بعد قطيعة استمرت لأكثر من عقد بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان. استُقبل الرئيس المصري من قِبل أردوغان في أنقرة وذلك لإعادة العلاقات التي توترت بين الطرفين بعد أن وصف أردوغان السيسي بـ “الدكتاتور” و”القاتل” وقال “لن أتحاور أبداً معه”، فقد توترت العلاقات السياسية بين أنقرة والقاهرة إلا أن العلاقات الاقتصادية والتجارية كانت مستمرة بينهم ولم تتوقف أبداً، وفي هذه الزيارة حاول الطرفان التأسيس لمرحلة جديدة في مسار العلاقات بين البلدين.
مسؤولون أتراك صرّحوا أن هذه الزيارة تأتي رداً على زيارة رجب طيب أردوغان إلى مصر منتصف شباط الماضي؛ وهي الأولى من نوعها للسيسي إلى تركيا، وستكون لهذه الزيارة التي أبدى الإعلام التركي اهتماماً واسعاً لها، وفرد لها مساحة كبيرة في نشراته وبرامجه، تداعيات على المنطقة العربية مستقبلاً. خاصةً إن الزيارة تمحورت حول التنسيق حول غزة والتعاون الاقتصادي والدفاعي، بالإضافة إلى الحديث في ملف الأزمة السوريّة التي كان لأردوغان دور تخريبي فيها ويحاول اليوم إصلاح ما أفسده من علاقات مع دمشق مرة أخرى.
يحاول أردوغان من خلال هذه الزيارة تحسين العلاقات في العديد من الملفات المتشابكة بين الطرفين ومنه الملف الليبي الذي يُعدُّ من أصعب الملفات بين تركيا والقاهرة في الوقت الحالي؛ لأن ليبيا امتداد للأمن القومي المصري، وإرسال تركيا للمرتزقة إليها يفاقم التصعيد بين الفرقاء الليبيين ويخلق المزيد من الفوضى هناك، ذلك بالإضافة إلى تقديم النظام التركي الدعم للجماعات الإرهابية التابعة للإخوان التي يُشكّل نشاطها تحديّاً كبيراً بالنسبة للقاهرة
من جهة أخرى يسعى أردوغان إلى عقد اتفاقات اقتصادية وصفقات تجارية مُربِحة؛ بهدف الحصول على مكاسب اقتصادية كبيرة، وانتهاج سياسة استعمارية في العديد من الدول العربية ومن بينها مصر، لذا يحاول اليوم تحقيق مكاسب جديدة في المنطقة وهذه المرة من بوابة مصر التي تُدرِك مدى خطورة مساعي أردوغان في المنطقة من خلال دعمه الإخوان الذين يُشكلون هاجساً كبيراً بالنسبة لمصر، وورقة مهمة بالنسبة لأردوغان في هذه المرحلة التي يشهد فيها اقتصاد بلاده تدهوراً كبيراً في العديد من القطاعات، فهو مستعد في كافة الأوقات أن يتاجر بهم ويتخلى عنهم إذا تطلبت مصالحه ذلك .
بالطبع، عودة العلاقات بين الطرفين ليس بالأمر السهل على الأقل في الوقت الحالي، والطريق ليس مفتوحاً على مصراعيه كما يقال، فقد صرّح أردوغان بأن تركيا ترغب في توطيد العلاقات مع مصر في قطاعي الغاز الطبيعي والطاقة النووية والعديد من القطاعات الأخرى التي تخدم تركيا بالدرجة الأولى. كما أن أردوغان يسعى من خلال علاقات بلاده مع مصر استعادة هيبتها وبسط سيطرتها على مساحة أكبر في المنطقة.
بالمقابل يحاول السيسي من خلال هذه العلاقات وقف دعم التيار الإخواني في الداخل المصري ووضع حداً لتحركاتهم ومحاولاتهم التي تستهدف أمن مصر القومي، وهو ما دفع بالسيسي إلى غض الطرف عن الاتهامات التي وجهها له أردوغان بعد أن وصفه بالدكتاتور والقاتل؛ ليقوم خلال زيارته الأخيرة هذه بمصافحة أردوغان، وكأن شيئاً لم يكن سواءً من قبل الواصف أو الموصوف، وليس ذلك حباً أو مودَّةً وإنما تغليب للمصالح على المبادئ في السياسة.