سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الشهباء.. ملاذ أهالي عفرين المُهجّرين في عين العاصفة

رامان آزاد_

للسنة الخامسة تتعرض بلدات وقرى منطقة الشهباء لقصفٍ شبهِ يوميّ من قبل جيش الاحتلال التركيّ وفصائل المرتزقة التابعة له، بهدف ضربِ مرتكزات الحياة في المنطقة ودفع الأهالي للخروج من المنطقة مجدداً، وأسفر القصف المستمر عن ضحايا وإصابات وأضرارٍ ماديّة، كما يهددُ القصفُ على سدِّ الشهباء بتدميره وإحراقِ المحاصيلِ الزراعيّة، ومازالتِ الشهباء بالنسبة لأهالي عفرين برزخُ انتظارٍ فيما تتلهفُ قلوبهم للعودة إلى حقول الزيتون في عفرين.
تُطلقُ تسميةُ مناطق الشهباء على المساحة الجغرافيّة التي تصلُ لأكثر من خمسة آلاف كم2، وأصلُ تسمية مناطق الشهباء تأتي من ”شاه با” وتعني: هواء المَلك. وتعودُ تسميتها لعام 2400 قبل الميلاد، وتمتازُ بمناخها المُعتدل وسهولها الممتدّة من تخوم سفوح جبال عفرين ومنحدرات جبال ليلون غرباً، إلى حدود منطقة سمعان جنوباً، ومنطقة الباب شرقاً نحو حدود الدولة التركيّة شمالاً.
تتبعُ لمناطق الشهباء ستُّ مدن، والعديد من البلدات وما يقاربُ 600 قرية، متفاوتة الحجم والمساحة وأهمّ مدنها: منبج، الباب، إعزاز، جرابلس، السفيرة، تل رفعت، والعديد من البلدات مثل دير جمال وأحرز وفافين وكفر نايا وتل عران، وتل حاصل، تادف.
خطوط التماس رُسِمت بالنار
في كانون الثاني 2014، شنَّ مرتزقة “داعش” هجوماً واسعاً واستولوا بالنتيجة على المنطقة بأكملها تقريباً بما فيها مدن منبج وجرابلس والباب حتى بلدة دابق، ووصلوا إلى مشارف مدينة إعزاز، والتي كانت واقعة تحت سيطرة فصائل المرتزقة الموالية لأنقرة تزج بهم في معارك ضد قرى عفرين، فكانت خريطة الميدان تخضع للتغيير، وكانت معركة عين دقنه في 27/4/2016 واحدة من أهم الحوادث المفصليّة، فقد استقدم الاحتلال التركيّ مرتزقة “جيش السنة” من مدينة حمص وجعلتهم رأس الحربة في المعركة، وفي 11/2/2016 تم تحرير مطار منغ العسكريّ وفي 14/2/2016 قرية عين دقنه، وفي 16/2/2016 دخلت قوات سوريا الديمقراطية إلى بلدة رفعت، ما شكّل خط التماس الذي استمر حتى اليوم.
في كانون الأول 2015، بدأت قوات سوريا الديمقراطيّة (قسد) حملة تحريرية من الشرق عبر نهر الفرات وحررت سد تشرين الاستراتيجي والقرى المحيطة به في 26/12/2015، وشكلت منطقة بارزة صغيرة على الضفة الغربية من نهر الفرات، وبدأت قوات سوريا الديمقراطيّة معارك تحرير مدينة منبج في 30/5/2016، على ثلاثة محاور: من الشمال والجنوب بمحاذاة ضفاف نهر الفرات، ومن الأطراف الجنوبية للمدينة لقطع طريق الرقة – منبج. حتى 12/6/2016، تم تحرير أكثر من 100 قرية من مرتزقة داعش. في 14 آب 2016، بعد تأمين منبج، وفي اليوم نفسه تم إعلان إنشاء مجلس الباب العسكريّ، وفي 22/8/2016 أعلن تأسيس مجلس جرابلس العسكريّ هذا ما دفع أنقرة لاحتلال جرابلس لقطع الطريق على عمليات التحرير، وفي 19 آب 2016، أعلن مجلس منبج العسكري، عن توليه أمن مركز مدينة منبج والقرى المحيطة بها.
