No Result
View All Result
المشاهدات 0
تحقيق/ فيروشاه أحمد –
الاستفتاء
أما بخصوص المشهد الكردي فإن الحزبين الرئيسيين عملا على المطالبة بالانفصال وهذا ما خلق نزاع بينهم وبين المركز، والغاية أن يتدخل المجتمع الدولي لفض النزاع، أو أن يقوم المركز بإحياء وتفعيل الفيدرالية بشكلها الحقيقي وصياغتها وفق مبادئ العيش المشترك، وتكون المواطنة عنواناً رئيساً لها.
في الوقت الذي حصل باشور كردستان على ضمانات أولية لخوض استفتاء حول استقلال كردستان العراق في 2017، تباينت الآراء حول شرعيته من قبل بغداد واندفاع الكرد نحو صناديق الاقتراع، في هذه الأجواء الضبابية عاش الكرد فرحة لم تدم، حين لاحت في الأفق مقترحات عدة أهمها إن التصويت على الاستفتاء سيصبح بلا قيمة، في حال تم التوصل إلى تفاهم بين هولير وبغداد حول تأجيله أو الغائه، لأن البرلمان العراقي أيضاً أعلن بعدم دستورية الاستفتاء.
هذا الخلاف دفع بغداد للتدخل العسكري، وعزز ذلك رفض المجتمع الدولي هذا الاستفتاء، بما فيهم الدول الاقليمية، وبخاصة تركيا، التي أكدت بأن وجود دولة كردية على حدودها يمثل تهديداً لأمنها القومي، بذات السياق تدرك بغداد بأن باشور ومنذ 2005 يتمتع بصلاحيات واسعة في إدارة ذاتها، لهذا السبب ولأسباب أخرى ذكرت جرى الاستفتاء في ثلاث مناطق كردية وبلغت نسبة التصويت 73 ,92 % لكن الحكومة العراقية رفضت النتائج بحجة أنها (ممارسات غير دستورية) بينما حكومة باشور تمسكت بها.
من هنا تشكلت أزمة عندما رفضت حكومة باشور دعوة بغداد للحوار وحل المشاكل العالقة، حينها لجأت بغداد إلى الحظر الجوي على باشور واستعادة المعابر الحدودية بالتنسيق مع إيران وتركيا، بدورها لجأت أنقرة إلى خيارات اقتصادية وعسكرية في حال تمسك هولير بالنتائج، بذات السياق أعلنت واشنطن بأنها لا تعترف بنتائج الاستفتاء، ما زاد طين العلاقات بلة بين بغداد وباشور، عندما لاحت في الأفق مرة أخرى مشكلة كركوك، التي تشكل أزمة خلافية قديمة، تتجدد بتجدد الأحداث في العراق.
كركوك ليست أزمة محلية وداخلية فحسب؛ كون كل الأوساط الدولية والاقليمية تدرك بانها بوابة تخرج منها خارطة طريق سياسية لكل المنطقة، لهذا تعمل كل الحكومات على معارضة الاستفتاء التي تمحي عن كركوك صبغتها الكردستانية الغنية بالنفط وبتنوعها الثقافي، وحين بات التدخل العسكري العراقي واقعاً ملموساً في كركوك تجاهل العالم لنتائج الاستفتاء، وابدت حكومة باشور استعدادها لتجميد نتائج الاستفتاء على الاستقلال.
الانتخابات البرلمانية
في هذا الوقت سارعت الحكومة إلى انتخابات جديدة كي تحسم أمر كل الإشكاليات العالقة، وكان من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في العراق في أيلول 2017 لكنها تأجلت بسبب محاربة داعش، وبعد خلافات وشد وجذب بين الأحزاب والتيارات حول موعد الانتخابات قررت المحكمة الاتحادية العليا تحديدها في 12 أيلول 2018 م، وتعد هذه الانتخابات التشريعية هي الرابعة منذ الغزو الأمريكي للعراق، وتبقى من صلاحية البرلمان المنتخب انتخاب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية.
