سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

العلاقات التركيّة السوريّة ومسار التطبيع

محمد ايبش_

ليس بالأمر البسيط والسهل الحديث عن العلاقات التركية السورية في ظل الأوضاع الراهنة التي تمر بها المنطقة، ولو عدنا قليلاً إلى الوراء وخاصةً بعد تسلُّم أردوغان زمام السلطة في تركيا بالتزامن مع الحديث عن مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد لاسيما أن الوظيفة الموكلة للنظام التركي هي القيام بدوره الوظيفي والإسهام في هذا المشروع ظناً منه قد أتت الظروف لِمَا كان يخطط له أردوغان من خلال دوره الوظيفي وكما هو معروف سبق ثورة ربيع الشعوب (الربيع العربي) علاقات سوريَّة تركيَّة بين رئيسي تركيا وسوريا وما آلت إليه الأوضاع، فلم تكن علاقات متوازنة لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا اجتماعياً؛ بل يمكن أن نعتبرها فخاً محكماً استطاع أردوغان أن يمهد الأرضية عن طريق الإخوان المسلمين إلى ما نحن فيه الآن.
 كان لتركيا الدور الأكثر سلبية في الأزمة السوريّة، وكان من إحدى نتائجه الاحتلال التركي للشمال السوري “إدلب، عفرين، إعزاز، مارع، جرابلس، الباب” وقسم من ريف منبج، وأخيراً وليس آخراً “تل أبيض (كرى سبي) وسرى كانيه“ هنا نستطيع القول إن لكلٍ من روسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية الدور في تمادي أردوغان، ولكن على ما يبدو ونتيجة للسياسات البهلوانية  لأردوغان وإصابته بجنون العظمة بعدما شهدت تركيا تطوراً اقتصادياً وسياسياً، ظن أنه هو مَن حقق هذه الإنجازات ناسياً أو متناسياً أن الإنجاز الاقتصادي وعلاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي ومسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد أصبحت قاب قوسين أو أدنى لولا معارضة فرنسا على ذلك لجملة من الأسباب لا ضرورة لذكرها، والعلاقات السياسة مع المحيط العربي والإسلامي كانت بفضل معلمه “نجم الدين أربكان” إلا أن العالم الغربي استطاع لجم أردوغان في العديد من المسائل، ونتيجة لذلك حاول الالتفاف على تلك السياسة بالاستدارة نحو مصر والعربية السعودية والإمارات العربية، ولكن على يبدو أن أحداث السابع من أكتوبر كشفت عن عورة أردوغان نتيجة ازدواجية مواقف أردوغان وكشف نواياه الحقيقية، وقبل التطرق الى التطبيع بين النظامين التركي والسوري لابد أن نتجه نحو العراق وما حققه أردوغان بعد توقيع جملة من الاتفاقيات مع الحكومة المركزية في العراق ومع حكومة إقليم جنوب كردستان اعتبرها أردوغان نصراً له، فكان من أولى نتائجها توغل القوات التركية بعمق ٤٠ كم في الأراضي العراقية وتوسيع نطاق المعارك ضد “كريلا حركة حرية كردستان” وبالتعاون مع بشمركة الديمقراطي الكردستاني وعائلة البرزاني، وما نراه في هذه المرحلة من إصرار أردوغان على إعادة العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد ظناً منه أنه بالمقدور أن يضغط على الجانب السوري عن طريق صديقه بوتين، ولكن الظروف التي تمر بها روسيا حالياً نتيجة انتقال الحرب الأوكرانية الروسية إلى مرحلة جديدة لا تخوّل روسيا بالضغط على النظام السوري، وجاء ذلك بشكلٍ واضح في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب قبل أيام، فبدون انسحاب الجيش التركي ومرتزقته لن يكون هناك تطبيع وإن حصل فلن يدوم طويلاً.
أما ما صرَّح به نائب المبعوث الروسي للأمم المتحدة “ديمتري بوليانسكي” بأن موضوع الحكم الذاتي للكرد في سوريا شأن داخلي سوري ولا يحق لأي طرف التدخل فيه فهو أمرٌ في غاية الأهمية طالما الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا مُصرِّة على الحوار مع حكومة دمشق، وهذا ما توضح بشكلٍ جلي للجانب الروسي بعد أحداث دير الزور الأخيرة، ومن هنا نستطيع القول: الأوْلَى بحكومة دمشق البدء بالحوار الجاد مع الإدارة الذاتية الديمقراطية والوصول إلى حل دائم ومستدام يخدم مصلحة جميع السوريين.