من جامعةٍ تنافس أكبر الجامعات في الوطن العربي، لجامعةٍ عاث فيها الفساد، وعبثت بسمعتها العلمية والمهنية الشبهات، كنتيجةٍ طبيعية لحربٍ أكملت عقداً من الزمن، ولا زالت مستمرة، رشاوٍ وفساد، ومحسوبياتٌ وتحرش، أمراضٌ مجتمعية تضج بها وسائل التواصل الاجتماعي، وتجاهر بها وتظهرها للعلن، لفضائح تستتر قابعةً في أروقة الجامعات السورية.
“بدنا الحلوان”
عبارة ترافقها غمزةٌ بطرف العين، وفركٌ لأصبعي اليد “السبابة والإبهام” كإشارةٍ صريحة لطلب الرشاوي من قبل الموظفين المختصين بتسيير شؤون الطلاب في الجامعات السورية.
هناك بطءٌ، وعراقيل بتوقيع الأوراق، وتصديق الشهادات، وكشوفات العلامات، وترفيع المقررات، والرد على الاعتراضات، التي يقدمها الطلبة اعتراضاً على رسوبهم بإحداها، رغم توقعهم عكس ذلك؛ ليتفاجؤوا بأنّ تجهيز ورقةٍ واحدة يقدمون من خلالها طلب اعتراض، يحتاج لمبالغ طائلة توزع بين الموظفين بشكلٍ ودّي، لعلّهم يهمون في إنجازها. تعاني سلوى خالد، وهو اسمٌ مستعار لطالبةٍ في كلية الإعلام في العاصمة السورية دمشق، من رسوبها المتكرر بمادةٍ تفصلها عن التخرج دون أنّ تعرف السبب، تقول سلوى بأنّها لم تجد جواباً كافياً لإشارات الاستفهام، التي تدور برأسها حول سبب عدم ترفيعها للمادة الأخيرة، التي تحول بينها وبين الحصول على الشهادة.
“ادفع تنجح”
عبارةٌ سمعتها سلوى بطريقةٍ ساخرة من قبل زميلاتها، إلاّ أنها اكتشفت حقيقتها عندما تلاشت هالة النور القدسية، التي كانت ترسمها كطالبة لدكتورٍ تعدّه قدوة ومثالاً يحتذى.
فالدكتور الجامعي الذي تأبى سلوى أن تطلق عليه لقب “ناجح” أو أن تكون ناجحة من تحت يديه، يُباع، ويُشترى بالتعبير الدارج والمتداول بين الطلبة، تقول الطالبة المذعورة من هول صدمتها: “أصابني الذهول بعد أنّ تحققت عن كثبٍ من الموضوع، فالصورة التي كنت أرسمها بمخيلتي عن هذا الشخص مثالية”.
تتحدث سلوى كيف أنّها استطاعت جمع قواها، ونجاحها بتوفير المبلغ المتعارف عليه لشراء تخرجها، حسب تعبيرها. توجهت سلوى لمكتب الدكتور، لتجد أنّ الأمور سالكة جداً، وبكلّ بساطة تم قبض المبلغ المعلوم مقابل منحهما لشيفرة معينة، رمزٌ معين على ورقة الإجابة في الامتحان، يتذكر دكتور المادة من خلاله الاتفاق المبرم بينه، وبين الطالب أيّ باختصار، تم القبض المسبق.
التحرش وآثاره
لكن يبقى شراء المادة أهون من التحرش، وانعكاساته النفسية، حسب هند طالبة في كلية الآداب المنحدرة من مدينة السويداء، التي تستذكر ما حدث لها: “دخلت لمكتب أحد الدكاترة غاضبةً معاتبة لأُصدم بردة فعلٍ لا تمت لأخلاق، وشرف مهنة التعليم بصلة”.
وتواصل الطالبة سرد ما حدث معها في مكتب الدكتور المختص: “كانت صدمتي كبيرة بشخصٍ له وزنه وثقله الأكاديمي في المنظومة التعليمية، عندما خرجت باكيةً بعد سماعي لكلمات الغزل، والإيحاءات الجنسية الصادمة، التي رافقت تبريره لرسوبي المتكرر في المادة”.
تقول هند بأنها كانت تُكذِّب ما تسمعه عن دكتور المقرر، الذي ردد دون خجل بلهجته المحلية: “أعطونا من هالجمال لنعطيكم أرحمونا حرام عليكن”.
آثارٌ نفسية تخدش الحياء، وصمتٌ موجع وتوارٍ عن الأنظار، وانقطاع عن الدوام، حلولٌ تلجأ لها الطالبات لخوفهن من عدم تصديق كلامهن، ما دفع بعضهن لتصوير محادثاتٍ، وتسجيلاتٍ صوتية تخدش الحياء، ولا تليق بـ”بناة الأجيال”.
فضائح كثيرة هزت وسائل التواصل الاجتماعي، لكنّها لم تحرك ساكناً في أروقة مكاتب المسؤولين، فكم من فضيحةٍ تمثلت بأفعالٍ تحرش مُشينة، لا تليق بمهنتهم ومركزهم، دون أيّ صدى، وتكتم وشح بالمعلومات أمام الصحفيين والإعلاميين، الذين يترصدون بأقلامهم الحقائق المدفونة في حرم الجامعات، ولا تجد من يغسل عار الفضيحة.