سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الشعر الشعبي في الجزيرة السورية.. تاريخ مختلف للشعر

إعداد/ حسام دخيل
المصدر: الشاعر حسن فياض  –

تمتاز الجزيرة السورية بغناها وتنوعها الثقافي؛ مما اكسبها لوناً وطابعاً خاصاً ناتج عن غنى مكوناتها وامتزاج ثقافاتهم ببعضها مما انتج فسيفساء تميز ابناء مناطق حوض الفرات عن غيرهم.
واشتهرت المنطقة بثراء تاريخها الغنائي والشعري الذي نتج عن هذا الامتزاج الغني بين أفراد مكونات المجتمع الجزراوي، بالإضافة إلى اكتساب اللون الفني والثقافي العراقي في مناطق جنوب الحسكة وريف دير الزور بسبب القرب بين البلدين واندماج عشائر المنطقة ببعضها البعض وصلات القربى بينهم.
حافظ سكان الجزيرة السورية على أرثهم الغنائي والفني الغني الذي استمدوه من أسلافهم ويعود تاريخه إلى آلاف السنين.
 تتنوع قصائدهم الشعرية وأغانيهم لتناسب كل الحالات النفسية التي يمر بها الاشخاص من فرح وحزن ورثاء.
الشعر في الجزيرة السورية
يعتبر الشعر الشعبي من أكثر أنواع الشعر انتشاراً في مناطق الجزيرة, وهو يكتب باللهجة العامية “اللهجة المحكية”، وذلك لبساطته وقرب مفرداته من الناس, حيث تكون القصائد متصلة بشكل مباشر بالبيئة التي يعيش فيها الشاعر, ويناقش الشاعر من خلال قصائده قضايا اجتماعية مستمدة من واقع المنطقة.
ويستخدم بعض الشعراء الشعبيين  القصائد الشعرية العامية “الشعبية” لنظم الفوازير والألغاز والتي تطرح خلال الجلسات, ويمتاز أصحاب هذه القصائد  بالذكاء والإلمام باللغة العربية ومفرداتها الغنية.
ويكون الهدف منها تنشيط المجالس وزيادة الوعي والإدراك وقدرة التحليل والتفسير لكلمات القصيدة، ويستهدف هذا النوع من القصائد جيل الشباب بشكل مباشر وذلك لتنمية مستوى الذكاء لديهم وقدرتهم على تحليل الأحاديث ولزيادة معرفتهم بلهجتهم ومعاني كلماتها وعادات وتقاليد المنطقة.
وينظم الشعر الشعبي بطرق مختلفة لا تختلف كثيراً عن الشعر الفصيح فمنها الشعر الموزون والشعر النثري, ويدخل في صياغة الشعر الشعبي أحرف غير موجودة في الأبجدية العربية، مثل  أبدال حرف القاف في معظم الكلمات أثناء القراءة أو اللفظ بحرف يشبه بلفظة حرف ال “g ” في اللغة الإنجليزية وأبدال حرف الكاف بحرف يشبه بلفظة “”ch في اللغة الإنجليزية أيضاً, وتسمى هذه اللهجة باللهجة “الكشكشية”، وهي لهجة عربية فصيحة كان يستخدمها أقوام في اليمن والجزيرة العربية, وتعتبر اللهجة الكشكشية الأكثر استعمالاً في المناطق الشرقية لسوريا.
أنواع الشعر الشعبي
الشعر العمودي
يتكون الشعر العمودي من نوعين منهما من ينظم بقافية واحدة تكون موحدة في جميع الأبيات، وأغلب أنواع القصيدة في الشعر العمودي تكون مبنية على أكثر من قافية، وهو النوع الأكثر انتشاراً حيث تكتب القصيدة بنظام الأشطر وكل شطرين بقافية مختلفة  وتكون قفلة الأبيات بنفس قافية الشطر الأول, ويعتبر هذا النوع من الشعر الاكثر استعمالاً في نسج الأغاني.
