No Result
View All Result
المشاهدات 1
تقرير/ فيروشاه أحمد –
عمدت السلطات الاستبدادية عبر التاريخ إلى القضاء على الفكر الحر من خلال إنهاء حياة شخصيات نذرت نفسها من أجل حرية شعوبها وشعوب العالم، ويعد أوجلان من هؤلاء الشخصيات الذين ساهموا بإغناء المكتبة الشرق أوسطية بفكر حر يدعو إلى تحرر الإنسان من السلطة والهيمنة التي تُكبل فكره قبل جسده، وحين انتشرت فلسفته في الوسط الشبابي في بداية الثمانينات من القرن العشرين، عملت تركيا وبكل وسائلها الاستخباراتية والعسكرية على تصفيته. لكن؛ فكر أوجلان لم ينحصر في الجغرافية التركية فحسب، بل انتشر بين سائر شعوب دول الشرق، حينها لم يبقَ أمام الحكومة التركية غير الانتهاء منه بأسره في سجن إيمرالي، ظناً منها بأن اعتقاله أو تصفيته هو انتهاء فكره وفلسفته، لكنها لم تدرك بأن الملايين من الشباب نهلوا من هذا الفكر وجسدوه في نضالهم من أجل الخلاص من الحداثوية المتمثلة في الحكومات القومية والأنظمة الشمولية في كل الشرق الأوسط.
كون تركيا لوحدها لم تستطع فعل شيء لإنهاء هذا الفكر، وكونها عضو في الناتو وتربطها مع كثير من الدول التعاون الاستخباراتي، طلبت من بعض الدول مشاركتها في مكان وتنقلات أوجلان، ولأن تركيا تحاول دائماً أن تؤكد لأسيادها بأنها دولة تابعة لا تملك من الخصوصية السيادية أبسط معانيها، من هنا ولقاء مقايضات وتنسيق لا أخلاقي ساهمت بعض الدول مع الحكومة التركية بالمؤامرة واعتقال أوجلان في نيروبي عاصمة (كينيا) 1999.
خيوط المؤامرة الدولية
من السخافة أن تجتمع مجموعة دول وتتعاون كي تنهي حياة شخص أو تعتقل رجل يدعو شعبه وشعوب العالم للحرية، لكن حينما ندرك طبيعة وأنظمة هذه الدول قد لا يصيبنا الاستغراب، كونها أنظمة قمعية أو حداثوية ليس في منظور سياساتها أي قيمة أخلاقية أو فكرية للإنسان، ولم تعتمد على معايير إنسانية أو قانونية في ارتكابها جريمة كهذه، فهم يصادرون حق الإنسان الطبيعي في التفكر، هذه المعاير الإنسانية أو القانونية منهج من يمثلون ثقافة قتل الإنسان فقط وقد قال فيهم ميشيل فوكو: “الحداثوية موت الإنسان”.
في السياق ذاته؛ عندما يتعلق أي أمر بثقافة الكرد فإن (لوثايان الحداثة الرأسمالية يتقمص أقنعة هي الأكثر خفية عن الأنظار) ويتمثل هذا اللوثايان في النخبة التركية البيضاء الفاشية من مختلف الأفراد الذين ينتمون لقوميات أخرى والتي تجرعت سموم السلطة من بركة الأفاعي الكبيرة (أنكلتراـ ألمانيا ـ وفرنسا) هذه بداية المؤامرة وتجلت فحواها في محاكمة أوجلان على يد (الجمهورية التركية من حيث المضمون، وذلك باسم النظام الأوروبي للدولة القومية) ويعد هذا خرقاً للقانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي.
أثناء محاكمة أوجلان غير العادلة من قِبل القضاء التركي وهي منافية لمعايير محكمة حقوق الإنسان الأوروبية وهذا يعد برهاناً على استمرار المؤامرة الدولية ضد أوجلان، وما رافق قبل وبعد ذلك الحرب النفسية التي مُورست بحقه مثل الحكم بالإعدام، تؤكد استمرار المؤامرة، ولا يختلف اثنان بأن هذه المؤامرة المحبوكة من قبل السي أي أيهCIA والموساد وبعض السلطات الحاكمة في أفريقيا وأوروبا.
