يعد يوم الخامس عشر من آب، يوما أسودَ في تاريخ الشعب الكردي، ولكل منتفض في وجه الاستبداد، فقد استهدفت قوى الرأسمالية العالمية شخص القائد والمفكر الأممي عبد الله أوجلان بعملية قرصنة استخباراتية خبيثة في مدينة (نيروبي الكينية)، حيث تم تسليم القائد عبد الله أوجلان بطريقة منافية لحقوق الإنسان للاحتلال التركي، ومنذ ذاك التاريخ المُر تفرض السلطات الشوفونية التركية في أنقرة عزلة محكمة عليه، في سجنه الواقع في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة، وتمنعه عمداً، وبشل مدروس ومخطط من أبسط حقوقه، في مقابلة مع أهله وأقاربه، واللقاء مع محاميه، منتهكة بإجراءاتها اللاإنسانية القوانين كلها، وتخرق المعايير والمبادئ الأساسية الدولية بخصوص حقوق معتقلي الرأي.
لماذا تفرض تركيا العزلة على القائد أوجلان
في التاسع من شهر تشرين الأول 1998حيكت أكبر مؤامرة على صعيد الشرق الأوسط، فقد سعت دول الرأسمالية العالمية، وحلف شمال الأطلسي إلى وأد بذور الديمقراطية الحقيقية، وكتم صوت الفكر الحر المستلهم من أصالة الشعوب في ميزوبوتاميا، والثقافة المتنوعة لشعوب المنطقة، ولأن القائد عبد الله أوجلان، يحمل فكراً تحررياً خلاقاً عالمياً، وبيده مفتاح حل القضية الكردية في كردستان بأجزائه الأربعة، ويعد فكره ورؤاه، وفلسفته الترياق الشافي لحل القضية الكردية في باكور كردستان، ومشاكل تركيا والشرق الأوسط، ولأن الهدف الأسمى، الذي ينادي به القائد عبد الله أوجلان، ويناضل من أجله المتمثل في تآخي الشعوب، وتكاتفها والتعددية الثقافية لمجتمعات الشرق الأوسط، والرغبة في ترسيخ وتمتين الديمقراطية الحقيقية في المنطقة، وحيث أن تلك الأفكار بمجلها تهدد عرش القوميين، والفاشيين الأتراك، الحالمين بإعادة السيطرة على مقدرات الشعوب المجاورة لها، وإعادة الأمجاد الزائفة للسلطنة العثمانية البائدة، فإن العزلة والتضييق على حامل هذه الأفكار التنويرية، يهدفان إلى القضاء على المشروع النهضوي لشعوب الشرق الأوسط، وهو الحل الناجع للحفاظ على الأسس الديكتاتورية للدولة التركية القمعية، التي تعتز بشعار الدولة الواحدة، والأمة الفريدة (التركية) التي يجب أن تكون وفق منظورهم الحاضنة، التي تتماهى ضمن لغتها، وثقافتها، وتاريخها الزائف ثقافات، وعادات شعوب المنطقة.
العزلة قضاء على مبادرة السلام، التي أطلقها القائد من إمرالي
الدولة التركية ترتعد من أفكار السلام، التي ينادي بها القائد عبد الله أوجلان؛ لأن السلام يعني للطورانيين الأتراك، وتجار الحروب، والمستفيدين من الصراع الدموي بين حركة حرية كردستان، والجيش التركي الإرهابي، الانهيار التام للبنية الاقصائية، والقمعية، التي شيدت عليها دولة تركيا الكمالية منذ مائة عام، فالنداء التاريخي الذي أصدره القائد عبد الله أوجلان في احتفالات عيد النوروز عام 2013 عبر محاميه، وفحواه: “أنا مستعد للتوصل إلى حل للمسألة الكردية، وبإمكاني وقف الصراع بين تركيا، وقوات حماية الشعب (الكريلا) خلال أسبوع واحد، وأنا متأهب للحل، لكن الدولة تحتاج لأن تفعل ما هو ضروري، والكرد لا يحتاجون إلى دولة منفصلة، في ظل وجود إطار عمل، يجدوا فيه مكانا لهم بما يتسق مع العلاقات التاريخية التركية، الكردية”.
لقد كان ذلك الطرح والمبادرة خارطة الطريق لحل القضية الكردية سلميا، ووضع حد لإراقة الدماء المستباحة، والتأسيس لتركيا الجديدة، فرسالة القائد عبد الله أوجلان كانت رسالة للسلام والوحدة، والتآخي والتاريخ المشترك بين الشعوب وتأسيس لمستقبل تركيا، ولمجمل دول المنطقة، التي تتقاسم فيما بينها الجغرافية الكردستانية، ولكن لأن الطغمة الحاكمة المستبدة في تركيا المتكونة من تحالف رجب طيب أردوغان، ودولت بهجلي، وهما من ألد أعداء السلام، فقد انقلبوا على مشروع السلام، الذي أطلقه القائد، لأنه لم يرق لهم أن يتحرر الإنسان والوطن، والثقافة، وتتشكل بيئة ديمقراطية حقيقية، ولأن مفهوم السلام وفق رؤى القائد عبد الله أوجلان، غير متطابق مع نمطية التفكير لدى زعماء، وقيادات أحزاب العدالة والتنمية، والحزب القومي المتطرف، وحزب الشعب الجمهوري، والكماليين، ومنظمة الذئاب الرمادية، وكونه إن تم ووجد طريقه إلى النور، سيقضي على حلمهم بمشروعهم العثماني المتخلف، وميثاقهم الملي، لذلك انقلبوا على المبادرة، وكانت أولى تبعات ذلك الانقلاب على تلك الفرصة التاريخية لإحلال السلام في باكور كردستان، وفي تركيا، هي اتخاذ خطوة تجريد القائد من حقوقه، وقطع التواصل بينه، وبين الشعب الكردستاني، وتشديد إجراءات العزلة عليه للحد من إيصال أفكاره، وقناعاته إلى العالم الخارجي تحت ذرائع واهية.
