سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

العازف عبد الرزاق السعيد: الزمارة صديقة الفرح ورفيقة الحزن

الطبقة/ عبد المجيد بدر

تحتل “الزمارة” مكانة الصدارة بين الآلات الموسيقية العربية، وبالأخص ما يتعلق بالأغاني التراثية والفلكلور الريفي، وحياة البادية، ومن هنا جاء شغف عبد الرزاق السعيد البالغ من العمر 48 عاماً بالتعلم على العزف على هذه الآلة التي تعد إرثاً ثقافياً لأبناء المنطقة الشرقية.
ما زالت الأرياف تتسم بالطابع الثقافي فلا تخلو دبكة من وجود الزمارة، التي ترافق الأغاني القديمة، التي توارثتها الأجيال، فجل المطربين والعازفين الشعبيين ترعرعوا في أرياف المدن وتشبعوا بنغمات المزمار وسواه من الآلات الموسيقية.
عبد الرزاق السعيد من مواليد 1976 قرية “الحمد هوش” التابعة لمقاطعة منبج في إقليم شمال وشرق سوريا، ينحدر من عشيرة “الوردات” التي تعود أصولها لقبيلة “الولدة” منذ نعومة أظفاره وهو شغوف بالتعلم على العزف على آلة “الزمارة”.
تعلم السعيد العزف على آلة الزمارة في سن صغيرة بعمر الثالثة عشرة، وكان مرافقاً للعازف “محمد الحسن الحميدي” وتتلمذ على يده وبقي مرافقاً له حتى وفاته، ليبدأ مسيرته الفنية عام 2001 واقتصرت أعماله على العزف في الجمعات العائلية وأعراس قرية “الحمد هوش” التي كان يقطن بها.
جال عبد الرزاق السعيد مدناً وبلدان كثيرة بقصد العمل، ولكن الزمارة لازمته كجزء لا يتجزأ منه، فكانت رفيقة دربه، ففي بداية القرن الحالي، قصد الكثير من الشباب في المدن الشرقية الدول المجاورة للعمل هناك وكان السعيد آنذاك في ريعان شبابه فقصد “الأردن ولبنان” رفقة زمارته، وحتى في الغربة واصل العزف وإحياء الحفلات الشعبية لأبناء المنطقة الشرقية في تلك البلاد.
أصول الزمارة 
الزمارة آلة موسيقية نفخيه كانت تصنع من “قصب الغاب” في السابق، لها خمسة ثقوب، ولها قطعة من الحديد في أعلاها تسمى “شاخة”، أما الآن وبتطور الآلات الموسيقية أصبحت تصنع من النحاس مقاس نصف إنش يبلغ طولها شبرين وأربعة أصابع، وتعد الزمارة الأب الأكبر للآلات النفخية، وبرع العديد من عازفي الزمارة في الرقة ومنهم “علي السنود، حمد الشبلاوي، عبد الله الملقب “باكة”، ومن الرواد الأوائل الذين غنوا على آلة الزمارة الفنان الشعبي “أبو فيصل” والذي يعد رمز من رموز الغناء والعزف على آلة الزمارة. 
ذوق فني خاص 
وللحديث عن الزمارة، ودورها في إحياء التراث الأصيل في مدينة الطبقة وريفها، التقت صحيفتنا “روناهي” العازف “عبد الرزاق السعيد” وهو أحد أفراد فرقة التراث الشعبي في مركز الثقافة والفن في مدينة الجرنية
السعيد تحدث بداية عن أهمية الموسيقا والغناء منذ الازل: “إن الموسيقا والغناء شيء أساسي في حياة الإنسان ولم يقتصران على الإنسان فقط، بل وحتى الحيوانات، فالإبل تطرب للحداء، والماعز تطرب لصوت الأجراس، لذلك عبر التاريخ كان للرجل الريفي إبداعه الخاص في صنع الموسيقا، التي لازمته عبر التاريخ، حيث صنع الزمارة من قصب الغاب، التي تعطي صوتاً موسيقياً مميزاً، وقام بثقب هذه الآلة ونفخ بها ليخرج منها أصواتاً موسيقية تعدُّ بلسما للقضاء على الحزن والخروج من أجواء الهم”.
السعيد تحدث كذلك عن بعض الألوان الموسيقية التي تعزف على آلة الزمارة: “الخمسة، الولدة، القوصار، المنديلي، الأسمر، سواديني، والعديد من الدبكات الريفية الأخرى”.
وعن سبب تعلمه العزف على الزمارة نوه قائلاً: “كنت طفلاً صغيراً أسكن في قرية تعتمد غالبية السكان على رعي الأغنام والزراعة، وعند ذهابنا لرعي الأغنام أنا وأطفال القرية، كانوا يصنعون الزمارة من خراطيم البلاستيك، ويقومون بثقبها لتصبح بشكل يشبه الزمارة، وينفخون بها لتخرج صوتاً جميلاً، هذه الحادثة جعلتني أعشق هذه الآلة”.
يعدُّ “عبد الرزاق السعيد” الزمارة رفيقة دربه التي ترافقه في شتى حالاته وحله وترحاله:” الزمارة رفيقة دربي فهي تلازمني أينما وطئت، ولا أستطيع التخلي عنها، حتى في غربتي لم أتخلَّ عنها، فبيننا علاقة وطيدة تجمعنا مع بعضنا، وحتى عندما كنت أرعى الأغنام كانت تلازمني، فأصبحت جزءاً مني تفرح لفرحي وتحزن لحزني”.
شارك عبد الرزاق السعيد بالعديد من الفعاليات في مدينة الجرنية، ومقاطعتي الطبقة ومنبج عزف في المناسبات الوطنية والأعياد الاجتماعية والدينية والقومية، وفي مهرجانات فنية عديدة في إقليم شمال وشرق سوريا.
خمسة وثلاثون عاماً برفقة الزمارة 
أكمل “عبد الرزاق السعيد” عامه الثامن والأربعين وهو برفقة الزمارة منذ أكثر من خمسة وثلاثين عاماً، وفي ختام حديثه أشار إلى أهمية المحافظة على التراث الشعبي الذي يعدُّ هوية ورمزاً للمنطقة: “التراث هوية ورمز يمثل أبناء المنطقة، لذلك تقع أهمية الحفاظ على التراث بالدرجة الأولى على الشباب من خلال إحياء حفلاتهم وأمسياتهم الفنية بواسطة آلات موسيقية تراثية أصيله، ولها دلالة وجذور تاريخية، وهوية للمنطقة وفنها العريق، كالزمارة والربابة والدف وسواها”.
والجدير بالذكر أن عبد الرزاق السعيد هو العازف الوحيد على الزمارة في مدينة الجرنية، التي تقع في الريف الشمالي الغربي لمقاطعة الطبقة، وهو أحد أعضاء فرقة التراث الشعبي في مركز الثقافة والفن في مدينة الجرنية، ويقطن مدينة الجرنية منذ ثلاثة أعوام.