روناهي/ دير الزور ـ لتجسيد التراث الشرقي الفراتي، يحتل الكحل العربي مكانة فريدة عند النساء بدير الزور، الذي يضفي جمالية تقليدية على مظهر عيون المرأة الديرية.
تُزين عيون نساء دير الزور لمسات الكحل العربي، الذي توارثته أجيال من نساء دير الزور، فهذا التراث الجميل، لا يعتبر مجرد منتج تجميلي، بل هو جزء أساسي من هويتهن وثقافتهن، إضافة إلى ذلك، تغنى المغنون الفراتيُّون بالكحل العربي الأصيل الذي يزين عين المرأة الديرية، بقولهم “هلا يل مكحل كحلين…هلا يمحني الزلفين.. هلا يل ما شافت عين مثلك ولا راح تشوف”.
جمال متوارث عبر الأجيال
يرجع استخدام الكحل لنساء دير الزور إلى عادات وتقاليد متوارثة عبر الأجيال، فالكحل العربي لا يُصنع عند خبراء متخصصين أو في معامل كيميائية معينة، بل إنه كان ومازال يُصنع في المنازل، وتتوارث طريقة صنعه البنات عن الأمهات والجدات.
أصل الكحل
يعود تاريخ استخدام الكُحل إلى العصر البرونزي أي حوالي العام 3500 قبل الميلاد، واستخدمته عدة شعوب وحضارات أشهرهم الفراعنة، وكانوا يستخدمونه فتظهر عيونهم واسعة وجميلة.
فوائد الكحل العربي
إلى جانب أهميته أداة للزينة، للكحل فوائد عدة، وفق ما اتفق العرب، من أهمها زيادة النظر وتقويته، حيث يساعد الكحل على التخلص من ضعف النظر، كما يمكن استخدامه في حالات التهاب العيون، والحساسية المفرطة للعين والقرح التي قد تتعرض لها العيون بسبب الملوّثات الخارجية، إلى جانب تأثيره القاتل للجراثيم التي تتعرض لها العيون، كذلك يساعد الكحل على إنبات الرموش، حيث يحتوي على عدد من الخصائص التي تؤثر في البشرة فتنشط بصيلة الشعر للعمل على إنباتها وتثبيتها.
العنصر الأساسي الذي يُصنع منه الكحل، حجر الإثمُد، وموطنه الأصلي في شبه الجزيرة العربية السعودية، وهو أغلى أنواع الأحجار التي يتم استخدامها لصنع الكحل العربي، إذ كان الحِجاج السوريون يجلبونه معهم هدية قيمّة للأهل أو للعائلة وتستمر قيمته المادية والمعنوية حتى هذا اليوم.
تقليد قديم
ولمعرفة المزيد من المعلومات عن صناعة الكحل العربي، تحدثت لصحيفتنا “شمسة العبد الله” إحدى نساء ريف دير الزور، “تُحافظ النساء على تقليد قديم جميل وهو صنع الكحل العربي، فمنذ أجيال، تُصنع هذه المادة من حجر يتم تحويله إلى مسحوق ناعم لتلوين العين وإضفاء جمال خاص على المظهر”.
وأضافت شمسة: “يبدأ صنع الكحل بِجلب الحجر الإثمُد وبعض المواد الأخرى مثل النيلة وهو حجر لونه أزرق ونواة التمر، ثم توضع على النار في وعاء محكم الإغلاق لمدة لا تقل عن ساعتين، بعد ذلك تُخلط المواد والحجر الساخن مع السمن العربي (الحيواني)، لتفتيته وتنقيته من أي شوائب متبقية، ومن ثم يُجفّف المزيج، ويُطحن إلى مسحوق ناعم، ويوضع في المكحلة، وهي أداة خشبية تقليدية تستخدمها المرأة الديرية لوضع الكحل في العين”.
واختتمت “شمسة العبد الله”: “إن الكحل العربي مثال على التراث الثقافي لنساء دير الزور، وتحافظ من خلاله على تراث المنطقة”.