وُلِدت القديسة بربارة في قرية “جاميس” التابعة لمدينة ليئوبوليس اليونانية، في أوائل القرن الثالث في عهد الملك “مكسيمانوس” الذي تولى الملك 225-237م.
كان والِداها وثنيان متشددان، وكانت عائلتها من العائلات الثرية، بينما عُرفت هي بالجمال الآسر، وخشية أن يصيبها مكروه، أو أن يطمع بها من لا يليق بها فقد خصص لها والدها قصراً معزولاً عن الناس وكانت كل أسباب الراحة والتسلية تصل إليها، في ظل طوق من الحرس الذي كان يحيط بالقصر.
بالإضافة إلى أسباب الراحة والتسلية عمد والدها “ديسقورس” إلى توفير المعلمين والحكماء لها لتتعلم الحكمة والعلوم والفلك والعلوم الروحية، وكانت متقدة الذهن متفتحة الفكر كثيرة التأمل، وبرز من بين معلميها العلامة “أوريجينوس” الذي سمعت به والتقت به عن طريق بعض الخدم ممن كانوا يعملون على راحتها ووصلت لهم التعاليم والدعوة المسيحية.
زارها “أوريجينوس” والتقت به فحدثها عن الإنجيل، وتعلق قلبها بالسيد المسيح، ونالت المعمودية دون أن تفاتح والدها في الأمر، والتهبَ قلبها بمحبة الله فنذرت حياتها له، واشتهت أن تعيش بتولاً تكرس حياتها للعبادة.
كانت بربارة من الجميلات اللاتي ذاع صيت جمالهن، وتقدّم لها الكثيرين لكنها آثرت أن تسلك طريق العبادة ورغبت في أن تبقى بتولاً تتعبد منعزلة عن الناس رافضة أية فكرة للزواج، بل إنها طلبت من والدها أن يبني لها حماماً واسعاً، وحولته في السر إلى مكان تختلي فيه للعبادة وتلقي تعاليم الدين، وتحول الحمّام إلى بيت صلاة، متعبدة لله بصلواتٍ بلا انقطاع، بل إنها حطمت كل الأوثان، وأقامت صليباً على الحمام وعلى أعلى القصر.
علِمَ والدها بعد فترة غياب عنها بما آل إليه حال ابنته، واعتناقها المسيحية، وأوضحت له ما تؤمن به وما تراه مناسباً لها وإنها قررت أن تبقى عذراء دون زواج، ليجن جنونه ويعمد الى ضربها بوحشية، وعندما فرت منه ولاحقها حدثت بعض المعجزات في أثناء المطاردة ومنها أن صخرة ظهرت في طريقها انفلقت نصفين لتمر عبرها وتعود لتلتحم بعد ذلك. ثم أمسك الوالد المتجبر بها وألقاها في قبو مظلم، ورفضت العودة عن قرارها رغم تدخل الملك وبعض المتنفذين ومحاولات إغرائها بالمناصب والجاه.
جُلدت القديسة بربارة حتى سالت منها الدماء، كما كانوا يمزقون جسدها بمخارز مسننة بينما هي صامتة تصلي. ألبسوها ثياباً خشنة على جسدها الممزق المثخن بالجراح، وألقي بها من جديد في دهليز مظلم، ومن إعجازها إن السيد المسيح ظهر لها هناك وعزاها كما شفاها من جراحها، ففرحت وعادت كما لو أنها لم تعذب وحين استدعاها الحاكم في اليوم التالي فُوجئ بها فَرحةً تبرأت من جراحها، لا يظهر على جسدها أثر لذلك فازداد عنفاً، وطلب من الجلادين تعذيبها، فكانوا يمشطون جسدها بأمشاط حديدية، كما وضعوا مشاعل متقدة عند جنبيها، وقطعوا ثدييها؛ ثم أمر الوالي في دنائة منه أن تُساق عارية في الشوارع. فصرخت إلى الرب أن يستر جسدها فلا يُخدش حيائها، فسمع الرب طلبها وكساها بثوب نوراني.
ورأتها “يوليانا” الفتاة البريئة ورأت تحملها وعذابها وتحملها لذلك فآمنت مثلها بالمسيحية، وحين عَلِم الحاكم بذلك أمر بتعذيبها مع القديسة بربارة، وبإلقائها في السجن، فصارتا تسبحان الله طول الليل.
أمام عجز الحاكم عن ثني القديستين بربارة ويوليانا عن إيمانهما أو فضحهما، وإن الرب سترها وكساها رداءً من النور، أمر أن يقطع رأسهما فوق الجبل وكان ذلك لتنالاً إكليل الاستشهاد. وما إن نزل “ديسقورس” من الجبل حتى سقطت صاعقة من السماء وأحرقته، وأحرقت الحاكم كعلامة سابقة للنار الأبدية.
جرت العادة بأن يلبس الأطفال في عيد القديسة بربارة الذي يصادف الرابع من كانون الأول. الأقنعة إشارة إلى رؤية بربارة للمسيح الطفل وقد شوه الألم منظره، كذلك يتم تناول الحنطة المسلوقة وذلك لأن حبة القمح لا تُثمر ولا تأتي بسُنبلة إلا إذا ماتت. وكما قال السيّد المسيح له المجد: “إن لم تَمُت حبّة الحنطة فإنها تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمرٍ كثير”.