No Result
View All Result
المشاهدات 1
تقرير/ خضر الجاسم –
روناهي/ منبج – عاش المواطنون في منبج أياماً عصيبة في زمن الحقبة السوداء «داعش»، ومن قبلهم مرتزقة ما يسمى بالمعارضة؛ وذلك بسبب فقدان وغياب أي مظاهر للإدارة والتنظيم. وبات سوق الأدوية ميداناً للمضاربة فيما بين أصحاب المستودعات الطبية، وربما انطبق الحال أيضاً على الصيدليات الأخرى؛ وجاء افتتاح الصيدلية المركزية فيها كخطوة دعم في المجال الطبي والحدّ من التلاعب بأسعار الأدوية وغيرها من الخدمات.
استطاع البعض في ظل غياب الضمير الإنساني تمرير ما يحلو لهم من الأدوية، بما في ذلك الأدوية المخدرة، والإتجار بحياة الناس، كونها تحقِّق مكاسب مادية طائلة؛ حتى لو كان الأمر يخالف مبادئ الفضيلة، والأخلاق. متساهلين جداً في صرفها، ولا يجد أحدهم من غضاضة تذكر بالاتجار بها. ومن المظاهر التي انتشرت في تلك الآونة عمل الأُجراء غير الطبيين، وهم أبعد ما يكونون عن المجال الطبي، بل ربما كان أحدهم لم يتجاوز السن القانونية بعد، وهو ما يشكل خطراً في عمله هذا على حياة الآخرين، الأمر الذي يعتبره البعض خبرة، في تناقض غريب يجمع صغر السن القانونية والخبرة الطبية، وظهر في الأيام الأخيرة من جعل الصيدلية التي يعمل بها، عيادة طبية مصغرة، يقوم من خلالها بصرف الأدوية العلاجية، والتي تحتاج في كثير من الأحيان لطبيب مختص، منافياً بذلك جميع الأعراف والقوانين المرعية بهذا المجال. وكثير منهم من بات يحقن الإبر، ويضع السيرومات بشتى أنواعها، ومنهم من أحالها إلى مركز طبي لقياس الضغط والسكر وتقديم لوازم الإسعافات الأولية. والكارثة الكبرى أن الكثيرين قد تأذوا بتلك المظاهر غير المهنية، والشديدة الحساسية لكونها تمسُّ حياة المواطن، وتعرضه للخطر، بسبب تشخيص خاطئ، أو ربما كانت نتيجة تأثيرات جانبية لبعض الأدوية؛ التي تتداخل فيما بينها مسببة أخطاراً كبيرة. ولا بد من الإشارة إلى أن كثيراً من تلك المظاهر ترافقت مع عدم وجود رخصة طبية، إضافة إلى تساهل، وغض البصر ممن يحملها بوضع- كما قلنا- شخصٍ غيرمناسب لمزاولة تلك المهنة الطبية الحسَّاسة. وكان افتتاح الصيدلية المركزية في منبج لتدارك مثل تلك الحالات واستئصالها من المجتمع.
الظروف الطبيعية المواتية لافتتاح الصيدلية المركزية
أولت الإدارة المدنية الديمقراطية في مدينة منبج وريفها اهتماماً ملحوظاً قل نظيره في أماكن أخرى، نظراً لأن الجانب الصحي يمثل واجهة البلد الحضارية، فمقياس تقدم تلك الشعوب يكمن في قدرتها على الرقي والنمو في ذلك القطاع الخدمي البارز.
افتتحت الصيدلية المركزية بتاريخ 14/10/2017م لذا كان ميلادها طبيعياً بالنظر إلى الظروف المحيطة بها. إذ كان يعاني أغلب المواطنين من ظاهرة الاستغلال الدوائي، وبصورة بشعة للغاية وربما تجاوزت في بعض أشكالها الخطيرة الخطوط الحمراء، حيث غدا سعر الدواء الواحد مضاعفاً عبر أرقام تتخطى مستويات الممكن والمعقول.
وبهذا الصدد؛ حدثتنا الرئيسة المشتركة للجنة الصحة منى زكي عن ضرورة افتتاح الصيدلية المركزية واستشهدت بحادثة واقعية جرت في منبج، وقالت: «إن أحد المرضى دخل أحد المشافي الخاصة (ولست بصدد ذكر اسمه) وكان مصاباً حينها بمرض يُرتِّب عليه البقاء في المشفى وتلقِّي العلاج من كونه سيخضع لعمل جراحي. وبناء على هذا تم صرف الأدوية التي سوف يحتاجها أثناء عمليته، وقتها كان المبلغ الإجمالي للفاتورة يتجاوز 12,000 ل.س ونتيجة استكمال إجراءات الحالة المرضية السريرية، فقد طلب الأطباء منه إعادة استخدامها نظراً لحالته الصحية الحرجة. لكن هذه المرة اضطر لجلب الدواء من الصيدلية المركزية، وكانت المفاجأة له ولنا، إذ أن قيمتها لم تتجاوز 5000 ل.س! ربما هذه الحادثة ترسخ مفهوم الحاجة لشيء يحميني أكثر ممن يقدم لي».
