منذ أن أعلنت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا كجائحة عالمية واتخذت الدول التدابير اللازمة والإجراءات الوقائية من إغلاق وعزل وتباعد اجتماعي، تأثرت حياة الناس في كل مكان وتحولت إلى شكل جديد غير معتاد كان له تأثير كبير فيهم على كل المستويات، وبالطبع فإن أكثر الفئات تأثراً بهذه الإجراءات كان الأطفال.
فالصغار في جميع أنحاء العالم اختلفت بلادهم وثقافتهم ولغاتهم إلا أنهم توحدوا أمام مواجهة عدو مجهول تحت اسم فيروس كورونا، جعلهم قابعين في منازلهم وعزلهم عن العالم وحرمهم من الذهاب إلى المدارس والنشاطات المختلفة وحتى من زيارة أقرب أفراد الأسرة.
وبالطبع، فإن شرح مفهوم مصطلحات مثل: الوباء، الفيروس، التباعد الاجتماعي، بالإضافة إلى الإجراءات المطلوب اتّباعها مثل ارتداء الكمامات والتعقيم وغسل الأيدي باستمرار، شكّل مشكلة لكثير من الآباء في كل مكان حول العالم بخاصة مع الأطفال صغار السن الذين سيصعب عليهم فهم مثل هذه الأمور.
ولمساعدة الآباء على شرح الوضع الحالي للأطفال، أصدرت منظمة الصحة العالمية كتاباً قصصياً يهدف إلى شرح الأمر للصغار بشكل مبسط وتوضيح كيف يمكن التأقلم معه، وهذا الكتاب هو ثمرة تعاون بين أكثر من 50 منظمة عاملة في القطاع الإنساني، من بينها منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، والاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، وصندوق إنقاذ الطفولة.
الكتاب الذي يأتي تحت عنوان (بطلتي أنتِ، كيف يمكن للأطفال محاربة كوفيد-19) والذي يستهدف بشكل أساسي الأطفال بين 6 و11 سنة، هو ثمرة مشروع للمجموعة المرجعية للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في حالات الطوارئ التابعة للجنة الدائمة المشتركة بين الوكالات، والتي تشكّل إطاراً فريداً للتعاون بين وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية والوكالات الدولية التي تقدم الدعم الصحي النفسي والعقلي في سياقات الطوارئ.
تستهدف منظمة الصحة العالمية من خلال هذا الكتاب الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال حول العالم ومن أجل هذا، ترجمت القصة إلى معظم اللغات إضافة إلى إصدار الكتاب بصورة إلكترونية مقروءة ومسموعة ويمكن تحميله مجاناً من موقع المنظمة باللغة المطلوبة مع السماح بطباعته وتداوله بشكل غير تجاري.
الوصول إلى أطفال العالم رغم اختلاف الثقافات واللغات
لاقى الكتاب فور صدوره احتفاءً كبيراً من المنظمات الكبرى المشاركة فيه، إذ قالت هنرييتا فور المديرة التنفيذية لمنظمة اليونيسيف: “لقد انقلبت حياة الأطفال رأساً على عقب في جميع أنحاء العالم، حيث يعيش أغلبهم في بلدان تطبق قيوداً أو حظراً تاماً على الحركة، وهذا الكتاب الرائع يساعد الأطفال على فهم هذا المشهد الجديد والتعامل معه وتعلّم كيف يمكنهم القيام بخطوات صغيرة تجعل كل واحد منهم بطلاً لقصته الخاصة”.
بينما قالت أودري أزولاي المديرة العامة لمنظمة اليونسكو” أودّ أن أثني على إبداع وشغف جميع الفنانين والمؤلفين والناشرين الذين يبحثون عن طرق خلاقة لتأليف وترجمة القصص والأعمال الفنية كي تصل إلى الأطفال والأسر، فترفّه عنهم وترشدهم خلال الأوضاع العصيبة، واليونسكو فخورة بدعم هذه المبادرة التي نرى فيها مثالاً على مساهمة الأوساط الفنية في تعزيز رفاهية وصمود الجميع”.
الكاتبة والرسامة هيلين باتوك مؤلفة قصة (بطلتي أنتِ) تقول عن بداية المشروع “أثناء المرحلة الأولى منه تم تنفيذ استبيان للآباء والمعلمين ومقدمي الرعاية تم ترجمته إلى اللغات العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الإيطالية، البرتغالية والإسبانية لمعرفة آراءهم وتعليقاتهم حول ما يفعلونه للتأقلم مع الجائحة وإطلاقه عبر منصات التواصل الاجتماعي للمنظمات المشاركة وتم بعدها تجميع الإجابات وتحليلها إحصائياً”.
وتضيف “شارك في الاستبيان 1700 شخص من كل أنحاء العالم ومن هنا، فإنه قبل بداية العمل كان لدينا تصور عن العناصر الأساسية التي نحتاجها في قصتنا مثل معلومات عن غسيل الأيدي والتباعد الاجتماعي بالإضافة إلى وسيلة لمساعدة الأطفال على التأقلم مع بعض الحقائق المتعلقة بالجائحة مثل افتقاد الأصدقاء، البقاء في المنزل، وربما فقدان أحد الأقارب”.
