سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الطبيعة على حافة الهاوية ومخاوف من التصحّر… عفرين المحتلة أنموذجاً

الشهباء/ فريدة عمر ـ

على مدار ستة أعوام، تُنذر طبيعة مقاطعة عفرين المحتلة بمخاطر التصحّر والإِبادة، بفعل ممارسات الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة التابعة له، حيث تعدت الإحصائيات آلاف الهكتارات من المساحات المثمرة والحراجية، وسط صمت مخزي للمجتمع الدولي.
لا يمرُّ يوم، على مدينة عفرين المحتلة وريفها، إلا ويتم تسجيل انتهاكات جديدة بحق المدنيين من سكانها، على يد المجموعات المرتزقة التابعة للاحتلال التركي، لتضاف إلى مسلسل الانتهاكات، التي تطول حلقاتها على مدار أكثر من ست سنوات. حيث تشهد مقاطعة عفرين ومنذ احتلالها في 18 آذار من العام 2018، عمليات الخطف والقتل، الاغتصاب، تدمير ونهب وسرقة لممتلكات المدنيين، عمليات التغيير الديمغرافي، وصبغ المنطقة بالهوية التركية، وغيرها من الجرائم التي تندرج جميعها تحت جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية.
وتحدث كل هذه الجرائم، أمام مرأى ومسمع العالم أجمع، دون التحرك أو اتخاذ مواقف من شأنها أن تُنهي هذه الانتهاكات، على الرغم من جميع ما تم توثيقه من جهات ومنظمات حقوقية وإنسانية، من بينها تقرير لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، التي نشرته بتاريخ 29 شباط من العام الجاري، والتي ذكرت فيه بأن تركيا تتحمّل المسؤولية عن الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب المحتملة التي يرتكبها عناصر جيشها والمجموعات المرتزقة التي تدعمها في الأراضي التي تحتلها في شمال سوريا. وأضافت في تقريرها بأن المسؤلون الأتراك، ليسوا مجرد مُتفرجين على الانتهاكات، بل يتحمّلون المسؤولية باعتبارهم سلطة احتلال، وفي بعض الحالات كانوا متورطين مباشرةً في جرائم حرب مفترضة فيما تسميه تركيا “منطقة آمنة”، وشددت المنظمة ضمن تقريرها بأن تركيا مُلزمة بإعادة النظام العام والسلامة، وحماية السكان، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وتقيد التعويضات، وضمان حقوق أصحاب الممتلكات والعائدين.
لكن الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة التابعة لها، ماضين في ارتكاب الجرائم، والأشد منها خلال الآونة الأخيرة، إبادة لطبيعة مدينة عفرين، عن طريق حرائق مُفتعلة، لعشرات الآلاف من الأشجار والمساحات الحراجية، في العديد من نواحي وقرى مدينة عفرين المحتلة.
من جنة خضراء إلى صحراء قاحلة
وتُعرف مدينة عفرين بطبيعتها الخلابة، ويُعرف سكانها بتعلقهم وحبهم الشديد للزراعة والأرض، وهذا ما جعل من مدينة عفرين، جنة خضراء، تتعلق صورتها بذاكرة كل من رآها، حيث تتميز بالغطاء النباتي من غابات حراجية متنوعة تنتشر في مختلف النواحي والقرى التابعة لها، إضافةً إلى المساحات الشاسعة من الأشجار المثمرة وخاصةً الزيتون، والتي كانت تتراوح نسبتها قبل الاحتلال، بما يقارب 20 مليون شجرة، وهي شجرة دائمة الخضار، وتُعد مصدر دخل أساسي لسكان المنطقة نتيجة لإنتاجها الوفير، حتى أصبح زيت الزيتون والزيتون بمختلف أشكاله إحدى أهم العناصر الأساسية لمائدة كل منزل عفريني.
فيما كانت تبلغ المساحة الحراجية قبل الاحتلال، بحسب إحصائية لمنظمة حقوق الإنسان في عفرين – سوريا، واستناداً إلى معلوماتهم لخبراء ومهندسين كانوا يعملون في لجنة الإحراج سابقاً، بما يقدر 22 ألف هكتار وأهم الأنواع هي السنديان، وحوالي 85 % من المساحة كانت من البطم والزيتون البري، السويد، الاصطرك، الزعرور، السدر والكرز البري، العناب والقطلب، والشربين “من فصلية الصنوبريات”، وتشكل الصنوبريات الطبيعية حوالي 15% من المساحة الحراجية والأبرز منهم الصنوبر البروتي والصنوبر الحلبي، والتي تتركز في جبال خاستيا في ناحية معبطلي، وجبل قازقلي وأحراش الحمام في ناحية جندريسه إضافةً إلى شيخ الحديد.