جمعت دولة الاحتلال التركي بعض فصائل المرتزقة التابعين لها، واحتلت خلال ساعات مدينة جرابلس في 24/8/2016، وكانت جرابلس ملاذ مرتزقة “داعش” الفارين من مدينة منبج، ومع احتلال المحتل التركيّ لمدينة الباب في 22/2/2017، رُسمت خطوط التماس في الباب وعلى طول نهر الساجور، وفي أيلول 2016، حررت قوات سوريا الديمقراطيّة في معاركها ضد مرتزقة “داعش” غرب الباب في أيلول 2016 ووفي 19/10/2016 تم تحرير سد الشهباء وقرى” الحصية، حساجك، سموقة، قول سروج، الوردية، مزارع الغول، مزارع الحسينية، مركز سيرتيل”.
الشهباء ملاذ أهالي عفرين 
تشكّل منطقة الشهباء تنوعاً إثنيّاً متوافقاً مع تاريخ المنطقة، وتتألف التركيبة السكانيّة بشكلٍ أساسي من العرب والكرد المعربين إضافة إلى عدد كبيرٍ من التركمان السوريين والتركمان المعربين وتشير أسماء المواقع الجغرافيّة والخرائط التي نشرتها السلطات الاستعمارية الفرنسيّة إلى أنَّ نسبة كبيرة من سكان الشهباء المصنّفين رسميًا على أنّهم عرب هم من أصولٍ كردية، واعتبارًا من آذار 2016، كان هناك 450 قرية مأهولة في سهل الشهباء شمال وشرق حلب حول مدن إعزاز والباب ومنبج والسفيرة، منها 217 قرية كردية.
كانت منطقة الشهباء مقصد أهالي عفرين المهجرين قسراً خلال الأيام الأخيرة من العدوان على عفرين وقراها، حيث يعيش الأهالي على مشارف منطقتهم، قابضين على جمر الانتظار ومتمسكين بأمل العودة، ويقدّر إجمالي عدد المهجرين من أهالي عفرين بالمنطقة نحو 200 ألف، تلاحقهم قذائف العدوان التركيّ بشكلٍ شبه يوميّ، وقد أضحت أكثر كثافة في الفترة الأخيرة، ويتوزع على النحو التالي في قرى وبلدات المنطقة:
نحو 24 ألف مهجّر من عفرين في مدينة تل رفعت وقراها وهي شيخ هلال وشيخ عيسى.
نحو 40 ألف من مُهجر في ناحية فافين وقراها وهي: حسين، مزرعة هليسا، شيخ كيف، وردية، وحشية، جوبا، كرامة، العويش، تل شير، شيرناتا، حساجيك، بابنس، نيربية، شعالة، أحداث، مزرعة، سد الشهباء، تل مادق، سموقة، تل جيجان، تل عناب، درينت، معرة المسلمية، معرة كفر صغير، خرابيج، زوين، ناصرية، مزارع تل شعير ومشرفية.
أكثر من 37 ألف من مهجري عفرين في ناحية أحرز وقراها: تل قراح، تل سوسين، حربل، بير حربل، معرة، أم الشوخ، شهابية، رمضانيّة، أبو ميرا، مينتار، قنفز، كفر كاريس، مزارع، قريو وكفرناز.
10 آلاف مُهجر في ناحية كفر نايا.
نحو 30 ألف من مهجري عفرين في قرى ناحية شيراوا التابعة لعفرين وهي: آقبيه/ عقيبه، زيارته/ الزيارة، خريبكه، بينه/ إبين، برج قاص، كوندي مزن/ الذوق الكبير، صوغوناكه، كوكب ومزارع أخرى.