وتضيف منى: «إن افتتاح الصيدلية المركزية حقق طفرة نوعية على مستوى تقديم الخدمات، وبالأخص في الجانب الصحي، وذلك على اعتبار أنها كانت من ضمن أبرز المشاريع التنموية التي قامت بها الإدارة منذ انطلاق تأسيسها في بدايات عام 2017م، حيث شهد ميلادها حاجة ملحة، لتلبية احتياجات المواطنين من الأدوية، ليس هذا فحسب، بل من قدرتها على المنافسة الحقيقية بالأسعار مقارنة بمثيلاتها من الصيدليات الأخرى».
وتابعت منى: « نهدف من افتتاح الصيدلية إلى خدمة المواطن بالدرجة الأولى بعيداً عن المكاسب المالية؛ وذلك من شأنه خلق فائدة كبرى له تصب في مصلحته في نهاية الأمر. إذ كان في افتتاحها نهضة طبية بكل المقاييس، فقد فتحت المجال أمام الجميع للعمل بهذا القطاع، وميداناً حراً للمنافسة، وإفساح الأمر للقائمين على المستودعات بعمليات البيع والشراء من دون عراقيل تذكر. لكن؛ بوسع الصيدلية المركزية الآن؛ القيام بدور الضابطة، حيث يتوجب على المستودعات الدوائية تحديد أسعار أدويتهم، بما يتوافق نوعاً ما مع الأسعار التي تقدمها الصيدلية المركزية، وعلى الأرجح؛ فإن الازدحام الملحوظ على أبوابها قبيل افتتاحها في ساعات الصباح الأولى دليلٌ على نجاحها بكل المقاييس».
كادر إداري مؤهل طبياً
استطاعت الصيدلية المركزية فرض نفسها، لكونها قادرة على إيجاد موطئ قدم لها في منبج وذلك عبر تعميق وترسيخ مظاهر الأداء الوظيفي المهني الأصيل، الذي من شأنه إظهار علامات الراحة والاطمئنان لدى نفوس الكثير من المواطنين في ظل قناعتهم أنَّ الصيدلية المركزية، تُمثِّل البؤرة الطبية الحسنة لهم، فهي تمتلك قابلية مرنة على التطور والتقدُّم من خلال دعمها للركائز الأساسية، والمتمثلة بالكادر الطبي المهني الفعال، الأمر الذي مكنها من المنافسة من خلال استقبال المواطنين بتخفيف العبء عنهم، وتحمُّل وطأة ما يعانونه من آلام جمة للغاية.
وبهذا الصدد التقت صحيفتنا مع المحاسب والإداري في الصيدلية مصعب الأحمد ليطلعنا أكثر على هذا الكادر بقوله: «إن الانفتاح الذي شهدته منبج مكَّن الكثيرين من مزوالة العمل الطبي من خلال المستودعات الدوائية، ولكن لولا الصيدلية المركزية لاستغل الكثيرون من ذوي النفوس الضعيفة ذلك، وهم ممن يُدعون ملائكة الرحمة، والبعض بريئون من هذا الوصف بانتهازهم الفرصة ومبادرتهم التسلُّق على ظهور المواطنين، فرفعوا جل أسعار العقاقير بنسبة قد تصل إلى 75% مما أدى إلى عدم مشروعية تلك الأساليب الملتوية، ومنافاتها للقيم الأخلاقية والإنسانية. ومن منطلق الأمانة الإنسانية بدأت الصيدلية المركزية بالعمل على إقامة دور الرقيب غير المباشر على الصيدليات الأخرى، مما اضطرها هي الأخرى لتخفيض أسعار الأدوية بما ينسجم مع الأسعار المطروحة لدى الصيدلية المركزية».
وأضاف الأحمد: «يمكننا القول: إنَّ الصيدلية المركزية لا تقتصر على بيع الأدوية فقط، وإنما باتت تقوم مقام نظام حماية المستهلك، ولا يفهم من قولي إشعال منافسة بهدف المضاربة على الآخرين؛ فهذا أبداً ليس من طبيعة عمل الصيدلية. ومن خلال تلك الاستراتيجية الطبية الناجحة، أصبح المواطن بمأمن من التلاعب بالأسعار وحماية المستهلك، وتعد هذه الخطوة من أهم أهداف الصيدلية المركزية على الإطلاق. ويعمل في الصيدلية مختصون من حملة الإجازة في الصيدلة؛ إلى جانب اثنين من ذوي اختصاص فني طبي صيدلة، إضافة لمحاسبين ماليين اثنين».
وتزين جميع الكادر ابتسامات مرحبة؛ نتيجة الضغوط جراء الازدحام الشديد، لكن ما ينسيهم ذلك التعب هو قيامهم بعملهم الإنساني البحت، وبناء عليه فهم يقدمون استشاراتهم الطبية، بالشيء الذي يتوافق مع حالة المريض الصحية، وبما يتوافق مع إمكانايته المادية والشرائية، حينها يُقدَّم له البديل الطبي الناجع.
