سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الشهيد فيصل أبو ليلى عاشق الحقيقة والحياة الحرة

ياسر خلف –


كيف لوطن أن يفتخر بأبنائه؛ أليس الانتماء إلى وطن محتل مأساة شعب بأجمعه؟ كيف يغدو ثائرٌ وطناً ويُشيِّد بدمهِ دعائمه ويؤسس بوفائه وروحه وطناً لأمة أجمعت بعد استشهاده أن القداسة روح ثائرة توقظ الضمائر والأفئدة متى ما خبت جذوة النضال في نفوسهم.

هو ذا فيصل أبو ليلى قد خطَّ بدمه وفكره رسالة بليغة إلى أمةٍ عانت من الظلم والاستبداد منذ دهر مديد ليجمع في تفاصيلها وثنايا مآثرها ملحمة شعب يُسطِّرُ العشقَ بحثاً عن حقيقة طالما بقيت  مخبأة منذ فجر التاريخ وموجودةً في راهننا ويومنا متأصلة ومستمرة منذ كاوا الحداد مروراً بجلجامش وقلعة دِمْ دِمْ (الأمير ذو الكف الذهبي وكلبهار) ودرويش وعدولي وكلي زيلان وشيخ سعيد وبطولات أورمار والزاب وصولاً إلى ملحمة كوباني ومقاومة العصر في كلٍ من عفرين وسري كانيه……… وغيرها العشرات من المآثر التاريخية المتجددة والمتقدة كحقيقة ماثلة للعيان في واقعنا ويومنا تماماً كما يفعلها العاشقون من أبناء الشمس والنار ومعاركهم الوجودية ضد الإرهاب والظلاميين في روج آفا وشمال شرق سوريا وعموم كردستان.

يكاد يكون هناك إجماع ان أغلبنا قد قرأ وسَمِعَ قصصاً كثيرةً عن العشق العذري بحيث أن تلك القصص كانت تثير شعلة من المشاعر وتشدها نحو أبطالها.

ربما لم يكن بمقدور المرْءِ أن يقاوم تلك المشاعر ويتمنى أن يكون حاضراً في تفاصيلها ويُسقط وفاء شخوص تلك القصص على ذاته، ولكن هل فكر أحد منا كيف يعيش شعب بأكمله على نبض عشق عذري لمقاومين ومقاومات ويستلهم ويستقي وجوده وهويته وآماله من أنفاسهم وابتساماتهم ومسيرتهم الخالدة؟ نعم  هذه هي الحقيقة التي طالما كانت انعكاساً أو مرآة  للعشق, وفقط هو العشق الذي يفضي إلى الحقيقة الكاملة، وهذا ما كان يمتلكه ثوار الحقيقة في روج آفا والثائرون على خُطاهم وقد يختصر الشهيد القائد فيصل أبو ليلى كل قِيَم ومعاني الحقيقة الثورية بِسِمَاتِها وخصالها الأصيلة…

أجل هكذا بدأ المناضل الشهيد فيصل أبو ليلى مسيرته الثورية في بحثه عن الحقيقة وقد تكون رسالته التي وجهها إلى ابنته ليلى قُبيل استشهاده اختصاراً لكافة المعاني والقيم التي لا يصل إليها إلَّا القديسون من الأنبياء  كيسوع المسيح وحوارييه والتي سطرها أبا ليلى بدمه وفلسفته ونهجه حيث يقول لابنته ليلى: (هكذا هو طريقنا، هكذا هو واجبنا أن ندافع ونعمل ونقاتل لأجل مستقبلكِ ومستقبلِ الأطفال مثلكِ لكي لا تكبروا وتقولوا كما كُنَّا نقولُ إن آبائنا وأجدادنا لم يفعلوا شيئاً لأجلنا.

أنا أقاتل لأجلكِ ولأجل أمثالكِ، كل ما نعانيه وكل ما نخاطر به هو لأجل مستقبلك ومستقبل كل الأطفال مثلك لتعيشوا في هذا الوطن أحراراً وآمنين. والثورة هي لأجلكِ ولأجل الوطن كم اشتقت إليكِ حبيبتي ليلى ستكونين فخورة بوالدكِ إن كانَ حياً أو شهيداً).

ومن هنا يمكننا أن نستنتج ونستنبط من كلمات هذه الرسالة المقولة التي تؤكد على أن الشهداء هم الأحياء الحقيقيون والخالدون, أجل لقد برهن القائد الشهيد فيصل أبو ليلى أرقى أنواع العشق العذري أو أكثر أنواع الحقيقة يقيناً من خلال تضحياته ومقاومته وتصديه لأكثر أنواع الشر ظلماً وظلاماً وجوراً.