كما يعيش نحو 25 ألف مهجر من أهالي عفرين في بلدتي نبل والزهراء، فيما لا توجد إحصائيّة دقيقة لعدد الأهالي الذين توجهوا إلى مدينة حلب.
غنى تاريخيّ 
تُعتبَرُ منطقة الشهباء صلةَ وصلٍ بينَ حضارة ما بين النهرين (ميزوبوتاميا) والغرب، وهي البوّابةُ الرئيسيّة والخاصرة السهليّة الخصبة لسلسلة جبال طوروس والجبال الساحليّة للبحر الأبيض المتوّسط، وهي القاعدةَ الوحيدة للانطلاق نحوَ العُمق السوريّ، باعتبارها عقدة مواصلات والطريق البريّ الوحيد للعبور والوصول إلى أوروبا. وتأتي أهميّة منطقه الشهباء من كونها عنواناً تاريخيّاً للعديد من الحضارات المُتعاقبة التي شهدتها سوريا، والتي تركت آثار ماديّة في الحجر والبناء أو معنويّة عبر التمازج الحضاري وتعددية مكونات المنطقة، لتكونَ نموذجاً مثالياً للتعدديّة التاريخيّة والعرقية لسوريا تتجلى في مدنها وبلداتها وعاداتها وتقاليدها.
منطقة الشهباء تتميز بغناها التاريخيّ، فقد شهدتْ بحُكمِ الأهميّة الاستراتيجيّة لموقعها، العديدَ من الحضارات التي إمّا استوطنتها أو عبَرتها لأهدافٍ عسكريّة، وسنسردُ فيما يلي الحضاراتِ التي شهدتها مناطقُ الشهباء بحقبها التاريخيّة المتسلسلة زمنيّاً:
الحوريون “الهوريون”: في الألفيّة الثالثة، والأكاديون في الألفية الثانية قبل الميلاد. الحثييون: 1600 قبل الميلاد – الميتانيون 1560 قبل الميلاد – الفراعنة المصريون 1518 قبل الميلاد. الميتانيون: 1473 قبل الميلاد. الآراميون في عهد شلمناصر في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، الآشوريون: 853 قبل الميلاد – الميديون 612 قبل الميلاد – الأخمنيون 533 قبل الميلاد. الكسندر المقدونيّ: 333 قبل الميلاد – السلطة السلوقيّة بقيادة نيكاتور 312 قبل الميلاد. الرومان: بقيادة بومبه 64 ميلادي – الفرس في عهد كسرى أنوشروان540 ميلادي.
دخلَ جيستان البيزنطي: 565 ميلاديّ، الأمويون: 661 ميلادي، العباسيون: 749 ميلادي – الهمذانيون: 945 ميلادي، البيزنطيّ نقفور: 964 ميلادي. المرداسيون: 1024 ميلادي – السلجوقيون: 1094 ميلادي- الصليبيون: 1124 ميلادي- الزنكيون: عماد الدين الزنكي 1128 ميلادي- الأيوبيون 1160 ميلادي – المغول بقيادة هولاكو1265 ميلادي- تيمورلنك 1401 ميلادي، والعثمانيون 1516.

من الخصب إلى الجفاف
كان نهر قويق الذي من نبع Akpınar في كلس بهضبة عنتاب التركيّة، سرّ الخصوبة والحياة الزراعية في المنطقة، وكان يصب في سوريا ويبلغ طوله 129 كم، منها 110 كم ضمن الأراضي السوريّة، وكان يفيضُ شتاء، وتتدفق مياهه في الأراضي السوريّة حتى مصبّه في منطقة أو سبخة “المتخ”، ماراً ببساتين حلب التي تحولت إلى مناطق مكتظة بالسكان، وتمَّ تقسيم النهر بالاتفاق المبرم في أنقرة مع فرنسا نيابة عن سوريا في 20/11/1921، وكذلك مؤتمر الصداقة وحسن الجوار 1926، وقد كان النهر غزيراً لدرجةِ أنّه أدار عدداً من الطواحين المائيّة في حلب.