حجج واهية ومنافية لحقوق الإنسان
الكرد قضية وشعب وتاريخ، وهم نتيجة القلاقل والحروب في المنطقة ضحايا تلك الحروب والمؤامرات، ومجرد أن يلتفت الكرد إلى حقوقهم يُصنفون بالقتلة والإرهابيين، وكأن الحرية لا تليق بهم كباقي الشعوب، مقابل هذا السلوك من الحكومات صدر إعلان بشأن حقوق الإنسان والأشخاص المنتمين للقوميات والأقليات بإلزام دولهم باحترام الهوية القومية والأثنية والثقافية والدينية، واتخاذ التدابير التشريعية التي تضمن لهم حق استعمال اللغة والشعائر بحرية كاملة، وتَبِع ذلك إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، والاتفاقيات الدولية للحقوق المدنية والسياسية تؤكد على مسألة التعامل دون تمييز على أساس العرق واللون والجنس.
كواقع جيو سياسي الكرد وقضيتهم يمثلون سياسات دول تتقاسمهم، والحلول غير الديمقراطية مازالت تمارس بحقهم بحجة الحفاظ على أمنهم القومي، وما يجعل الكرد يطالبون بحقهم إن تلك الحكومات تنكر وجودهم عبر الدستور والقانون لكل سلطة، ورغم إدعائهم بأن التعديلات في تلك القوانين والدساتير لم تتوقف، وبخاصة ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وأصول المحاكمات، إلا أن كل الزيف ما زال يغلف قوانينهم التي لم ترتقي إلى الحد الأدنى للإعلان عن حقوق الكرد المشروعة.
قد يتساءل البعض بـ هل هناك قضاء مستقل في تركيا؟ والجواب من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (إن محاكم أمن الدولة التركية مخالفة للميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان) كون هذه المحاكم لا تتصف بالاستقلالية ولا بالحياد بسبب وجود قاض عسكري في الجلسات، أما المحاكمات التي تخص الكرد؛ فهي استثنائية ويمارسُ فيها التعسف بشكل واضح.
ثم لماذا حُكم على أوجلان بتهمة قتل الأبرياء ولم يحكموا على الضباط الأتراك الذين قتلوا الآلاف من الأبرياء، وأحرقوا آلاف القرى وهجروا الملايين، والسؤال الأهم هل بإعدام أو اعتقال أوجلان تنتهي القضية الكردية؛ وينتهي الشعب الكردي؟ حبذا لو عمل القضاء في العالم على محاكمات بحق كل من قتل الناس، لكان قادة أمريكا (ترومان ـ وبوش) وغيرهم من قادة أنكلترا وفرنسا وألمانيا هم من يُعدمون.
محاكمة منافية للقوانين الدولية الإنسانية
أما ما يخص المحكمة التي تولت القضاء بحق أوجلان، فلم تعتمد قوانيناً تخص محاكمات عادلة، بل تعاون البرلمان التركي مع القضاء وهما يخترقان وينتهكان القيم الروحية من مبادئ القانون الدولي، بل تم التعاون بين (الغلاديو) والقضاء التركي (لإلباس المؤامرة المستمرة قناعاً قانونياً).
في السياق ذاته؛ تبقى القوانين والأحكام المفروضة على أوجلان تعسفية ولا تمت بصلة لكل الأعراف والمواثيق الدولية، فقد أقر المعهد الدولي من المادة الأولى على “لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مصيرها السياسي، وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي”؛ أين تركيا من كل هذا الحق؟ إنما تعمل عكس ذلك تماماً من قتل وتشريد وإبادة الكرد بقوانين السلطة والهيمنة والتطرف.