وفي هذا السياق؛ حدثنا الإداري الطبي محمد الحمادة عن عمله في الصيدلية، حيث يرى أن افتتاح الصيدلية المركزية في منبج خلقت له شعوراً جميلاً بعدما كاد يفقد الأمل بجدوى ممارسة العمل الطبي خلال مسيرة عمله الطويلة بهذا الميدان بخبرة تصل لقرابة الثلاثين عاماً، كون الفترة السابقة قد شهدت تجاوزات كثيرة من قبل القائمين عليها، قد لا يألفها بعضهم أحياناً مما يجعله على خلاف عما يشعر به الآن من قابلية على العمل أكثر من ذي قبل، بخاصة وأنه يعمل شريكاً مع الكادر لتحقيق إنجاز هام على المستوى الشخصي من كونهم على حد وصفه (أسرة واحدة يكمل بعضها بعضاً).
كما واعتبر الحمادة أن عمله في الصيدلية أتاح له أن يضيف لخبرته الشخصية قدراً كبيراً من الخبرة التراكمية؛ بحيث أكسبته خبرة مضاعفة كونها تصب في صميم تجربته الطبية، وتطوير مهاراته، ومعارفه عبر الوصفات التشخيصية العديدة من قبل عدة أطباء مختلفين من حيث الاختصاص في الحقل الطبي واستفادته لأكثر الأنواع رواجاً من الأدوية لكل طبيب، ومرضاه على حد سواء.
الأدوية النوعية
وربما كان لشعار الجودة والأسعار المنافسة أثره في انطلاق الصيدلية نحو عمل مؤسساتي، يخدم تطلعات المواطنين ذوي الدخل المحدود، وبما يساهم في استقرار أسعار الأدوية على وجه الخصوص عن طريق تقديم كل ما هو جديد من منتجات طبية على اختلاف تنوع الشركات المصنعة سواء الوطني منها أم الأجنبي؛ رغبة من القائمين عليها على إثبات قدرتها على المنافسة لما له من بالغ الأثرعلى حياة المجتمع جميعاً. وتحتوي الصيدلية أصنافاً متعددة من الأدوية الإسعافية مثل خافضات للحرارة، والمسكنات وأدوية الالتهاب العام، إلى جانب الأدوية التشخيصية من قبل الطبيب المختص؛ والتي عادة يتم صرفها من قبله سواء أكان طبيباً عاماً أم طبيب أطفال، أم نسائية أم داخلية، أم عظمية، أم عصبية، أم غيرها. وكما تحتوي الصيدلية على أدوية خاصة لأمراض الضغط والسكري وغيرها.
إن تقديم الأدوية بسعرٍ مخفض؛ أسهم إلى حد بعيد بتخفيض المستودعات لأسعارها؛ تزامناً مع أسعار الصيدلية بحسب ما أفاد به القائمون عليها والذين يعتبرون ذلك إيجابية كبرى على مستوى تقديم الخدمات بشكل عام، وليس الأمر يقتصر على الجانب الطبي فحسب.
منجزات تنتظر مزيداً من الدعم
استطاعت الصيدلية المركزية خلال فترة وجيزة من افتتاحها استقطاب معظم النخب والشرائح في المجتمع؛ وذلك على اعتبار أنها تمثل النموذج الصالح الذي بات يخدمهم بالدرجة الأولى؛ كاسراً احتكارات السوق السوداء التي كان فيما مضى في ميدانها الخاسر الأكبر؛ هو المواطن.
ومن المشاريع التي لا تزال تحت الدراسة؛ افتتاح فرع ثان للصيدلية المركزية في منبج، حيث يستطيع استيعاب المواطنين كافة وتسهيل عملهم بالشكل الأمثل. ومن المشاريع التي تعتبر قيد الدراسة أيضاً محاولة تأمين أدوية نوعية؛ خاصة بمرض السرطان في حال تم توفر الدعم الكافي واللازم من الإمكانات الطبية المتاحة.
ويرى وسيم الحجي وهو أحد الزبائن الذين دأبوا على شراء الأدوية من الصيدلية المركزية، حيث يعتبر أنه بات بمقدورها وضع حدٍّ لمظاهر الاستغلال والجشع، إذ حقق افتتاحها نموذجاً ناجحاً بكل المقاييس على صعيد المشاريع الخدمية، وهذا ما يعكس الازدحام الشديد على أبوابها بشكلٍ يوميٍّ على حدٍّ وصفه.
تعد الصيدلية المركزية منذ بدء افتتاحها إحدى دعائم الاقتصاد المجتمعي في مدينة منبج وريفها، إذ استطاعت خلال فترة وجيزة إثبات نفسها، وصورة مشرقة لإنجاز عظيم قامت به الإدارة المدنية الديمقراطية في منبج.
No Result
View All Result