مرّ نهر قويق الذي جففته تركيا بمراحل عدة إلى أن تراجع تصنيفه إلى نهر من أنهار الأحواض المغلقة منذ أواخر عشرينيات القرن الماضي، وحوّلت الحكومة التركية مجراه إلى داخل أراضيها لتحرم سكان حلب وأريافها الاستفادة من مياهه، كما جفّت الينابيع الثلاثة التي تغذيه (عين التل والعين المباركة والعين البيضاء).
قطعت دولة الاحتلال التركي النهر عام 1950، عبر إقامة سد عليه، خلافاً إلا أنّه ظلَّ يشكّلُ مصدر خطر للفيضان بسبب طول مجراه داخل الأراضي السوريّة، فأُقيم سداً على مجراه.
شُيّد سد الشهباء عام 1966، كسد احترازي وذلك للسيطرة على الفيضانات التي يسببها نهر قويق ويقع السد وسط قرى تل مضيق، قول سروج وسموقة، جنوب شرق منطقة إعزاز، ارتفاع السد 10م، وطوله 220م مساحة البحيرة 560 هكتار مربع، وحجم التخزين فيه 16 مليون م3، والسد من النوع الركاميّ ذو نواة غضاريّة كتيمة، إلا أنه تم هدم بعض أجزاءه في عام 1969 وتسبب بفيضان النهر.
في 5/12/2008، تم تدشين مشروع إعادة وتأهيل نهر قويق بجرّ 4 م3/ثا من الفرات إليه عبر قناة من محطة ضخ البابيري، وتوقف الضخ مع سيطرة المرتزقة على المنطقة، وجفّت الوديان التي كانت تتفرع عن بحيرةِ السد وتتجه نحو قرى الشهباء، بعد شح المياه في السد، وفي بداية عام 2019 عادتِ الوديان للجريان لمدة شهرين بعد فتح المياه إلى بحيرة السد، لكنها في الآونة الأخيرة عادت للجفاف.
عندما أعيد ضخ المياه في مجرى نهر قويق في 29/1/2013 حملت المياه أكثر من 100 جثة لأشخاصٍ من مختلفِ الأعمارِ بملابس مدنيّة، ويروي أهالي الشهباء، بأنَّ مرتزقة “داعش” أثناء سيطرتهم على سدِّ الشهباء بين عامي 2014 – 2015 كانوا يرمون جثث الضحايا الذين يتم إعدامهم في بحيرة السدِ، وفي 19/10/2016 تمكن مقاتلو وحدات حماية الشعب من تحرير منطقة سد الشهباء، بعد معارك خاضوها ضد مرتزقة “داعش”. يستفيد المزارعون في قرى منطقة الشهباء وخاصةً التي يمر مجرى النهر فيها، من مياهه، في ري الأراضي الزراعيّة، علماً أنَّ المساحة الكبرى من الأراضي في الشهباء مروية، وعلى طول 1 كم من كل جانب من النهر، يستفيد الأهالي من سقاية أراضيهم، والآخرون يعتمدون على الآبار في سقاية أراضيهم، إلا أنّ مسألة توفر المياه أضحت مشكلة بعد جفاف مجرى النهر من المياه وانقطاعه عن القرى، ما أدى إلى انحسار المساحة المزروعة، وليضطر الأهالي حالياً للاعتماد على مياهِ الآبار في الري، ما يزيد كلفة الزراعة بسببِ أزمة المحروقاتِ والاعتمادِ على المولدات، فيما تسجل نسب الأمطار تراجعاً كبيراً في المواسم الأخيرة.