وللانتخابات البرلمانية العراقية نظام انتخابي يعتمد على أن يُنتخب مجلس النواب العراقي من خلال شكل القائمة المفتوحة للتمثيل النسبي للقوائم الحزبية، على أن يكون هناك خمسة مقاعد للمسيحيين ومقعد لليزيديين وواحد للمندائيين وللشبك، وقد صادقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على 204 حزباً يخوضون الانتخابات ومن هذه الأحزاب.
حزب الدعوة الإسلامي قرر خوض الانتخابات بتحالفين منفصلين، الأول يقوده حيدر العبادي (ائتلاف النصر) والثاني يقوده نوري المالكي (دولة القانون) أما الحشد الشعبي (ائتلاف الفتح) وضم هذا التحالف منظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب حزب الله وكتائب الإمام علي، أما عمار الحكيم (تحالف المواطن) وكان ثالث أكبر الكتل البرلمانية 2017 ، غادر الحزب الإسلامي وشكل حركة وطنية غير إسلامية (الحكمة) أما تحالف النصر (هادي العامري) فقد انسحب منه تسعة كيانات حزبية وثمانية فصائل.
أما الكرد وبحسب أحمد حاجي رشيد الذي أكد بأنهم ذاهبون لبغداد بكتلتين سياسيتين؛ الأولى وتضم الاتحاد الوطني الكردستاني والديمقراطي الكردستاني، أما الكتلة الثانية ضمت حزب التغيير والجماعة الإسلامية والاتحاد الإسلامي الكردستاني والتحاف من أجل الديمقراطية والعدالة، من الواضح أن الكرد لم يدخلوا الانتخابات من خلال تحالفات بعكس معظم القوى السياسية العراقية الأخرى التي باتت تحالفاتها واضحة أكثر، وكأن لكل حزب سياسي كردي أجندته وحساباته الخاصة (الحزبية).
القوى السياسية السنية دخلت الانتخابات من خلال الائتلاف الرئيسي بتحالف الإصلاح (متحدون) اسامة النجيفي، أما صالح المطلق وسليم الجبوري فقد خاضوا الانتخابات باسم (ائتلاف الوطنية) مع إياد العلاوي، والتيار الصدري أعلن عن تأسيس حزب (الاستقامة) برئاسة جعفر الموسوي الذي تحالف مع الحزب الشيوعي العراقي، بذات الوقت ضم تحالف (سائرون للإصلاح) حزب الاستقامة بقيادة مقتدى الصدر ومضر شوكت والحزب الشيوعي العراقي وأحزاب وتجمعات أخرى.
ما يحدث الآن
بالمحصلة لم يكن سير الانتخابات البرلمانية العراقية مثالياً وشفافاً، وأغلب الكتل والأحزاب عارضت النتائج، وهذا ما جعل الكل يلجأ للمرجعية العليا للانتخابات، كي تبت بحلول ترضي الكل.
لا يمكن الخوض في كل التفاصيل قبل وأثناء وبعد الانتخابات البرلمانية العراقية، من أقوال وتدخلات من الدول الاقليمية والدولية، ومدى تأثير هذه التدخلات في النتائج وما آلت إليه الانتخابات من مدح وقدح ونقد واستهجان، سوف نحاول أن نلقي الضوء على أبرز ما قيل وما حدث في الأروقة والكواليس، فمن الذهاب لمراكز الانتخابات وصناديق الاقتراع وتردد البعض وإبطال البعض لأصواتهم بسبب فقدان الثقة بالنظام السياسي نجد البعض الآخر قاطع الانتخابات وهذا ما تؤكده نسبة المشاركة.