حرمان القائد من حق” الأمل” خرق لحقوق الإنسان
تعد تركيا دون منازع من أكثر الدول التي تنتهك القوانين، والمعاهدات الدولية، ولاسيما المعنية بحقوق الإنسان، والسجناء السياسيين، ومعتقلي الرأي، فما العبرة من تحول جزيرة إيمرالي إلى منطقة عسكرية، تتصف بحراسة مشددة، ومعزولة عن العالم الخارجي، وما العبرة من سجن أصم لا توجد فيه أبسط مقومات الحياة، ومكانا لانتهاك حرية الإنسان، وتجريده من أدنى حقوقه، التي تتكفلها القوانين الدولية، ومنها (حق الأمل)؟، لقد أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في الثامن عشر من شهر آذار 2014قرارا بدعوى الطلب، الذي قدمه محامو القائد عبد الله أوجلان عام 2003 عادين، “أن السجن المؤبد المشدد على موكلهم مخالف للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”، حيث شدد المحامون في الطلب على، “أن القائد عبد الله أوجلان معتقل، وتم تجريده من ( الحق في الأمل)، وإنه تم رفض الجهود والمحاولات القانونية المبذولة لتأمين( الحق في الأمل)، وإطلاق سراحه بعد فترة من اعتقاله”، كما ذكر في الطلب، “أن تركيا لم تتخذ الخطوات المناسبة بشأن الدعوة إلى تنفيذ القرارات، وتوصيات اللجنة في الثالث من كانون الأول /2021 لكن مؤخراً اعترفت تركيا بأن القائد عبد الله أوجلان، قد أعفي، وحرم من (الحق في الأمل) الذي يشترط للاستفادة منه عدم صدور عقوبات انضباطية بحقه، دون أدنى شك، إن دولة الاحتلال التركي، عندما تعفي القائد من (الحق في الأمل) تحت ذريعة خضوعه للعقوبات الانضباطية، هي رواية من العنف وسحق الحريات، وليست بأمر جديد على من امتهن إبادة الشعوب، وطمس هويات وثقافات المختلف معها عرقيا، ولأن القائد عبد الله أوجلان يمثل شعبا وقضية، وفكره قد تبناه أحرار العالم؛ فيريد الجلاوزة الأتراك الغارقين في أوحال الاستبداد، أن يقضوا بقراراتهم العنصرية المتمثلة بتجريد المفكر، والقائد الأممي عبد الله أوجلان من حقوقه على أي بصيص أمل برفع العزلة عن القائد، وإطلاق سراحه، ضاربة بعرض الحائط الحقوق التي نصت عليها مواثيق الأمم المتحدة المقررة في جنيف، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية، والسياسية والاجتماعية، واتفاقية مناهضة التعذيب، التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة عام (1984)، والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء(1957) ومجموعة المبادئ المتعلقة بحماية الأشخاص، الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز، أو السجن (1998) فعندما تنتهك تركيا مبادئ وقوانين تلك المنظمات الدولية، التي وقعت هي على مبادئها، لهو وصمة عار على جبين كل من ينادي بحقوق الإنسان، وإن لم يتحرك واضعو تلك المبادئ والقوانين، والتزموا كعادتهم الصمت، ولم يحاسبوا تركيا على انتهاكاتها الواضحة بحق القائد عبد الله أوجلان، وجميع معتقلي الرأي في تركيا، فهم شركاء لما يحدث في سجن جزيرة إيمرالي، وغيرها من السجون من إجراءات تعسفية، لا تمت إلى الإنسانية بصلة.
إيمرالي مصدر للإشعاع الفكري والحضاري
مهما توغلت دولة الاحتلال التركي في ممارسة العنف، وزادت من عزلتها على القائد والمفكر الأممي عبد الله أوجلان، لن تستطيع حجب شمسه، وحجب أفكاره، وفلسفته عن الشعوب المؤمنة به، فتطلعاته النيرة، وفلسفته باتت منهلا فكريا تجاوز جدران السجن الصماء، وغدت جزيرة (إيمرالي) مصدرا للإشعاع الفكري والحضاري، والإنساني، فالفكر الأوجلاني، الذي تخطت مفاعيله منطقة الشرق الأوسط، وعبر القارات، وتجاوز أبعاد الجغرافية والحدود السياسية، ترى الشعوب الحرة في تبني تلك الأفكار، واستلهامها، كسر لنير العبودية وأغلال الاستبداد، وأن نظريته المتمثلة في الأمة الديمقراطية، التي باتت المخرج الآمن للشعوب المغلوبة على أمرها أضحت تأخذ شكل الحل الحقيقي لمجتمع أضاع مفتاح الحلول لمشاكله التي أوجدها المستبدون، ولتعلم الدولة التركية المستبدة أن الشعب الكردي والعربي، والأرمني والسرياني والجماهير المؤمنة بفلسفة القائد التحررية، أنها قد أخطأت باعتقادها، أن أسر القائد عبد الله أوجلان، وعزله عن محبيه سيطفئان شعلة الانتفاضة ضد تركيا، وأن مسيرة الحرية ستتعطل، على العكس تماما فكل يوم النشاطات المطالبة بفك العزلة عن القائد تزداد وتيرتها، وقد أقسم الشعب منذ اللحظة، التي أعتقل فيها أيقونة الحرية، أنهم ولن يستكينوا ويركنوا للسكون، والصمت، حتى يتحرر القائد، ويصبح حرا طليقا، وفي مكانه الطبيعي بين شعبه.