لا تزال الفجوة في الأجور بين الجنسين أمراً بعيداً عن التغيير في المستقبل القريب في معظم بلدان العالم، ومن غير المتوقع أن تنتزع النساء المساواة مع الرجال في الأجر، قبل حلول عام 2277، بحسب ما جاء في “تقرير الفجوة بين الجنسين العالمي لعام 2020″، الذي قام بقياس الفجوة بين الجنسين من 153 دولة في مجال الاقتصاد والسياسة والتعليم والصحة.
وفقاً للتقرير السنوي الصادر عن منظمة العمل الدولية حول الأجور العالمية لعامي 2018 و2019، فإن المرأة على الصعيد العالمي تتقاضى أجراً يقل بنسبة 20 في المئة تقريباً عما يتقاضاه الرجل.
أسباب التفاوت في الأجور
ويعزو المدافعون عن حقوق المرأة ذلك، إلى التمييز الذكوري الذي يُمارس على جنس الأنثى، والذي يجعل أرباب العمل أقل سخاء معها، سواءً من الناحية المالية أو من ناحية تقلد المناصب الوظيفية العليا، غير أن دراسات جديدة سلطت الضوء على الدور الذي تلعبه المرأة نفسها، إما في الحد من مشكلة التفاوت في الأجور بين الجنسين وإما في زيادة اتساعها.
وما زالت قضية مساواة أجور النساء بالرجال في الدول العربية لم تحسم بعد، ومن اللافت أن النساء في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المتوسط لديهن ميل أكثر من الرجال لدخول الجامعات والحصول على مؤهلات علمية وتقنية مختلفة، ومع ذلك تُدفع في الغالب أجور للرجال أعلى بكثير مما تتقاضاه النساء.
وتأتي دول عربية عدة في المؤخرة من حيث الفارق في تولي مناصب إدارية، ومنها (سوريا، لبنان، الجزائر، مصر، المملكة العربية السعودية، اليمن) حيث الفجوة تبلغ 90 في المئة أو أكثر بحسب “وكالة أخبار المرأة “.
في السنوات القليلة الماضية تناولت دراسات عديدة، فكرة أن الرجال أكثر قدرة على خوض مفاوضات ناجحة بشأن الراتب، كما يحرصون على التحدث عن كفاءتهم وجهودهم في العمل، ليحصلوا على الراتب الذي يرغبون فيه، ولهذا السبب فإن أجورهم في العادة أعلى مما تتقاضاه النساء.
وطُرحت نظريات مختلفة في هذا الصدد، تؤكد أن سد الفجوة المستمرة في الأجور، يتطلب من النساء تعلم فنون التفاوض والإقناع، وهو السبيل الأمثل للقضاء على مشكلة التفاوت في الأجور بين الجنسين.
بينما يشدد الخبراء في البلدان العربية على ضرورة فهم الأسباب التي تقف وراء التفاوت في الأجر بين النساء والرجال، باعتبارها قضية ذات أولوية، وهي أهم وأقوى الخطوات لمواجهة مشكلة انعدام المساواة على أساس النوع وانتشال النساء من بوتقة الفقر.
شجاعة المرأة هي الحل..
من جانبها ترجح الإعلامية العراقية أسماء عبيد لـ “وكالة أخبار المرأة ” أن التفاوت في مستويات الدخل بين الجنسين، لا يمثل التحدي الأساسي الذي يواجه معظم النساء في العالم العربي، مشددةً على أن المشكلة الحقيقية، والأهم هو الاعتراف بوجود علاقة بين الفقر والظلم اللذين تواجههما المرأة في المجتمع، وهو ما يدفعها إلى العمل في مواقع هامشية وبيئات لا تراعي حقوقها، ويمكن لهذا الأمر أن يتجسد بعدة أشكال، بدءاً من عدم الحصول على راتب محترم يتناسب مع كفاءتها، أو الحرمان من الحصول على ترقيات في الوظيفة، وصولاً إلى التسريح من العمل من دون الحصول على حقوقها كاملةً، مؤكدةً أن “هذا الظلم لن ينتهي قريباً، إلا إذا ما تحلت كل امرأة بقدر من الشجاعة للمطالبة بحقوقها”.
وأشارت أسماء عبيد إلى أن القطاع الحكومي في العراق يحدد هيكلية الأجور حسب السلم الوظيفي وحسب الشهادات العلمية، كما يمكن للراتب أن يزداد حسب سنوات الخدمة والمخصصات الممنوحة أو المكافآت أو الحوافز النصف سنوية أو السنوية إن وجدت، وفي هذه الحالة لا يمكن للمرأة أن تطالب برفع أجرها حتى وإن كانت تعتقد أنها تستحق أكثر مما تتقاضاه من أجر، لكن بإمكانها المطالبة بمكافأة، بحسب أسماء.
وقالت أسماء: “من الأفضل إذا عملت المرأة في القطاع الخاص أن تتفاوض على الراتب منذ البداية، وتختار العمل بموجب عقد حتى تضمن حقوقها أمام القضاء، إذا لم يحترم صاحب المؤسسة الشروط المنصوص عليها في العقد”.
وأضافت الإعلامية العراقية أسماء عبيد بالقول: “أحياناً تجبر المرأة على الرضا بأجر زهيد لأنها تكون في موقف ضعف، وبسبب ظروفها الاجتماعية الصعبة وحتى لا تخسر فرصة العمل، فهي في النهاية لا تختار العائد المالي البسيط بإرادتها، بل بدافع الخصاصة واستفحال البطالة وقلة فرص العمل، ولكنني شخصياً، أشجع المرأة على المطالبة بحقوقها المالية وعدم الرضا بمراتب إدارية دنيا”.
ولا يبدو أن الوضع يختلف كثيراً في تونس، فعلى الرغم من أن تشريعات المساواة بين الجنسين موجودة في دستور البلاد منذ سنة 1979، إلا أن الموظفة أسماء بالشيخ ترى أن العديد من النساء التونسيات يعملن في وظائف متدنيّة الراتب، ولا توجد فيها آفاق محتملة للترقي، ولكنهن مع ذلك لا يستطعن أن يفعلن شيئاً، لأن المستقبل المهني أمامهن ليس مُيسّراً كما يُعتقد.
الوقت حان لتنبيه أصحاب العمل إلى تحيّزهم
ويبدو أن التفاوض كثيراً ما حضر في الحياة اليومية للنساء حول أمور متفاوتة الأهمية، وهناك العديد من المواقف في الحياة خاضت فيها النساء دور المفاوضات، مثلما هو الحال في السوق وعمليات البيع والشراء أو إقامة الشراكات أو المناقشة والتحاور في الأمور الحياتية اليومية، وهذه المهارة تُعد من مفاتيح النجاح الأساسية في الحياة المهنية ومجالات الأعمال، ومن غير المستبعد أن يؤدي إتقان النساء للتفاوض إلى سيناريو مستقبلي كامل تلعب فيه النساء دوراً مطابقاً لدور الرجال في سوق العمل، لكن نحن في حاجة إلى النظر عن كثب إلى ردود الأفعال عندما تتجرّأ المرأة على التفاوض حول الراتب، وبدلاً من تنظيم ورشات ودورات لتدريب النساء على كيفية التفاوض، لعل الوقت قد حان لتنبيه أصحاب العمل والمديرين إلى تحيّزهم.