إلى جانب ذلك، تمت عمليات التشجير الحراجي في منطقة عفرين في العام 2011، حيث زرعت مساحات كبيرة ما يُقارب 15 ألف هكتار، وأهم المواقع المشجرة هي جبل الزيدية، باسوطة، الكفير، كفرجنة، قطمة، مشعلة، ميدانكي، علي بازانلي، حلوبية، كورتك، قورت قولاق، جبل ليلون، ديكمداش، مروانية، قازقلي.
لكن في العام 2018، أي مع احتلال مقاطعة عفرين من قبل الاحتلال التركي والمجموعات التابعة لها، تحولت هذه مدينة عفرين من جنة خضراء إلى صحراء قاحلة، بفعل ما يمارسه الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة التابعة لها، حيث بدأت تتعرض تلك الغابات الحراجية والأشجار المثمرة، لعمليات قطع جائرة وحرق ممنهجة لأهداف متعددة، منها لبناء قواعد عسكرية ومستوطنات، والاتجار بالحطب والفحم، وبحسب الإحصائيات المقدرة، تضررت حوالي نسبة 65% من المساحة الإجمالية للغابات والمناطق الحراجية في عفرين المحتلة بعد الاحتلال، فيما يقدّر عدد الأشجار المقطوعة بما يقارب مليوني شجرة.
حرائق مفتعلة وإنذار بالتصحر
في الآونة الأخيرة، ومع بداية صيف 2024، وتحديداً خلال الشهر المنصرم، شهدت غابات مقاطعة عفرين المحتلة، حرائق كبيرة، أكدت العديد من الدلائل منها المقاطع المصوّرة من الأهالي داخل المنطقة، بأنها حرائق مفتعلة ووجهت أصابع الاتهام إلى المجموعات المتورطة في عمليات التحطيب وبيع الفحم واستملاك الأراضي، في ظل تعتيم إعلامي كبير على الموضوع وغياب المساءلة والمحاسبة من أي جهة رسمية، حيث وثّقت العديد من الجهات، منها منظمة حقوق الإنسان عفرن – سوريا، بأن هذه الحرائق ليست أعمال فردية إنما خطط ممنهجة؛ بهدف الانتقام من سكانها ودفع المنطقة نحو التصحر والإبادة.
وبلغت إحصائية لمنظمة حقوق الإنسان في عفرين سوريا، لآخر عمليات الحرق التي حصلت، حتى إعداد التقرير، ما يلي:
حرق مساحات واسعة بجبل “بعيفه” وجوارها، بين قرى كل من “ميدانه وكوسو وبنيراكا وشنكيله” التابعين لناحية راجو، حيث التهمت النيران غابات حراجية وآلاف أشجار الزيتون والعنب والتين، منها حوالي الألف بجوار فرية كوساندي وعائدة للشقيقين “حسن وبكر مصطفى خالد”.
كما اندلعت حرائق واسعة في الأحراش قرب جبل قازقلي في قرية كفرصفرة التابعة لناحية جندريسه، والتهمت مساحة 4 هكتارات، وقضى حريق بحرش حج حسنلي على مساحة هكتار.
وفي 28 تمور من الشهر المنصرم، اندلعت حرائق في أحراش جبل قرية “درويش” التابعة لناحية راجو، حيث تعرضت على إثرها أشجار الصنوبر الحراجية وأشجار الزيتون المحيطة بها.
وفي 27 تموز، كانت الحرائق قد نشبت للمرة الثانية في جبل “بعيفه”، الواقع بين قرى كوسا وبنيراكه وشنكيله وكوانده التابعين لناحية راجو.
بتاريخ 24 تموز، التهم الحريق غابات حراجية وأشجار مثمرة في قريتي سعرنجكه وبخجه التابعتين لناحية بلبله، أما في 22 و23 تموز، اندلعت النيران في مساحات شاسعة من غابة جبل ناحية راجو، ونتيجة لذلك تضررت مئات الأشجار المثمرة مثل الزيتون والكرز والفستق والتفاح والإجاص والجوز واللوز، التي تعود ملكيتها لأهالي كل من قرى “عطمانا وعلطانيا وعداما، وبلاليكو وقره بابا” وامتدت النيران إلى موقع جسر “هره دره” وصولاً إلى قرى ميدانا التابعة بناحية راجو، وبحيث أكدت المنظمة بأن، الأرقام الحقيقة لعدد أشجار الزيتون غير مؤكدة؛ نتيجة اندلاع النيران ليومين متتالين، حيث قُدّر عددها بالآلاف منها 300 شجرة تعود للمواطن الكردي “محمد رشيد” من أهالي قرية “عتمانا”.
