No Result
View All Result
المشاهدات 1
فايز سارة
يشتكي السوريون في أوروبا من العنصرية، وقد سمعت وعايشت هذه الشكاوى مراراً وتكراراً في السنوات الثلاث الأخيرة، التي تنقلت خلالها للإقامة في ألمانيا وبريطانيا، وجزئياً في فرنسا، والتقيت خلالها عشرات من الأشخاص الذين يعيشون في بلدان أوروبية أخرى ممن سردوا قصصاً وحوادث ذات طابع عنصري.
العنصرية تجاه السوريون وأشكالها المتعددة
أشكال العنصرية التي يواجهها السوريون في أوروبا متعددة، شكلها الأول هو اعتراض على وجودهم، كما في سؤال: لماذا أنت هنا؟ أو في سؤال: لِمَ لا تذهب إلى بلدك؟ وقد يذهب الاعتراض على وجود السوريون إلى مستوى المطالبة بترحيل اللاجئين، في دلالة الاعتراض على وجودهم الجماعي، وهذه المطالبة تتعدى مطالب الأشخاص الفردية في الشارع أو في مكان العمل، لتظهر مطلباً جماعياً يُطرح في وسائل الإعلام، بل مسؤولون سياسيون وأعضاء في برلمانيات وطنية أو محلية، وقادة أحزاب وجماعات يمينية، يجهرون ويناقشون في مؤسساتهم موضوع ترحيل اللاجئين السوريين أو يَعدون بترحيلهم في المستقبل.
الشكل الثاني في العنصرية حيال السوريين، يتجاوز الاعتراض على وجودهم، ليتوقف عند استنكار ما يتصل بهم من مظاهر في الشكل واللباس، وما يظهر من اختلاف في عاداتهم وسلوكياتهم، والتمييز ضد النساء في مجال العمل، كما أن في حيثيات هذا السياق عادة رفع السوريين أصواتهم في وسائل النقل والمحلات العامة وعند الحديث بالهواتف.
الشكل الثالث في أشكال العنصرية التي يواجهها السوريون، يتصل بعدم معرفتهم اللغات المحلية بوصفها وسيلة تواصل واتصال مع المجتمع، وتتم ممارسة هذا النوع من العنصرية في أماكن العمل، ويحصل أحياناً في الدوائر الرسمية، وغالبية من يمارس هذا الشكل من السكان الأصليين وأقلهم من أصول مهاجرة.
الشكل الرابع في العنصرية حيال السوريين، يمثله رفض التعامل معهم وخلق صعوبات وذرائع تمنع علاقات طبيعية بين اللاجئين والمواطنين، وأكثر ما يظهر ذلك في العلاقات الثنائية ومنها العلاقات بين الشباب والشابات، والتي تمنع الارتباط والعيش المشترك، وكذلك منها العلاقات بشراكات العمل، كما في العلاقات المتصلة باستئجار السوريين بيوتاً وغرفاً للسكن أو محال تجارية وعقارات، يرغبون في استثمارها.
الأوروبيون والنظرة الدونيّة للمهاجرين
العنصرية الأوروبية لا تخص في سياساتها وممارساتها السوريين وحدهم، إنما تصيب الآخرين بمن فيهم المهاجرون واللاجئون القدامى، وقد برزت خصوصيتها حيال السوريون نتيجة عوامل وظروف أغلبها يتعلق بالسوريين أنفسهم، ولعل أول هذه العوامل أعدادهم البالغة نحو مليون شخص، والتي بدت كبيرة بالنسبة إلى بعض البلدان الأوروبية، كما في ألمانيا والسويد، إذا ما قارناها بالمساحة الإجمالية للقارة الأوروبية التي تقدر بعشرة ملايين كم2، وعدد سكانها البالغ 740 مليوناً، ومع ذلك فأن اقتصادها مصنف بالمرتبة الأولى على قارات العالم الخمس.
إن النظر إلى اللاجئين السوريين في أوروبا لا بد أن يتضمن إشارة إلى أمرين اثنين، أولهما الاختلاف الحضاري والثقافي بين المجموعات الوافدة والمجتمعات المستقبلة (على نحو ما يجري دائماً في بريطانيا) والأمر الآخر يتعلق بجملة ما لحق باللاجئين في بلدهم ودفعهم إلى الخروج منها إلى أوروبا.
ففي الأمر الأول، هناك اختلاف في العادات والتقاليد والإرث الثقافي والحضاري بين اللاجئين وسكان البلدان المستقبلة، وثمة فروق كبيرة بين الطرفين خصوصاً في حال وجود عدد كبير من اللاجئين (ألمانيا 530 ألفاً، والسويد 110 آلاف، والنمسا 50 ألفاً)، مما يجعل الفوارق تظهر داخل المجتمع، وسيشعر السكان الأصليين بأن القادمين يُحدثون تغييراً ملموساً في حياتهم في اتجاهات مختلفة ومستويات متعددة، مما يدفع إلى بروز مخاوف وممارسات عنصرية، وقد تصبح سياسات، لأن السياسة في البلدان الأوروبية في أحد وجوهها من صناعة الجمهور.
اللاجئون والظروف التي أدت إلى الهجرة
أما في الأمر الآخر، فمن المهم الإشارة إلى أن اللاجئين وافدون من بلد يطحنه العنف وإرهاب الدول والجماعات المتطرفة عبر سنوات، وقد هرب هؤلاء من الموت، وتركوا خلفهم كل ما يملكون من عقار ومال ومقتنيات، وجزء منهم خرج دون وثائقه الشخصية والعائلية، بل إن القادمين منهم عبر البحار لم تُتاح لهم فرصة المجيء إلا بما عليهم من ثياب، وقد سلبت عصابات الاتجار بالبشر وعصابات اللصوص بعضهم على الطريق القليل مما كان معهم، وحمل أغلبهم، لما تقدم، إرثاً كبيراً من الخوف والألم من جراء ما عاشوا وشاهدوا من أحداث ومجريات خلّفت جروحاً وأمراضاً تحتاج إلى علاجات ووقت طويل لتشفى.
رغم كل ما أحاط ويحيط باللاجئين السوريين في أوروبا فإنهم برهنوا في السنوات التي انقضت على وجودهم هناك، ورغم ما بدا من هنات ومشكلات فإنهم كانوا أقدر مجموعات اللاجئين على التفاعل الإيجابي مع المجتمعات الجديدة، وأكثرهم قدرة على الاندماج عبر تعلم اللغة والدراسة والدخول في سوق العمل، وهذه الخلاصة ليست تقديراً ولا استنتاجاً، بل هي اعتراف رسمي من ألمانيا والسويد، البلدين الذي يضمان أكبر مجموعتين من السوريين في أوروبا، وللأسف فإن الأحاسيس العنصرية في هذين البلدين وغيرهما آخذة في التزايد، مما يتطلب إعادة النظر لا في السياستين الألمانية والسويدية حيال اللاجئين فقط بل في جملة السياسة الأوروبية كلها في هذا الموضوع، لثبوت أن فيها أخطاء ونواقص ينبغي أن تُعالَج.
No Result
View All Result