يعاني القطاع التعليمي في لبنان مصاعب جمة، فحرب الجنوب أثرت بشكل كبير على واقع التعليم، إذ هاجر عدد من الأساتذة بحثاً عن الاستقرار، ناهيك عن فرض الحكومة رسوم على الطلاب اللبنانيين وغير اللبنانيين، وترى مختصة أن الخوف ليس من انطلاق العام الدراسي بل من استمراريته. تُعدّ حرب الجنوب من إحدى الصفحات اليومية المؤلمة التي يعيشها لبنان، حيث تترك كل يوم آثاراً عميقة على جميع مناحي الحياة، بما في ذلك انطلاق العام الدراسي الذي بدأ في عددٍ من المدارس الخاصة البعيدة عن مناطق النزاع.
العام الدراسي في لبنان يمر بحالة ضبابية
المشهد الأمني في جنوب لبنان يجعل العام الدراسي في حالة من الضبابية، فلم يكُن يتوقّع الطلاب وذووهم، أن تمتدّ الحرب لسنة دراسية ثانية، ما فرض على البعض التوجه نحو النزوح القسري إلى مناطق أكثر أماناً، ما أدى إلى صعوبة في عملية تسجيل الطلاب وتوفير بيئة تعليمية مستقرة، كذلك الخوف والقلق النفسي لدى الطلاب؛ ما سيؤثر على قدرتهم على التركيز والتعلم.
ويعاني قطاع التعليم في جنوب لبنان نقصاً في الكوادر التعليمية، فهنالك عدد من الأساتذة اتخذوا الهجرة سبيلاً لهم في البحث عن الاستقرار الوظيفي. كما أن الحكومة اللبنانية لا تقوم بخطوات جدية لحماية العام الدراسي ولاسيما في المدارس الرسمية، حيث تفرض رسوماً على الطلاب اللبنانيين وغير اللبنانيين، وهي 50 دولاراً أميركياً للطالب اللبناني، و100 دولار أميركي لغير اللبنانيين، وهذه الرسوم مرفوضة من معظم الأهالي الذين لا قدرة لهم على دفعها نتيجة الأوضاع المعيشية المتردية وتدني الأجور.
الحرب تحرم الأولاد حقهم في التعلم
“ليلى عز الدين“، أم لأربعة أولاد من بلدة عين أبل جنوب لبنان، تعيش في دائرة الخوف والقلق من جراء الحرب في الجنوب المستمرة. وتريد ليلى عز الدين إدخال أولادها إلى المدرسة، لكن مدارس الجنوب محاصرة بالقصف والدمار وصوت الطيران الحربي الذي لا يتوقف ليلاً ولا نهاراً، فقررت الذهاب إلى مدارس بيروت الخاصة التي تُعدّ آمنة، لكن الأقساط لاهبة وخارجة عن قدرتها، إذ تتراوح في المدارس الخاصة بين ألفين وعشرة آلاف دولار أمريكي، من دون احتساب كلفة الكتب واللوازم المدرسية الضرورية، فكيف لها أن تتحمل هذه الأعباء وراتب زوجها الذي يعمل في شركة تنظيف لا يتعدى خمسمائة دولار؟
وأوضحت ليلى لوكالة أنباء هاوار؛ أنها قد تلجأ إلى المدارس الرسمية التي بدورها تعيش أزمات عدة مالية ولوجستية، بالإضافة إلى إضرابات الأساتذة التي تتكرر في السنوات الأخيرة.
وليلى هي واحدة من الأمهات التي تعيش حالة من الخوف والاضطراب بشأن مصير أولادها، الذين يحق لهم التعلم في بيئة سليمة وآمنة.
مشكلة استمرارية العام الدراسي في لبنان
ويشهد لبنان حالياً حالة من عدم الاستقرار على المستويات كافة، مما يخلق لدى الطلاب وأولياء الأمور شعوراً بالقلق حيال استمرار العام الدراسي. وأوضحت لما الطويل لوكالة أنباء هاوار؛ أن انطلاقة العام الدراسي في لبنان تعيش تحديات عدة لناحية المشكلات المادية واللوجستية، بالإضافة إلى حقوق الأساتذة المهدورة نتيجة السياسات الخاطئة، كما أن هنالك عائقاً أساسياً هو المشهد الأمني وانعكاسه على الواقع التربوي، ولا سيما في المناطق الجنوبية التي تتعرض للعدوان الإسرائيلي المستمر.
لما الطويل نوهت، أن انطلاقة العام الدراسي ستتأخر في المدارس الحدودية، ولكن في المناطق الجنوبية الآمنة ستبدأ بشكل طبيعي.
الموضوع إذا ليس في انطلاقة العام الدراسي إنما في الاستمرارية، ولا سيما أن اليونيسف تخلّت عن مساعدة المدارس الرسمية، وبالتالي فإن الحكومة عاجزة عن تقديم الدعم للمدارس الرسمية بالرغم من قدرتها على تأمين مبالغ طائلة تتخطى الـ 300 مليون دولار لدعم المنح المدرسية في القطاع العام، بما يسمح للأهالي تسجيل أولادهم في المدارس الخاصة، وهذا يدل على حالة التناقض القائمة لدى الحكومة التي تستمر في سياساتها غير المدروسة.
“لما الطويل”، تحدثت عن غياب دور الحكومة في الإصلاحات التربوية، وقيامها بفرض رسوم في المدارس الرسمية: “هنالك أهالي لا يملكون القدرة على تحملها وسط الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية”.
أما في المدارس الخاصة، فأشارت لما، إلى أنها عشوائية من دون اللجوء إلى التعاون مع المعنيين، ولا سيما مع لجان الأهل، مع غياب التدقيق المالي والرقابة سواء من التفتيش التربوي أو من وزارة التربية على أداء إدارات المدارس.
وأكدت، على ضرورة تحلّي الأهالي بالوعي وملاحقة حقوقهم والمطالبة بها، ولا سيما أن الدولة لا تقوم بواجباتها ولا تراعي حقوق المواطن رغم فرضها ضرائب عليهم.
وتمنت لما الطويل، ألا يكون هنالك مشروع في تدمير القطاع التربوي في ظل استمرار هذه المنهجية الخاطئة.
يذكر، أنه بلغ عدد المدارس الخاصة في لبنان 1209 مدارس خلال عام 2023، وكان يعمل فيها 51 ألف أستاذ وأستاذة، بينهم نحو 19 ألفاً متقاعداً. كما بلغ عدد المدارس الخاصة شبه المجانية نحو 352 مدرسة، وكان يعمل فيها سبعة آلاف أستاذ وأستاذة. ولا توجد إحصائية رسمية لعدد الطلبة، ولا حتى عدد الأساتذة للعام الدراسي 2024، نتيجة للوضع غير المستقر في لبنان.
كما أن المدارس الرسمية لم تفتح حتى الآن أبوابها أمام الطلبة، نتيجة المواد اللوجستية والمادية، وخاصة بعد فرض الحكومة اللبنانية رسوم على الطلاب اللبنانيين وغير اللبنانيين.