ترجمة إلى 30 لغة، ولاقت صدى واسعاً عند الأطفال حول العالم
كتابة قصة لتناسب الأطفال في كل مكان في العالم مع اختلاف البلدان والثقافات والظروف المختلفة التي يعيشون فيها والتي قد تتفاوت بشدة في بعض الأحيان، لاشك في أنها تمثل تحدياً كبيراً، واختيار أبطال للقصة يمكن أن يكونوا مقنعين للأطفال في العالم كله، يمثل تحدياً أكبر وقد حرصت المؤلفة على أن لا تذكر اسم البلاد التي مرّ بها الأبطال خلال رحلتهم حتى يشعر كل طفل أنه يمكن أن تكون بلده باستثناء بداية الرحلة التي كانت من أمام أهرامات مصر، كما حرصت على أن تظهر أطفالاً في بيئات وظروف مختلفة مثل طفل على كرسي متحرك وطفل أصيب بالفعل بفيروس كورونا وتعافى منه. فماذا عن أبطال القصة وكيفية اختيارهم؟ عن هذا الأمر تقول هيلين “الشخصيات الرئيسية في القصة، هي فتاة سمراء شجاعة تحاول أن تساعد بقية الأطفال في الحفاظ على سلامتهم تدعى (سارة)، وكائن خرافي على شكل تنين سحري يحمل اسم (آريو) يشرح للأطفال كيف يحمون أنفسهم وأسرهم وأصدقاءهم من فيروس كورونا، وكيف يتعاملون مع المشاعر المضطربة التي تغمرهم عندما يواجهون واقعاً جديداً وسريع التغير. وهناك شخصيات أخرى في القصة لأطفال ذوي خلفيات عرقية متنوعة أصبحوا جميعاً أصدقاء من خلال رحلة خيالية قامت بها سارة مع صديقها آريو ما يجعل القصة ذات قيمة ومعنى للأطفال في كل مكان في العالم”.
وتضيف “تنطلق سارة في رحلة حول العالم مع صديقها آريو، فمِن أهرامات الجيزة إلى الجبال ومن المنازل في المدن الكبرى إلى مخيمات اللاجئين ومن خلال الرحلة ومقابلة سارة وآريو للأطفال الذين يعيشون في ظروف مختلفة يتم بثّ مفاهيم مثل، غسيل الأيدي والتباعد وكيفية التواصل مع الأهل والأصدقاء خلال هذه الفترة بالإضافة إلى التعامل مع القلق”.
دول تُعيد تشديد قيود كورونا مع ارتفاع أعداد الإصابات
“لقد أثبتت الطوارئ الإنسانية السابقة مدى أهمية معالجة مخاوف الصغار وقلقهم عندما تنقلب حياتهم التي يعرفونها رأساً على عقب، ونأمل في أن يساعدهم هذا الكتاب المصوّر الجميل، الذي يأخذهم في رحلة حول مختلف القارات والمناطق الزمنية”. كان هذا تعليق الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية عن الكتاب عند صدوره، إذ إن القلق والمخاوف ربما هي التحدي الأكبر الذي يواجهه الأطفال عند تعاملهم مع عدو مجهول مثل فيروس كورونا، فكيف يمكن من خلال القصة معالجة هذا الأمر ومحاولة تقليل مخاوفهم؟ عن هذا الأمر تقول هيلين “كان واضحاً لي أن بطلتي سارة تحتاج إلى طريقة لتخبر كل أطفال العالم بأنهم يمكن أن يصبحوا أبطالاً ويشاركوا قصصهم مع بعضهم بعضاً وكذلك آريو صديقها التنين السحري الذي سألها عما تحتاجه خلال لحظات خوفها والذي قال لها إنه قادم من قلبها. فقبل إعدادي للكتاب تذكّرت أنه في السابق علّمتني طبيبة نفسية تكنيكاً يسمى (المكان الآمن) ويعني أن أبحث في ذهني عن مكان أطمئن إليه أجد فيه مناظر طبيعية خلابة، أشخاصاً أحبهم، أصدقائي المفضلين وأجد فيه نفسي كما أحبها وحاولت أن أشارك هذا الأمر مع آخرين من خلال الاعتماد عليه في القصة لمساعدة الأطفال على إيجاد المكان الآمن في داخلهم”.
سرد القصص وسيلة للتواصل
مؤلفة القصة منذ أن بدأت رحلتها في مجال الكتابة للأطفال لها باع طويل في التعامل مع الأطفال ذوي الظروف الصعبة، مثل المتواجدين في مخيمات اللاجئين والأطفال الذين تعرضوا لاعتداءات نفسية أو بدنية من خلال توجيه القصص لهم كإحدى الآليات الفعالة في التعامل مع مثل هذه الظروف وبالطبع الوضع الحالي المتمثل في انتشار جائحة عالمية يمثل ظرفاً صعباً على الأطفال، فماذا تمثل فكرة حكاية القصص في مثل هذه الظروف؟ عن هذا الأمر تقول هيلين “إن قوة الأدب شيء معروف والكلمات والصور وحكاية القصص هي وسائل فعالة منذ القدم في نقل المعلومات الهامة وبخاصة للأطفال وردود الأفعال التي جاءتنا من كل القارات، كانت أكثر من رائعة حيث تم توظيف القصة بأشكال وعروض فنية مختلفة، ففريق العمل أبدع هذا الكتاب ولكن استغلاله بأشكال مختلفة من الناس أعطى له أجنحة حلّق بها في العالم أجمع”.
وتضيف “طوال فترة عملي في هذا المجال وجدت أن القصة هي أداة فعالة للغاية بخاصة حينما نتعامل مع أشخاص مستضعفين أو لا يشعرون بالأمان، فبإمكاننا دائماً أن نتواصل عن طريق الكلمات مهما كانت اختلافاتنا أو الأشياء التي نخشاها وهنا يكمن المغزى من القراءة والكتابة وهو الرغبة في التواصل مع آخرين في الحياة”.