عندما نتحدث عن العراق نتحدث عن التاريخ والحضارة والآلهة والأرض الخصبة والتنوع العرقي بالإضافة إلى كونه من أوائل الدول للحضارات التاريخية مثل؛ حضارة سومر. كل هذا الغنى أيضاً رافقه حزننا الكبير لهذا البلد لأنه من أكثر البلدان حزناً؛ نتيجة الحروب والقتل وسفك الدماء حتى لون غنائهم فيه الحزن.
بلاد ما بين النهرين أو ما يسمى بالرافدين وميزوبتاميا دجلة والفرات، خاض العشرات من الحروب؛ بدءاً من معركة القادسية في عهد الخلافة الإسلامية للعهد الأموي والعباسي مروراً بمعارك الصفويين والعثمانيين وصولاً إلى حقبة العراق الحديث ومعارك صدام حسين مع الخميني التي أدت إلى ضعف العراق ثم باجتياحه للكويت وتوريط العراق بها نتيجة الديكتاتورية التي كانت تحكمه مما أدى إلى تجويع الشعب العراقي عن طريق العقوبات المفروضة مثل؛ النفط مقابل الغذاء إلى أن اجتاحته أمريكا في عام 2003 كانت حرباً قاسية على العراقيين تم إسقاط النظام ليبدأ العراق مرحلة جديدة وهي فوضى الطوائف المذهبية تحت مسميات الشيعة والسنة ليصبح هذا الشرخ من أبرز صراعات الشرق الأوسط الجديد ومرتعاً لتدخّل الدول الإقليمية والعالمية في شأن العراق وجعله يعيش حالة الفوضى الخلّاقة.
إيران وعباءة الشياطين
بات الجميع يعي نوايا إيران في المنطقة وتدخّلها في العراق إبّان إنهاء حكم صدام حسين وابتعاد الدول العربية عن المشهد العراقي لتصبح إيران اليد الطولى في العراق والتحكم بمقدراته وشؤونه السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت مسميات دينية وأيديولوجية بالإضافة إلى مشروع إيران بالمنطقة والهلال الشيعي اليوم ما نشهده من صراعات في المشهد العراقي بين تيار الصدري وتيار المالكي أو الإطار التنسيقي وحجم الهوّة واتساعه ينذر بحالة فوضى. من المستفيد من هذه الفوضى؟ سواء في سوريا أم في العراق لا شك أنها جميع الأطراف الدولية سواء كانت إيران أم روسيا أم أمريكا أم دول الخليج وحتى الصين، فالجميع لديهم مشاريع في المنطقة وحل هذه المشاكل على أرض سوريا والعراق.
فإسرائيل من جهة تحاول وبشتى الوسائل إضعاف إيران بقصفها لمستودعات الصواريخ والمطارات سواء في حلب ودمشق والساحل وهي تدرك مدى خطورة الوجود الإيراني في المنطقة وتضغط على واشنطن كيلا تعطي فرصة لها لامتلاك سلاح نووي. كانت الزيارات الأخيرة لإسرائيل إلى أمريكا ولقائها بالسيناتور ليندسي غراهم لنسف امتيازات إيران فيما يخص الاتفاق النووي. هنا يطرح السؤال نفسه، لماذا إسرائيل قلقة أكثر من أمريكا والدول الأخرى بالتوسع الإيراني في المنطقة؟ للإجابة بوضوح لابد من العودة قليلاً ونبحث في التاريخ باكستان والهند تمتلكان ترسانة نووية أي قنبلة ذرية ولكن ليس لديهم قوة الردع باستعمالها، وهنا نشير إلى مشروع إيران ليس بامتلاك القنبلة النووية فقط بل لديها خطط كي تنافس الصين وأوروبا ودول الشرق الأوسط لما تملكه من موارد طبيعية ونفطية لامتلاك التكنولوجيا النووية وصناعة الصواريخ البالستية البعيدة المدى وتقنيات الفضاء والأقمار الصناعية والصناعات الدفاعية، وهذا الشي كافٍ ليجعل من إسرائيل قلقة بل تزيد من وتيرة قصفها على مواقع إيرانية في سوريا. بهذا الزخم الكبير هناك دليل واضح على القلق حيال أنشطة إيران في المنطقة وزعزعة مشروع أمريكا وإسرائيل من خلال توسيع اعتداءاتها على سوريا وضرب القواعد الأمريكية في سوريا والعراق وخلق فوضى في العراق وتقسيم البيت الشيعي.
العثمانية الجديدة
لا شك أن الأحداث الساخنة التي تعصف في المنطقة ولعل آخرها؛ اجتماع الناتو في إسبانيا ومناقشة مسألة الحرب الروسية على أوكرانيا وحجم العقوبات على روسيا من قبل دول الناتو لإضعاف روسيا، لكن هذا ليس كافياً تحاول أمريكا وحلفاءها بأن تجعل العراق وسوريا شبيهتن بأوكرانيا أو على العكس لإضعاف روسيا عسكرياً واقتصادياً وجرها لحروب لا نهاية لها.
أما الدور التركي في سوريا والعراق فهو دور خطير إذ تحاول تركيا أن تستولي على الموصل والخط الحدودي لشمال سوريا كاملاً وقضم المزيد من الأراضي مع اقتراب مئوية اتفاقية لوزان وشرعنة الاتفاق الملّي، طبعاً الغرب والناتو يريان في تركيا شرطي المنطقة لتنفيذ مخططاتها بزعزعة واستقرار المنطقة لتنفيذ مشاريع الهيمنة.
تركيا دولة فاشية لا تريد السلام والأمن في المنطقة وتدخلها في سوريا ومضايقة جيرانها ودعم الفصائل الراديكالية في ليبيا والصومال وسوريا وتهديد اليونانيين وتهديدها مراراً باجتياح شمال وشرق سوريا، وتسعى لترحيل اللاجئين السوريين وإعادتهم وتوطينهم في مناطق غير مناطقهم وتقوم بتغيير ديمغرافي لتهجير سكانها الأصليين، وأيضاً هناك شيء يدعو للريبة من خلال الانقسامات الكبيرة الموجودة في البيت الكردي في أربيل والسليمانية، وهذا الانقسام ليس وليد اللحظة بل هو موجود منذ الحروب الدموية بين العثمانيين والصفويين إذ كانت أربيل تصطف مع الدولة العثمانية بينما السليمانية تصطف مع الفرس أيضاً.
وبتنا نشاهد التصدع في البيت الشيعي والانقسام، فالتيار الصدري يريد سيادة العراق وعلاقات جيدة مع الدول العربية والخروج من العباءة الإيرانية والآخر أي الإطار التنسيقي الذي يخدم المشروع الإيراني بقيادة المالكي والعامري والخزعلي وجميعهم من قيادات الحشد الشعبي. في ظل هذا الانقسام والتدخّلات الإقليمية، يبقى السؤال مطروحاً ماذا سيكون وضع ومستقبل العراق، هل نحن أمام صِدام وفوضى أم…؟ وما بعدها هو ما ستثبته الأيام القادمة.