أما النوع الثاني فهو الشعر البدوي والذي ينظمه شعراء من البادية حيث يشبه إلى حدٍ كبير الشعر الذي ينظم في مناطق الخليج العربي,  يلتزم الشاعر في هذا النوع من القصيدة  بقافية الشطر الثاني من البيت.
ومن أنواع الشعر أيضاً الشعر الدارمي والذي أكتسب تسمية من المنطقة التي وجد بها أي المنطقة كثيرة الماء أو “دار المي” كما يسمى ومن أمثلته:
 منك زغير حلو وشلون لو شبيت    يابو الفصال الحلو وبحالنا شسويت
ويعتبر الشعر الدارمي من أكثر أنواع الشعر المستخدم للمساجلة بين الشعراء وذلك لعدم طولة حيث يتألف من شطرين فقط وبقافية موحدة، يستعمله الشعراء للرد على بعضهم في الجلسات الشعرية حيث ينظم الشاعر الأول بيت دارمي  ويرد عليه الشاعر الثاني ببيت أخر منطلقاً من الشطر الثاني في البيت , ويبقى الأمر على هذه الحال حتى تنتهي المساجلة.
أما النوع الرابع من القصيدة يسمى الأبوذية، ويتكون من أربعة أشطر تنتهي الأشطر الثلاث الأولى بنفس الكلمة لكن كلمة تحمل معنى مختلف في كل شطر, أما  الشطر الرابع ينتهي بالهاء والألف ومن أمثلته:
    علقم سنين عمري بس حبك أمرها
    ومنو اليقدر على الذكرى لوجائك أمرها
    مجبور أمشي الجدم ودارك أمرها
    وادريكم يالأحباب  رحلتوا عنها
وشعر الزهيري الذي يبنى على نظام يشبه الأبوذية،  ولكن الزهيري يتألف من سبعة أشطر تكون الأشطر الثلاث الأولى بنفس الكلمة وبمعاني مختلفة والأشطر الثلاثة الأخرى تنتهي أيضاً بنفس الكلمة، ولكن تختلف عن الكلمة التي قفلت بها الأشطر الثلاث السابقة أما الشطر السابع ينتهي  بكلمة مماثلة لقفلة الأبيات الثلاث الأولى.
           انت نويت الهجر وكل من مشى بسكتة
           تنطر عيوني الدرب ويرف الجفن سكتة
           بجفاك سعرت ناري وصاب القلب سكتة
           وأدريك ناسيني وما تسمع عتابي
           ولا أظن تجيني بيوم  ودايس عتابي
           ماهزني يوم الريح بس ريحك عتابي
          يناديك دوم القلب ومجبور اسكته
وهناك نوع سائد آخر من الشعر المغنى ويسمى العتابة، وهو يشبه الأبوذية  ولكن قفلة القصيدة تنتهي بحرفي ال ألف والباء وأشهر من تغنى به هو عبدالله الفاضل شيخ عشيرة الحسنة، حيث نظم مجموعة من القصائد التي تغنى بها باهلة وعشيرته وذلك في الحادثة الشهيرة التي حصلت معه عندما تركوه لوحدة  بعد إصابته بمرض الجدري  ومن أشعاره:
           هلي شالوا بليل وما هدوني
           وردت أرفج ضعنهم ما هدوني
           ترى فراق الحمولة ماهو دوني
           على اليفهم أمر من الصواب
وتوجه عبدالله الفاضل في هذه الأبيات معاتباً أهلة لأنهم رحلوا وتركوه لوحده, ومن هنا أتت تسمية العتابا بهذا الاسم.
ويوجد أنواع أخرى من الشعر المغنى مثل السويحلي، وهذا النوع من القصيدة يتغنى به العشاق وهو يعتبر أكثرها شجناً واحساساً.
والنايل الذي بدورة يعتبر أكثر أنواع الشعر سوداوية وحزناً حيث أكتسب تسميته من النيل أي الشيء شديد السواد.
وأخيراً المولية والتي غالباً ما تنظم قصيدته على البحر البسيط وتنشط بكثرة في مدينة الرقة.