحلة الدق تحضر عيدة قطعة من القماش الرقيق لتبدأ بمرحلة جديدة وهي مرحلة الغربلة بحيث لا يمر منها إلا الكحل شديد النعومة، وتبدأ بتجربة الكحل عبر أداة خاصة تسمى “المرود” وتنتقل بعدها الى مرحلة التعليب والتخزين عبر علب صغيرة.
موروث الأجداد ومصدر رزق
تقول عيدة الهفل لصحيفتنا “روناهي” أنها ورثت المهنة من جدتاها من قبل خمسين عام أو أكثر؛ ولاتزال تعمل بالمهنة إلى وقتنا الراهن مع الانتشار الكبير لأدوات التجميل الحديثة والعصرية, فمنتوجاتها لاتزال تلاقي رواجاً بين صفوف النسوة.
وتصر على الاستمرار في إنتاج الكحل العربي مع تقدم عمرها كونه يعتبر مصدر رزق يساعدها على تحمّل أعباء الحياة.
يُستخدم الكحل للزينة و لمعالجة بعض أمراض العين
لطالما حرصت المرأة منذ سالف العصور على الاهتمام بنفسها وزينتها وكان الكحل العربي والحناء حاضرين بكل طقوس الزينة لدى المرأة العربية على وجه الخصوص، لكونها حرصت على التجمل بمنتوجات طبيعية على خلاف نظيراتها الموجودة بالأسواق والتي غالباً ما يدخل في مكوناتها مواد كيمائية مضرة.
ويستخدم الكحل العربي في أغلب الأحيان لمعالجة بعض الأمراض والالتهابات التي تصيب العين؛ لما يحمله من مواد طبيعية تحافظ على العين وسلامتها, ولا يكون حكراً على النساء فبعض الرجال في غالب الأحيان يستعملونه لمعالجة الرمد “احمرار العين” فهو يعود بفائدة كبيرة عليهم وتقوية وإطالة الرموش وفق تجارب كثيرة على حسب قولها.
وبينت عيدة الهفل أن الكحل العربي لم يقتصر وجوده في المناسبات والأعراس كغرض للزينة, بل تجاوز ذلك استعمالات أخرى لافتاً أن النساء قديماً كنَّ يستخدمن الكحل في عيون الرضع وذلك لاعتقادهن بأن الكحل قد يحمي من الحسد، بالإضافة إلى فوائده في تنقية العين وهو يساعد في قذف المواد العالقة في العين مع الدمع عند ملامستها للكحل.
ولا تُعرف للكحل العربي أي أضرار جانبية قد تصيب العين لأن الكحل مصنوع من مواد طبيعية فقط دون دخول أي عنصر ضار كما تقول الخبيرة به “عيدة الهفل”.