إنه يرى في ليلى وطناً وأمةً يجب عليها أن تعيش حقيقتها وتاريخها ومستقبلها وثقافتها وحضارتها التي بقيت مغيبةً عن وعيها وذاتها إكراهاً وغصباً وانكاراً فهو يأبى أن تكون ليلى من دونِ ذاكرة وإرادة ووعي؛ فهو يعلم جيداً إن المقاومة لا يمكنها أن تستمر بدون إرث نضالي ومخزونٍ فكري ينير درب المناضلين والمقاومين الثائرين على درب ونهج الحقيقة والحياة الحرة.

نعم إنها فلسفة عشاق الحقيقة العذرية وآمال شعب لم يدخل الشك يوماً في مسيرتهم التحررية إزاء أبنائهم العاشقين الوالهين بمسيرة الخالدين المتجددين على دروب الحرية العصماء التي أنقذت ليس شعبهم فحسب بل أصبح نهجهم ودربهم فلسفة وفكر يلهم كل وجدان وضمير حي وهذا ما بدا حقيقة لا تقبل الشك في كوباني قلعة الصمود والوجود وشنكال ومنبج وعفرين وسري كانيه…..  فلولا العاشقين والثائرين على دروب الحرية العذرية من أمثال القائد فيصل أبو ليلى ورفاقه الشهداء الخالدين لما استطعنا أن نعيش بكرامتنا أحراراً في وطننا وربما يمكننا أن نذهب إلى أبعد من ذلك؛ فلولا هؤلاء الشهداء لم تنعم العالم بأسره بالسلم والأمان، وهنا يمكننا  التأكيد  على أن معرفة الإنسان الهدف من الحياة تكون النقطة الأساسية التي تضفي معنىً صحيحاً على حياته، ومعرفة الإنسان لذاته وحقيقة شعبه وأمته هي الثورة الحقيقية في مجابهة كافة أشكال الإنكار والاستعباد وتخطي الصعوبات والمشقات للوصول إلى حقيقة الحياة ومعناها فكما يقال: معرفة الذات هي أساس كافة المعارف؛ فمعرفةُ الإنسان لذاته وكينونته وانتمائه لشعب وحضارة عريقتين هي الثورة الحقيقية للوصول إلى الحرية، وبالتالي إلى الحقيقة، ومنها إلى بناء حياة حرة، وهذا ما سعى إليه شهداؤنا الخالدون من أمثال القائد الشهيد فيصل أبو ليلى ورفاقه الثائرين.

إن امتلاك الإرادة لمعرفة الحقيقة والهدف من الحياة للوصول إلى الحرية بمعناها ومدلولها الثوري له تأثير كبير على أفكارنا ومعنوياتنا وحياتنا ومستقبلنا؛ فالشهيد فيصل أبو ليلى ورفاقه كان لهم هدف عظيم وهو إيصال شعبهم والمجتمع في روج آفا وسوريا بأكملها إلى دروب الحياة الحرة والوعي عبر مسيرتهم الخالدة التي أسست لمعاني العشق الذي يفضي إلى الحقيقة المطلقة بحيث يمكننا التأكيد على أن الشهداء والشهادة هي الحرية بذاتها بأسمى الدرجات التي يمكن للإنسان أن يصل إليها في سعيه للوصول إلى المعنى والحقيقة من الحياة.

أجل لقد برهن المقاتلون والمقاتلات في وحدات حماية الشعب والمرأة وقوات سوريا الديمقراطية أرقى أنواع العشق العذري أو أكثر أنواع الحقيقة يقيناً من خلال تضحياتهم ومقاومتهم وفكرهم وفلسفتهم المتجددة، والمستمرة في الضمير والوجدان الإنساني وهم يجابهون أعتى قوى الإرهاب المُنَظَّم والمدعوم من قوى الظلام التي تتزعمها الدولة التركية ومثيلاتها وذلك في أعظم مقاومة عرفها التاريخ البشري الحديث والتي قادها أمثال الشهيد فيصل أبو ليلى ورفاقه، والذي قال فيه المبعوث الخاص للولايات المتحدة بريك ماكغورك إبَّان استشهاد المناضل فيصل أبو ليلى في مسقط رأسه مدينة منبج (إننا سنصلي لروح الشهيد فيصل أبو ليلى الذي ضحى بنفسه من أجل تحرير وطنه وشعبه).