كما تضررت حوالي 1400 شجرة كرز، نتيجة الحرائق، والتي تعود ملكيتها للأخوين “مامو محو” و”مصطفى محو”، من قرية بليلكو، وفي قرية علطانيا التهمت النيران أشجار الجوز والفستق والمشمش بشكلٍ كامل، والتي تعود ملكيتها للمواطنين “مامو صالح ومحمد صالح وعثمان صالح”، حيث أنه في قرية بليلكو فقط، قُدِّر حجم الخسائر إلى ثلاثة آلاف شجرة زيتون.        وبتاريخ 11 تموز، اندلعت الحرائق في الأراضي الزراعية والأحراش في جبل محاذ لقرية “بيكه”، في ناحية بلبله، والتي أدت إلى تضرر العشرات من أشجار الزيتون والمساحات الحراجية، كما اندلعت في 8 تموز حريق في الأراضي الزراعية والأحراش التي تقع بين قرى “ميدانا وسيمالا وعداما وبلاليكو” التابعة لناحية راجو، والتهمت الآلاف من الأشجار الحراجية من السنديان والقطلب والبطم والمئات من أشجار الزيتون والسماق.
الطبيعة بين مخالب الإبادة على يد الاحتلال التركي
في كل مكان، يصل إليه الاحتلال التركي، لا بد من أن يتحول إلى مستنقع للإبادة على كافة أشكالها، حيث وأنه في المناطق المحتلة، وفي عفرين على وجه الخصوص، هذه هي الحالة على مدار أكثر من ست سنوات من الاحتلال، ليس فقط في هذه المناطق إنما في باشور كردستان وعموم جغرافية كردستان، حيث تكثفت عمليات قطع الأشجار في أراضي باشور كردستان على يد الاحتلال التركي في السنوات الأخيرة بهدف إنشاء قواعد عسكرية وغيرها من سياساتها ومخططاتها الاحتلالية.
وفي هذا السياق، وعبر لقاء لصحيفتنا “روناهي”، حذّر الرئيس المشترك لهيئة البيئة في مقاطعة عفرين والشهباء، محمد شيخ عثمان، من المخاطر الملحقة بالطبيعة على يد الاحتلال التركي: “بفعل الحروب والصراعات، التي حدثت على أرض كردستان عموماً، وفي مناطق شمال وشرق سوريا على وجه الخصوص، شكّل تأثيراً كبيراً على كل الكائنات الحيّة، نتيجة الأسلحة المدمرة التي استُخدِمت، والأسلحة الكيماوية على وجه الخصوص، وتسببت في دمارٍ كبير للأرض والطبيعة”.
واستكمل حديثه: “إلا أن هذه الأفعال، تزايدت بشكلٍ كبير على يد الاحتلال التركي، حيث تتعرض المنطقة إلى أكبر عمليات الإبادة، وخاصةً في عفرين المحتلة، حيث ومنذ احتلال المنطقة وجرائم الإبادة بحق الطبيعة مستمرة، من عمليات تقطيع جائر وقلع للأشجار ومتاجرة بالحطب، حتى باتت المنطقة أشبه بالصحراء، وافتقدت للمساحات الحراجية الكبيرة التي كانت تُعرف بها ما قبل الاحتلال، وهذه يشكّل خطراً كبيراً ويذهب بطبيعة عفرين نحو الإبادة”.
جريمة بيئية يجب عدم التغاضي عنها وإبداء موقف حازم
وشدد الرئيس المشترك لهيئة البيئة، في مقاطعة عفرين والشهباء، محمد شيخ عثمان، في ختام حديثه، على ضرورة اتخاذ المجتمع الدولي والجهات المعنية بحماية البيئة، بالقيام بواجبها: “إن الاعتداء بكل هذه الوحشية على الطبيعة، جريمة وإبادة، وإنذار بالتصحر والجفاف، لذلك على المجتمع الدولي، وكافة الجهات والمنظمات والمؤسسات، التي تتدعي بحماية الطبيعة، العمل بشكلٍ جدي واتخاذ مواقف حازمة، تخدم الإنسانية، وليست المصالح السياسية، بالعمل للضغط على الاحتلال التركي والفصائل المرتزقة التابعة له، ومحاسبتهم على جرائمهم، وضرورة تأمين الأمن والسلام في المناطق المحتلة، والتي لا يمكن تطبيقها مع وجود الاحتلال ومرتزقته، ومن دورنا نناشد بالتكاتف لإنهاء جرائم الإبادة بمختلف أشكالها”.
والجدير ذكره، بأن مقاطعة عفرين، احتلت بتاريخ 18 آذار من العام 2018، من قبل الاحتلال التركي والمجموعات المرتزقة التابعين له، ومن حينها إلى حد اللحظة، تُرتكب فيها أكبر عمليات التغيير الديمغرافي، وتغيير التركيبة السكانية، وإبادة الكرد الأصليين وتاريخهم وهويتهم، بما فيها إبادة طبيعة المنطقة.