المساحات الجغرافية الكبيرة التي هيمن عليها العثمانيون إبان حكمهم البائد جعلتهم يتخذون إحدى الأشكال الإدارية التي كانوا يسمونها بأنها تمثل مدى تحلي السلطنة بخدمة الناس؛ حيث كانوا يقومون بتعيين أشخاص كولاة ويتركون تلك المناطق تحت هيمنتهم وحكمكم مع ترك هوامش يمكن وصفها بأنها مثلت الحرية من ناحية الإدارة؛ هم لم يعمدوا إلى إحداث هذا النظام خدمة للشعوب لكن بسبب المساحات الشاسعة التي كانت تحت حكمكم وكان يهمهم فقط هو الحكم وتمرير قوانينهم على تلك الجغرافية من قبيل الطاعة للسلطان وجبي الضرائب وما إلى هنالك.
لست بوارد توضيح إيجابيات السلطنة لأن تاريخها في المجمل مسطر بالدم والمجازر والإبادات. لكن؛ ما أود توضيحه هو الفرق فيما تنتهجه تركيا اليوم عبر أردوغان بحيث ليس من الصواب جداً أن نقول أردوغان يريد إعادة السلطنة لأن السلطنة البائدة أمام سلوكيات أردوغان تكاد تكون مستغربة؛ نعم هو يريد إعادة الحدود الجغرافية والحكم العثماني في شكل تركيا الحالية لكن ما يفعله من سلوكيات تتجاوز أسوء أشكال الأنظمة التي تعاقبت على المنطقة.
يلغي أردوغان كل التفاصيل والخصوصيات في المناطق التي يطالها، يغير من هوية المناطق الأصيلة، يعمد لنشر الفوضى في كل مكان تطاله يده ونحن اليوم أمام دلائل وقرائن عملية لتصرفاته ففي ليبيا يعمد لتكريس وجود المرتزقة عبر توافقات مع أطراف ليبية كذلك في مصر يصعد من دور الإخوان. في الصومال يتاجر بالأزمة الإنسانية وفي اليمن يقف بالضد أمام الخط الذي تمثله القوى العربية هناك؛ كذلك في سوريا يفعل ويدمر ويغير ويعمم الفوضى والصراع ويتآمر على الحل وها هو اليوم قد جعل من إدلب قوة ثقل في الأزمة السورية ويمتطي ظهر مجموعات محسوبة على السوريين ويتبع معهم سياسة العصا والجزرة ناهيكم عن حجم الأفعال والممارسات المتبعة في مناطق تواجد تركيا من تغيير ديموغرافي واستجلاب للمستوطنين الأجانب حتى وفرض للغة والعملة التركية وحالات القتل والخطف والابتزاز المالي خاصة في عفرين وسري كانيه – رأس العين وكري سبي- تل أبيض المناطق التي يدعي بأنه حررها للسوريين حسب الزعم ودعمه المستميت لجماعات سلفية ومنهم الإخوان في سوريا. أيضاً في العراق يتجاوز السيادة ويوسع من مشاريعه ويقصف القرى والمناطق الحدودية بحجج واهية ويلعب بأوراق الأقليات هناك.
كذلك تاريخياً يجهد أردوغان في السباق الزمني مع مئوية الاتفاقات الدولية حول تحجيم الدور التركي العثماني ومنها لوزان ويريد قبل حلول انتهاء تلك الحقبة التوسع ليظهر حجم تركيا الجديد بحجم تحكمها وتدخلاتها في المنطقة. في القارة الأوربية يتدخل ويبتز أوربا باللاجئين تارةً وتارةً أخرى يتعدى على الاتفاقيات والتفاهمات الدولية حول البحر المتوسط واليوم يشكل تهديد حقيقي على اليونان إحدى دول الاتحاد الأوروبي وأمام العلن مع دعمه لجماعات معارضة في أذربيجان ليؤثر حتى في دول الاتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا.
بغض النظر عن المواقف التي قد يتأخر بعضها عربياً وأوروبياً حول الحد من الدور التركي في المنطقة إلا أن أردوغان يمثل أسوء أشكال الحكم وأكثرها فوضوية ومؤججة للصراعات في المنطقة؛ هو يدفع بتركيا نحو عهد جديد لن تكون فيها تركيا على الإطلاق تركيا الحالية وما يتخيله هو في مخيلته. تركيا اليوم وبفعل سلوكيات أردوغان باتت لوحدها وحتى دول حلف الناتو التي يرى أردوغان بأنها محور الحلفاء له باتت تقف وتدرس بدقة هذه السلوكيات الغريبة لأردوغان.
عملياً نحن نشهد حالة فوضى سببها تركيا في المنطقة وكذلك شكل سيء من القراءة والتعامل مع المنطقة والعالم من قبل أردوغان؛ هذا يوضح بأن تركيا ستخسر بهذه السياسة ولن تستفيد وإن الانتصارات التي يتحدث عنها أردوغان ويخدع بها من يعتقد بأنها لمصلحة تركيا ما هي إلا سراب ولا يوجد منها أي شيء بالشكل الذي يصفه أردوغان وبالتالي هذا يدفع بتركيا نحو الغرق لطالما أردوغان يبحر بها شمالاً و جنوباً وشرقا وغرباً. إنها نهايات سيئة لشكل سيء دون شك.