No Result
View All Result
المشاهدات 0
إن دمج حزب العدالة والتنمية منهج أخوان المسلمين المتشدد مع المنهج القوموي العنصري، المتمثل بالعثمانية الجديدة، في تحركه ضمن الدول التي حدثت فيها ثورات وأزمات داخلية، قد أحدثت شرخاً كبيراً في السياسة الخارجية التركية وأٌزَّمَ من الوضع داخل تركيا أكثر، لتصل بها في علاقاتها مع أمريكا والغرب إلى حد الانقطاع وذلك لما قامت به من تخبطات في خدمة الحلف الروسي الإيراني لأمل الحصول على فتات من الأزمات وضرب الكرد في المنطقة.
تركيا تغرق المستنقع السوري
من خلال الجزء الثاني من هذا الملف المعنون باسم العلاقات الأمريكية – التركية من الذروة إلى المنحدر.. وسوريا تغلق طرق التهدئة، سنرى جوانب وآراء ومنعكسات عن العلاقات الأمريكية – التركية في ظل التغيرات في البلدان التي شهدت ربيع شعوبها، وكيف زجَّت تركيا بنفسها في المنطقة حاملة خطها الجديد في دعم تنظيم الإخوان المسلمين المتطرف وتحريكه لمصالحه إلى جانب حمله لشعار العثمانية الجديدة في خطابه السياسي بهدف توسيع نفوذها واحتلال دول الجوار دون الرجوع إلى أحد وأخد مصالح غيرها بعين الاعتبار.
تعميق الخلاف الأمريكي ـ التركي على الخارطة العربية
إن ترويض تركيا للإخوان المسلمين في الدول العربية وتكتلاتها في الدول الغربية ودعمها، وجعل أنقرة واسطنبول مركزاً لتحركاتها منذ 2003 قد عادت إليه في البداية بنتائج كبيرة، منها إيصال هذا التنظيم إلى سدة الحكم في تونس وفتحها الطريق للنفوذ التركي في إفريقيا والمغرب العربي أكثر، كما أوصلتها إلى الحكم في مصر لتكون أهم نقطة ثقل لتركيا في البلدان العربية وشمال أفريقيا وبحرها، بما لمصر من أهمية وتأثير في المنطقتين بشكل كبير، ليزداد الخطر أكثر على مصالح الدول الإقليمية والعالمية الاستراتيجية في المنطقة، إلا أن الحلم التركي لم يدم طويلاً حيث جُوبه بانقلاب في مصر وتم إسقاط حكم الإخوان وزجهم في السجون ووصول قيادة علمانية إلى حكم مصر بعيدة عن الأحلام العثمانية.
ومع وصول السيسي إلى سدة الحكم تم إبرام اتفاق مع قبرص واليونان لترسيم الحدود البحرية بين البلدين للاستفادة من المصادر الطبيعية في المنطقة الاقتصادية عام 2013 بدعم ورضاء أوروبي أمريكي، لتبدأ أزمة جديدة رافقتها انقطاع واتهامات متبادلة بين الطرفين فذهبت تركيا أبعد من ذلك واتهمت الغرب وأمريكا بأنهم وراء المواقف المصرية وتحركاتهم.
تباعد بين الطرفين مع استمرار أزمة العراق
كما ذكرنا سابقاً؛ فإن تركيا أغلقت أبوابها أرضاً وجواً في وجه أمريكا إبان دخولها للعراق، ولكن هذه الأزمة استمرت حتى بعد عقد من الزمن وانتهجت أمريكا سياسة التراخي مع تركيا بالرغم من اصطفاف كل واحد منهما في جانبين متنافرين داخل العراق.
فتركيا كانت منذ البداية تبدي تخوفها من كيان كردي على حدودها، وتتخوف أكثر من حصول نظام فيدرالي في مناطق قريبة منها، حيث تهدد ديكتاتوريتها المتفشية بحق شعوبها، وبخاصة الكرد والمسيحيين منهم، إلا إن أمريكا دعمت مثل هذه الخطوات في العراق وباشور كردستان إلى حد ما في البداية، لكن باشور كردستان قد انقلبت عليه وبدأت تتعامل مع تركيا متجاوزة بغداد والاتفاقات الأمريكية في الآونة الأخيرة، الأمر الذي لم يرضي الغرب أبداً حيث ظهر جلياً في عملية الاستفتاء الأخيرة، كما انقسم الدعم الأمريكي والتركي في الانتخابات العراقية 2010 إلى طرفين منفصلين ولم تكن تركيا راضية من التعامل التركي مع الكتل السنية في العراق وبخاصة الموصل منها، لدرجة أن الأخيرة رفضت الدخول إلى التحالف الدولي ضد داعش في العراق بعد دعوة أمريكا لها.
إغلاق طرق التهدئة وتوجه علاقات البلدين إلى الهاوية
مع انتفاضة الشعب السوري في 15 آذار 2011 ومواكبتها للتحرك الشعبي في الدول الأخرى، أخذت اهتماماً دولياً وعالمياً كبيراً وبخاصة كل من تركيا وأمريكا، لما لهما من مصالح استراتيجية كبيرة في المنطقة، لما لموقع سوريا من ثقل على المستوى الدولي.
