تشير الكثير من القراءات التحليلية والآراء إلى قضية اسمها الشرق الأوسط الجديدة، مدلول هذه القراءات أن الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها الدول الأوروبية؛ تمكنت من رسم خارطة جديدة لبلدان الشرق الأوسط وقسمتها مسبقاً خلف الكواليس وحسبما تقتضي مصالحها والآن جاء دور التقسيم على الأرض!!
ونحن لا ننكر الرغبة الأمريكية في السيطرة والتوسع في المنطقة، لكن تعالوا نعود إلى الوراء قليلاً قبل أن تظهر أمريكا!
والسؤال هنا؛ هل كانت أمريكا موجودة عندما وقعت معركة البصرة سنة 871 م بين أنصار العباسيين والزنوج، أو كانت التحالفات الأوروبية هي التي أوقعت بين يزيد بن المعاوية والحسين بن علي سنة680م، المعركة التي راح ضحيتها30 ألف قتيل من الطرفين والتي زرعت الشتات بين أقوام المنطقة راح في جريرتها أضعافاً مضاعفة من معركة البصرة، وهي ليست المعركة الوحيدة بين أبناء المنطقة لكنها الأكثر دموية ونستطيع أن نلقي عليها سبب الحروب الأهلية في كل بلدان المنطقة. إن وقوع الحروب والصراعات بين دول الشرق الأوسط نفسه؛ إنما مرده إلى قدرة تحكم الأنظمة العالمية في فكر وذهنية مجتمعات الشرق الأوسط عبر التحكم بالأنظمة الحاكمة لدول وبلدان الشرق الأوسط، إضافة إلى خلق الأزمات والحروب فيها لتحقيق مصالحها والحفاظ على شرعية وجودها وتدخلها في شؤون الشرق الأوسط، ومن الأمثلة على سلطوية الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط الاحتلال العثماني سابقاً واليوم الاحتلال التركي وممارساتها بحق الشعوب وارتكابها المجازر مثل مجزرة الأرمن التي راح ضحيتها مئات الألوف، ولا تزال أحقاد تلك المجزرة تطفو إلى السطح حتى يومنا هذا، فمذابح الأرمن التي نفذتها الدولة العثمانية عام 1915 والتي لا يزال نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ينكرها ويتنصل من مسئولية الدولة العثمانية حيالها، لكنها لا تزال شاهدة في تاريخ الشعب الأرمني ولن تُمحى من الذاكرة أبداً، ويبقى التاريخ يُعيد نفسه فشعوب تصعد السلطة وأخرى تقع من مسرح الحاكم الطاغي، هذه الأنظمة التي حكمت المنطقة والتي لا تعترف بحقوق الآخرين أو تستغلها من خلال وشائجها وتضرب على أوتارها العاطفية لتلعب كما ترغب وتشاء.
فإن سعينا للبحث عن الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، فإننا لن نجد نظام حكم واحد يعتبر صاحب مشروع وطني يمكن إن يقود بموجبه شعوب المنطقة إلى بر الأمان، وحتى ما ظهر ويظهر في السنوات الأخيرة الماضية من مناهضات لحكومات واختلاق معارضات سياسية، وأخرى عسكرية هذه المعارضات أيضاً لم تقدم مشروعاً وطنياً، واحتكرت كل ذلك لتحقيق مآرب خاصة لها وارتباط بالأجندات الخارجية والأنظمة العالمية، وخير مثال ما يدور في سوريا منذ أكثر من سبع سنوات فالثورة التي كانت من المفترض أن تلبي طموحات الشعب السوري، ذهبت لتحقق مصالح وأجندات بعض الدول والشخصيات التي باعت كل شيء في سبيل الفوز ببعض المكاسب المادية، بحيث تم تجاهل كل الطوائف الموجودة في سوريا من كرد وعرب وشركس وأرمن وسريان وأشور، واختزلت خطاباتها في الحديث عن الطائفة السنية، أما باقي الطوائف فقد كان نصيبها بعض التصريحات الخجولة تحت مسمى “أقليات” دون النظر إلى كم هو عددها وتعدادها ولونها ولغتها الخاصة بها.
فالتقسيم أو مشروع الشرق الأوسط الكبير خططت له الأنظمة الكبرى العالمية وتنفذه الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط، وعمدت هذه الأنظمة إلى رسم سياسة التقسيم في أذهان شعوبهم باتهام الآخرين بالتقسيم وخير مثال الكرد حيث يتهمونهم بالسعي لتقسيم البلاد، كي يظهر الكردي كعدو للعربي.
إن الطريق إلى الشرق الأوسط الجديد لا بد أن تكون صياغته من قِبل أبناء الشرق الأوسط وشعوبها، وما يعانيه الشرق الأوسط في الحقيقة ليس خارطة الطريق التي ستقسم الشرق إلى دويلات صغيرة؛ لأن الشرق الأوسط يعاني من الشتات والبؤس الفكري، وبالنتيجة فأن الدولة المبنية على أساس خدمة عائلة أو طبقة معينة أو سلطة ما، هي نفسها تفتح الطريق لخلق طبقة تقف في وجهها، وهذه الأخيرة ستحاول بكل قوتها للخلاص من الحاكم الديكتاتوري المستبد.