العملية العدوانية التركية الأخيرة في باشور كردستان والتي هي استمرار لعملياتها السابقة المُسماة “مخلب القفل” هي حقيقة ساخنة وساخنة جداً، كما سمَّاها الفاشي أردوغان قبل إطلاقها (الصيف الساخن)، ومع ذلك هناك تعتيم إعلامي من كل الأطراف المنخرطة في هذه العملية القذرة التي تستهدف الوجود الكردي وضرب الأمن القومي الكردي في جذورها، فحكومة بغداد وكأنها لا شأن لها بما يجري في كردستان؛ تاركةً تركيا تصول وتجول في ارتكاب مجازرها ضد البشر والحجر وتفريغ عشرات القرى من سكانها، وكأن إقليم كردستان ليس جزء من العراق الذي طالما يتباكون عليه ويعتبرونه جزء لا يتجزأ من الوطن إذا ما تعلّق الأمر بالمساعي الكردية إلى المزيد من الحقوق أو الاستقلالية، غير أنه إذا ما تعلّق الأمر بضرب الإقليم وإضعافه وتحجيم مكتسباته؛ فإن حكومة بغداد تكون في سُبات، وتبدأ بالحد الأقصى من التعبير عن غضبها في تصريحات من قبيل “نندد” أو “ندعو” أو “سنتقصى الحقائق”، وهي التي تدرك جيداً بأنها مَنْ باركت للتركي همجيته في كردستان بما يحقق هدفهم المشترك في ضرب الكُرد وتحجيمهم وطمعاً في مكاسب اقتصادية هي في حقيقة الأمر تستطيع تحقيقها بعيداً عن الارتهان للأجندات التركية، غير أن الأمر يطيب لها أيضاً.
أما هولير، إن كان لنا أن نسميها حكومة، فمنذ الاستفتاء القاتل على الاستقلال في 2017 فقد دخلت في مرحلة السُبات، وتلقَّت الضربات من تركيا وبغداد وإيران بصدرٍ واسع لتخسر ما حررت من الأراضي بالدم ولتخسر السيادة ولتخسر الموقف القومي من دون أيَّة ردة فعل حيث لم تعد قادرة حتى على إبداء ردة الفعل، وتسعى بكل جهد لعدم إغضاب تركيا وتسعى لإرضائها وأن كان على حساب تراب كردستان ومكتسباتها، فتركيا حالياً وبحسب المتابعين تسيطر على 75 بالمائة من محافظة دهوك، وتعتبر كل بقعة تدخلها على أنها أراضي تركيّة، وتُسَخِّر آلتها الإعلامية في إظهار العمال الكردستاني سبباً رئيسياً لما يجري من حرب قذرة، مبررةً بذلك للفاشية التركية فاشيتها ضد شعبنا، وتبرر للتركي سياسته التطهيرية في روج آفا من خلال دعم مُريديها من الأحزاب الكردية في الائتلاف الأردوغاني والذين لا يخفون تناغمهم مع الفاشية التركيّة في سياساتها تجاه الشعب الكردي عامةً وروج آفا خاصة.
كان بإمكان هولير أن تكون أقوى وأن تكون في موقف اللاعب الرئيسي في العراق وذات موقف قوي تجاه تركيا لو أنها حقاً وضعت المصلحة القومية الكردية فوق الاعتبارات الحزبية والعائلية، فوحدة الإقليم والتصالح مع القوى الكردستانية وتوحيد البيشمركة وتنظيم برلمان ديمقراطي، كان كفيلاً بأن لا يكون الإقليم في هذا الوضع المُزري الذي وصل إليه.
نحن لا نُبرِئ القوى الكردستانية الأخرى من المسؤولية عمَّا يتعرّض له شعبنا اليوم في عموم كردستان، لا السليمانية ولا قامشلو ولا آمد ولا مهاباد أيضاً، حيث كان بإمكانهم على الأقل تشكيل جبهة موحدة للمقاومة وعدم ترك بعضهم بعضاً يواجهون أقدارهم منفردين. فأعداء القضية الكردية يقضمون من قضية الشعب الكردي قضمة قضمة، ويتم تبريرها ذلك بالخلافات الكردية الكردية والتشرذم في الحركة السياسية الكردية والمصالح العائلية الضيّقة، فكل صيف ساخن ضد جهة كردية تعده الجهات الكرديّة الأخرى ربيعاً لهم؛ في تصور سطحي، وكأن إنهاء طرف كردي ما سوف يجلب لهم الأمان، ولا يدركون بأن دم الثور الأصفر والأخضر سيُحللان بمجرد التهام الثور الأحمر.
أما القوى الكردية التي تُعتبَر مجرد فروع وتوابع وهوامش للقوى الكردستانية الرئيسية؛ فإنها ومنذ بداية القرن الساخن لا الصيف الساخن وهم يثرثرون بما لا طاقة لهم به ولا هم لأجله حقاً يعملون حتى باتوا مجرد أرقام لا أكثر.
اليوم ترتكب الحركة السياسية الكردستانية خطأً استراتيجياً قاتلاً من خلال سياساتها الحزبية والعائلية وصراعهم على النفوذ، والتي تستثمر فيها أعداء القضية الكردية حيث سيكون الثمن باهظاً على الجميع وخاصةً على شعبنا الكردي في ظل تصارع المشاريع الدولية والإقليمية حول إعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط والسعي الحثيث لمتقاسمي كردستان على إخراج الكُرد من المعادلة الإقليمية وخاصةً الفاشية التركية التي تخوض حرباً قذرة بكل إمكانياتها لإنهاء حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية أكثر القوى الكردية مقاومةً وصموداً في وجه مشاريعها التدميرية، فالصيف الساخن التركي يتجاوز السخونة الحالية في جبال كردستان بل وصولاً إلى الصهر الكامل للشعب الكردي والقضية الكردية، ولا تزال الحركة السياسية الكردية تتخاصم وتتصارع حول مَنْ ينهش مِنْ جسدِ ما تبقّى من مكاسب كردية، لذلك عليهم إدراك أن مقاومة الكريلا في الجبال وصمود قوات سوريا الديمقراطية هي مقاومة وصمود كل شعب كردستان في وجه مَن يسعى إلى تدمير الوجود الكردي نفسه، ويستوجب وقوف كل القوى الكردستانية بجانب هذه المقاومة التاريخية ومناهضة كل من يسعى إلى مصالحه الشخصية والعائلية على حساب مستقبل القضية الكردية، لأنهم في هذه المقاومة التاريخية إن سقطوا؛ سقطنا، وإن انتصروا؛ انتصرنا.