وباستمرار الأزمة في سوريا وتحوله إلى صراع ظهر موقف تركيا الموالي للكتل السنية المتشددة الهادفة للسيطرة على الحكم كبديل عن الأسد، لذلك تحول خطاب أردوغان من مسألة الإصلاحات في سوريا إلى تنحي الأسد وحكومته عن السلطة في سوريا، لكن أمريكا وبالرغم من موقفها الرافض لسياسات وتوجهات الأسد، إلا أن حكومة باراك أوباما كانت تفضل بقاء الأسد على البديل “الإسلام السني” المدعوم تركياً، وترى أمريكا والغرب كذلك بأنه بديل غير مرحب به وسيشكل خطراً على المكونات السورية غير السنية، إلى جانب وجود الكرد كطرف ثالث في الميدان السوري والذين تراهم تركيا الخطر الأكبر بالنسبة لبلادها.
مقاومة كوباني ووضوح هشاشة العلاقة بين البلدين
مع تأزم الوضع واشتداد الصراع في الميدان السوري، بإعلان مرتزقة داعش عن دولة خلافتهم، وتوسع مناطق نفوذه بدعم تركي قطري واضح، بات الغرب وأمريكا تتخوف أكثر حيث أن تركيا تهددهم باللاجئين والإرهاب العالمي في حال لم يدعموا خططه في الشرق ولا سيما في العراق وسوريا.
وكان لا بد للغرب أن يضع حداً للاستغلال التركي ولم يكن هناك قوة غير الكرد تحارب الإرهاب في سوريا والعراق وتقوي من نفوذها لحماية مصالحها في المنطقة، فبدء التحرك الغربي بتحالف جديد على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وذلك في معركة كوباني التاريخية، والتي أثبت فيها الكرد أنهم القوة الوحيدة والفعالة في القضاء على الإرهاب العالمي في المنطقة وردعه من التوسع.
هناك في كوباني انقسم البلدان في مصادر الدعم فقد دعمت أمريكا وحدات حماية الشعب والمرأة لتدعم تركيا بدورها داعش وترفض الدخول في التحالف الدولي ضدها بحجج وشروط واهية كانت فاضحة للجميع آنذاك.
الدعم الأمريكي هذا للكرد تحول إلى تحالف استراتيجي بين قوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة لمحاربة الإرهاب في سوريا وإنهاء خطره على المنطقة وأوروبا وأمريكا، ليزداد الشرخ في العلاقة التركية الأمريكية ليصل بتركيا باتهام أمريكا بدعم الإرهاب في سوريا.
تركيا مسجلة في قوائم حلف الناتو وتلهو في الملعب الروسي
من الواضح خلال السنتين الأخيرتين من الأزمة السورية كان التلاقي التركي الروسي الإيراني هو أكثر التحركات التي أخافت الولايات المتحدة، لما قدمته تركيا من تنازلات وإبرام للصفقات على المستويين الإقليمي والدولي مع تلك الأطراف على حساب الفصائل المسلحة، المدعومة معظمها من الغرب، والتنظيمات الإرهابية التي دعمتها هي بنفسها.
مع هذا التلاقي الثلاثي أتيح لإيران التوسع في سوريا والعراق وقوت من سيطرة النظام السوري المدعوم روسياً، مع ضربها المصالح الغربية والأمريكية في المنطقة بخلق زعزعة وتنافر ضمن صفوف الناتو الذي رافق استغلال روسيا لتركيا في سوريا لاعباً على ورقة الفوبيا الكردية لدى أنقرة، والذي جوبه بتهديد من الوزارة الخارجية الأمريكية التي قالت: “نحث تركيا على عدم التقارب مع الكتلة الأوراسية على حساب الناتو”. ولم تتوقف تركيا في لهوها خارج سرب الناتو عند هذا المستوى، بل بدأت بتهديدهم بشراء منظومة S400 الروسية، والمشاركة مع إيران وروسيا في عقد مؤتمر آستانة وسوتشي لإفراغ جنيف بشأن سوريا، مع دخولها في حرب سياسية وإعلامية واستعراض عسكري بري ضد أمريكا وحلفائها في منبج بشمال سوريا.
بهذه الخلافات المتعددة وغيرها من الأحداث؛ أوصلت البلدين إلى حد الانقطاع وإغلاق طرق التهدئة بينهما، ليصل إلى درجة التهديد وفرض الولايات المتحدة عقوبات على بعض وزراء أردوغان مع الإقلال من شأن الانتخابات التركية وإلغاء التأشيرات بين البلدين وفرض رسوم جمركية لتصل تركيا بتخبطها السياسي وهلوستها في تحقيق أحلام أسلافه إلى وضع مأساوي داخلياً وخارجياً وتصبح دولة غير مرغوبة بها في الوسط الأوروبي والأمريكي على حد سواء.
No Result
View All Result