الشباب هم نسغ الحياة، سرّ سحرها، منبع تدفّقها، وهم القوة الفاعلة والمحركة لكل ركودها، وحصان الرهان في سباق الأمم والشعوب نحو غدها، على صهواتهم تحمل الشعوب أثقالها لتجاوز المحن والصعاب، وبصهيلهم تشدو الأمم أنشودتها لِتُسْمِعَهُ لمن (في أذنه صممُ)، وبنواصيهم تُعقد الآمال، إنهم ديناميكية التدفق الذي لا يحدّه حد، ولا يسدّه سدّ (وإن كَرِهَ الكارهون).
كلّ الشعوب، في كل الأزمنة عندما ترسم لغدها تراهن على الشباب، وتمنحهم الدور المحوري لتحمّل المسؤوليات، وتجشم الأعباء، وعلى العكس فكلِّ الإبادات عندما ترسم في أقبية القَتَلَة والغُزاة تستهدف الشباب بصفتهم المِفصل الذي بالقضاء عليه يمكن القضاء على أمة كاملة، وبإخراجهم من حلبة السباق يمكن إخراج أمة كاملة من مسرح التاريخ، وتسجيلها ضمن وفيات الشعوب والأمم الغابرة، ودفنها أصولاً في سجلات التاريخ وتحويلها إلى (نَسْيٍ منسيٍ) وكأنه لم يكن.
إذاً والحال هذا فالبوصلة هم الشباب، إن عزموا على النهوض بالهمم خاضوا عباب الصعاب وركبوا أمواج المستحيل، وارتقَوا المراقي العالية لا ينال من عزيمتهم وَهَنٌ، لا يثنيهم عن دربهم عاثر، وإن عزم الغزاة على الإبادة استهدفوا الشباب، قتلاً وهتْكاً وتفكيكاً وتمييعاً، سلطوا عليهم السيوف وأغروهم بملذّات الحياة، فمن تحدّى وأبى كان القتل والتنكيل من نصيبه ومن ارتضى كان نصيبه الذل والخنوع.
في روج آفا ومنذ اللحظة الأولى لبدء الأزمة في سوريا، لاحت نُذُر الشر المستطير المحيق بشعبنا، ولاحت في أفق من سْمُّوا أنفسهم بالمعارضة مخاطر الإبادة التي ستستهدفنا في ديارنا، وكان الشباب هم السباقون في تنظيم أنفسهم تحسّباً لما يُدَّبَر لنا من مَكْرٍ خبيث، هذا المكر المُحَضَّر في جه زمهرير ريح الشمال وبمعية ثُلَّةٍ من أبناء الضلال الكردي مِمَّن ارتضَوا حياة الخُلْد البائس في جُحرهم، هؤلاء الذين ارتضوا السير في مواكب العدو، متسربلين ثوب القومية كَذِبَاً ورياء، لا همَّ لهم ولا دور سوى تثبيط العزائم وتشتيت الهمم، والقيام بدور الناصح المشجّع على القبول بحياة الذل، مقابل حفنة من فتات موائد العدو لا أكثر ولا أقل.
شباب روج آفا منذ عقد من الزمان، يقدمون القربان تلو القربان على مذبح حرية وكرامة شعبنا، يقتحمون الأهوال و(يلقون بأنفسهم في مهاوي الردى)، لا لشيء، فقط لكي ينالوا (حياة تُسِرُّ الصديق أو مماتاً يغيظ العِدَا)، وهم في كل محطة من محطات الدم والدموع في العشر العجاف التي مرت تحولوا لأوسمة على صدر الإنسانية، أوصلوا صوت شعبنا وصورته إلى أصقاع الأرض، مهروا تاريخ الإنسانية وشعوبها بمُهرهم المشرف، أصبحوا منارةً تُقْتَدى ومثلاً أعلى، أوحى إلى آلاف الشباب من مختلف أصقاع الأرض ومن كل شعوبها أن يقطعوا الأمصار والمسافات، (يأتون من كلِّ فجٍّ عميق) لينالوا شرف المشاركة في مقاومتهم البطولية ضدّ كلّ قوى الشر، إلّا تلك الثُّلَةَ الضالة من أبناء الجلدة ممن (تركوا الشقا لمن بقى) وغادروا البلاد منذ هبوب رياح الشمال، وتحولوا إلى مشعوذين دجّالين على منابر الكذب والتلفيق يكيلون السُبابَ لشبابنا، ويختارون مفردات شتائمهم من أقذع قواميس الشتائم دُنُوَّاً وانحطاطاً كانحطاط ما يدّعونه من سربال قومي كاذب.
في روج آفا، شبابنا معقد آمالنا، في حالكات الليالي هم العين التي بها نرى، وفي مضنيات الأيام هم الطاقة التي بها نستمر، وفي منعطفات الزمن وأهواله، هم الركيزة التي عليها نرتكز وبها نتوازن، ومعهم نُكمل مسيرة الدم والدموع حتى نصل إلى شطآن الحرية رغماً عن غربانٍ تحاول عبثاً أن تثنيهم عن عزمهم.