من جانب آخر؛ أقرت المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل فرد الحق في الحياة والحرية والأمان على شخصه”، بينما نرى القانون الإنساني الدولي أكد هو الآخر ومن خلال المادة السادسة بأن القانون يحمي الفرد وعدم حرمانه من الحياة تعسفاً، وتُصّشُر المادة الثانية عشر من اتفاقية جنيف الأولى على تحريم معاملة الجرحى والمرضى بشكل تعسفي، ويحظر بشدة أي اعتداء على حياتهم من قتل أو إبادة، كم نسبة تطبيق الدولة التركية لهذه الشروط وتوفيرها للمفكر عبد الله أوجلان؟
إيمرالي… مقاومة لا مثيل لها
وبالرغم من عدم تواصله مع العالم الخارجي إلا إنه لم ييأس، بل عمل وبكل عزيمة على الديمومة من خلال القراءة والكتابة ونهج ومسؤولية جديدة، وقد تأكد بأن بقائه في إيمرالي مرهونٍ ومرتبط بالمؤامرة وليس بقضاء نزيه أو قوانيناً تتعلق بأسير حرب.
ظروف السجن القاسية لم تثنيه من الكتابة، وقد اختار منحيين اثنين الأول (يتعلق بالوضع الاجتماعي للكرد، حرية الفرد مرتبطة كلياً بمستوى حرية المجتمع). الثاني هو الالتزام الأخلاقي بالمبدأ (إذ عليك توعية نفسك بصدد عدم إمكانية العيش إلا ارتباطاً بمجتمع ما) ويرى بأن التخلي عن هذا المبدأ أو الحرمان منه يعد بمثابة تردي وانحطاط الأخلاق، ويتطرق إلى إشكالية معقدة وهي التخلي والهروب من الكردياتية مقابل حريته الشخصية، ولا يُخفى بأنهم قد وفروا الزمان والمكان المناسبين لذلك، ويضيف هنا (تدخل المبادئ الأخلاقية جدول الأعمال) ويقارن حياته في السجن والانتماء لمجتمعه وأخلاقياته وخارج السجن بدون هذه الصفات، وقد اختار السجن والموت وهذا بمثابة صراع وحرب من أجل استمرارية الأخلاق المجتمعية.
لدى ربط الأخلاق بحرية الفرد، وكيف يتطور الوعي الدقيق للحقيقة، فضل السجن وتحمل وحدته وعذاباته ومن هنا يشعر بالحياة الحقيقة (لقد تحوّل سجن إيمرالي بالنسبة لي إلى ميدان حرب من أجل الحقيقة سواء على صعيد فهم الظاهرة الكردية وقضيتها، أو من ناحية تصور فرص وإمكانيات الحل) وكان وما زال يرى بأن تجاوز مفاهيم الدولة القومية ذو أهمية كبيرة، ووجد بأن الليبرالية الرأسمالية هي هيمنة أيديولوجية قبل أن تكون اقتصادية، حينها تأكد بأن (العصرانية الديمقراطية ليست ممكنة وحسب، بل وهي عصرية وواقعية) من هنا أدرك بأن لا أمة تُضاهي الأمة الديمقراطية.
من خلال هذا الوعي للحقيقة كرس أوجلان كل تفكيره وثقافته على تطوير الحلول العملية بإنهاء القضية الكردية ضمن فلسفة وذهنية الأمة الديمقراطية، التي تختلف كلياً عن ذهنية الدولة التركية الأحادية التي تتسم بالقدسية والفردانية، وقد ركز في بناء الأمة الديمقراطية على إعطاء المرأة حقها الطبيعي فهو يرى بأن (أفظع أشكال التردي الأخلاقي والشناعة والقبح يتولد عن نمط الحياة المنغمسة في رجعية وبدائية مفهوم التمكن من المرأة الجنسوي). لهذا؛ لا يرى للحياة أن تستمر إلا من خلال بناء مجتمع حر وديمقراطي يعيش فيه كل الناس بسوية واحدة.
المراجع:
ـ المجلد الخامس: الأمة الديمقراطية …. عبدالله أوجلان.
ـ درية عوني …………..مقابلة مع قناة الجزيرة.
No Result
View All Result