فمن نسبة المشاركين في الانتخابات التي بلغت (45%) التي أعلنتها مفوضية الانتخابات تتوضح بأن المشاركة كانت دون الطموح السياسي والحزبي، وبموجب الدستور كان ينتظر أن تتشكل حكومة جديدة خلال تسعين يوماً بعد إعلان النتائج، وبخصوص التدخلات أكدت أغلب الأوساط والصحف ومختلف أشكال الإعلام أن الرابح الأكبر هو إيران.
هذه المعطيات وغيرها أكدت للمواطن العراقي بأن الانتخابات لن تأتي بأي جديد كي تخلص العراق والعراقيين من الفساد والمحاصصة التي ستفرز ديمقراطية مزيفة تساهم في إبقاء الدكتاتورية لكن بوجوه مختلفة، في ذات المنحى دعا المرجع الشيعي الأعلى (علي السيستاني) المقترعين بألا ينتخبوا (الفاشلين والفاسدين)؛ ولم يأت كلام السيستاني من فراغ فالأجواء السياسية والاجتماعية التي رافقت قبل الانتخابات بسنين خلت ربما ينسي المنتخبين واجباتهم من أعمار المدن المحررة (المدمرة) وإنهاء ظاهرة الفساد والتقليل من انتشار القتل والخوف والجريمة المنظمة وانتشار المخدرات وسوء الخدمات الصحية والتعليم ..الخ.
ولخص المتابعون الاشكالات والخروقات التي رافقت التحالفات السياسية بالدور الأكبر لإيران ومدى تأثيرها على سير الانتخابات ونتائجها، وهذا ما جعل الوسط السياسي العراقي يعيش التفكك، فلا التحالف الوطني ولا تحالف (متحدون) حافظوا على وحدتهم، ولا حتى التحالف الكردستاني بقي متماسكاً على وحدته بسبب الأحداث التي شهدها الإقليم بعد الاستفتاء.
نتائج مغيبة
ما آلت إليه النتائج الانتخابية في العراق مؤخراً وبعد أن شارك فيها سبعة آلاف مرشح ومرشحة و320 حزباً وائتلافاً لشغل 329 مقعداً اجمالي مقاعد البرلمان، تصدر تحالف (سائرون) بقيادة الشيعي مقتدى الصدر والمتحالفون معه الحزب الشيوعي وتكنوقراط مدنيين بالمرتبة الأولى، بينما حل بالمرتبة الثانية تحالف (الفتح) والذي يتزعمه هادي العامري والحشد الشعبي، بينما حل ائتلاف (النصر) بزعامة حيدر العبادي بالمرتبة الثالثة، وقد علق الصدر على هذه النتائج بـ (الإصلاح ينتصر والفساد ينحسر).
ونجد بأن أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات هم حنان الفتلاوي وميسون الدملوجي ومشعان الجبوري وموفق الربيعي ويتوقع غياب إبراهيم الجعفري لعدم ترشحه، وبات من المؤكد بأن كتلة الصدر هي من تتولى تشكيل الحكومة ويعرف عن الصدر بأنه الخصم القوي والقديم لأمريكا وقد عارض مراراً النفوذ الإيراني في العراق أيضاً.
وهناك احتمال قوي بأن كتلة الصدر قد لا تنجح بتشكيل الحكومة بالأغلبية، في حال تحالفت الكتل الأخرى وتحصل على 165 مقعد من اجمالي مقاعد البرلمان 329 مقعداً، وما يجعل المشهد معقداً أكثر التوتر السياسي الأخير بين واشنطن وطهران بسبب الملف النووي، وخلافاتهما حول حل الأزمة في سوريا، وبحسب صحيفة (لوموند) بأن طهران تبحث عن وسائل وأدوات تمكنها من عزل مقتدى الصدر ذو التوجهات القومية الجامحة بغية المحافظة على نفوذها في العراق، وقد أرسلت قاسم سليماني إلى العراق سعياً إلى تهميش الصدر.
من جهة أخرى لا يستبعد المراقبون بأن الصدر والعبادي قد يتحالفا معاً كون ميولهما القومي والمذهبي يلتقيان في بركة واحدة ويتحالفان بتشكيل حكومة تكنوقراط، أما ما هي قوة وحظوظ الكرد في تشكيل الحكومة فهذا لا يمكن التكهن به كون الكرد لم يتحالفوا بشكل يدعو إلى تشكيل الحكومة.
الخلاصة
كل المهتمين والمراقبين لا يتوقعون من الانتخابات أن تمنح للعراق أقل نسبة من الأمن والسلام الاجتماعي، فما زال العراق تشكل لوحة (بورتوريه) لا يمكن قراءة تفاصيل المشهد الواحد فيه بكل أقسامه الصغيرة، فكيف بكل المشاهد وبجزئياته الدقيقة، منذ قرون والعراق يعيش في أزمات متلاحقة وخصوصاً بعد مجيء عبد الكريم قاسم وحتى الآن.
عوامل عدة تلعب في عدم استقراها فمن موقعها الجيوسياسي وثرواتها المتعددة إلى التنوع العرقي والطائفي والمذهبي، وتفرد الحزب الواحد في قيادتها، والعقلية العشائرية التي رسخت مفاهيم وثقافات تناحرية إلى حروبها مع الدول المجاورة، لكن تبقى القضية الكردية وبأبعادها التاريخية والسياسية الاشكالية الأكثر استراتيجية بعدم استقرار العراق سياسياً، فخلال فترة القرن العشرين وحتى الآن خاضت الحكومات العراقية عشرات الحروب والمجازر والإبادات بحق الكرد، وبددت هذه الحروب مليارات الدولارات من قوت الشعب والنتيجة لا غالب ولا مغلوب، ربما العكس من ذلك فالجانبان يخسران الغالي والنفيس جراء علاقاتهما مع دول الجوار أو مع الدول العظمى التي تقوم على استغلال الجانبين.
والعامل الثاني الذي لا يجعل من العراق مستقراً سياسياً هو انقسام المجتمع العراقي وانتمائه للمذهبيات المتشددة (سنة وشيعة) هذا الخلاف الذي يتجدد وبكل دموية بين الطرفين وكأنهما يعملان بالوكالة عن الذين خلقوا هذه الاشكالية قبل 1400 عام، والانتخابات البرلمانية الأخيرة في العراق تعكس الحالة السياسية والاجتماعية والمذهبية والطائفية بكل تجلياتها، فلا الانتخاب النزيهة تستطيع أن تعيد للعراق استقرارها ولا حكومة تكنوقراط يمكنها أن تعطي للعراق ديمقراطية حقيقية، لأن الذهنية القومية المتطرفة والتعصب المذهبي ما زالت ثقافات غير مجتمعية ولا تدعو للانسجام بين بكل المكونات، والقائمين على قيادة العراق لا يعملون على بناء مجتمع سليم وعلى أسس المواطنة الحقيقية، بقدر ما يعملون على نشر ثقافة الحزب الواحد والرجل الأوحد التي تعمل في جوهرها على إلغاء الآخر.
ولا يختلف اثنان بأن أعالي ميزوبوتاميا كانت مهد الثقافات المجتمعية والتي انتشرت فيما بعد إلى كل الجهات، وباتت سومر ومن جاء من بعدها حضارات مادية سبقت كل الشعوب بالكتابة والموسيقا، إلا أن ظهور المفاهيم القومية والمذهبية في العراق تحوُل دون بنائها بالطرق الصحيحة والتي تدعو كل العراقيين العيش معاً وفق مبدأ كلنا شركاء.
المراجع:
أحداث من ذاكرتي ………………..حامد الحمداني.
سيرة حياة عبدالسلام عارف……….أحمد فوزي.
حكام العراق………………………جلال النعيمي.
طموح صدام……………………..أحلام مرشد.
العلاقات العراقية الأمريكية توازنات ما بعد الانسحاب….. سوسن اسماعيل العساف.
No Result
View All Result