إن السرد الروائي النسوي هو ما تكتبه المرأة من أدب روائي، وقصصي، تعالج فيه قضايا مختلفة، بتنويعات متباينة، ربما يكون التركيز فيها على ذات المرأة الساردة أو الشخصية، باعتبارهما قيمتان اجتماعيتان، لهما خصوصية وهموم واحدة، ومشتركة، وتقاطعات عديدة مع مجتمع شرقي؛ يتصف في الكثير من جوانبه بالمحافظة من الناحية الاجتماعية، كنتيجة لتأثير الكثير من الأشياء في حياته.
فالسردية كانت شكل من أشكال الهيمنة الذكورية، ويجب أن تكون حافزاً لقلم المرأة لتتجاوز عقبات السرد الذكوري، وهيمنته، مانحة للعواطف والمشاعر أن تجد طريقها بشكل أكثر وأوسع في الإبداع الحقيقي بما تطرحه المرأة من أفكار ورؤى، تعبّر عن واقعها المعاش، ومعاناتها الحياتية، في مجال السرد الأدبي، وتعدى ذلك إلى تطوير أساليب السرد ذاته، والتفوق في ذلك في أحيان كثيرة.
وقد واجهت المرأة – ولا زالت- في تجربتها الإبداعية عراقيل عديدة، فرضت عليها وصاية في مجال التعبير الأدبي، وهنا لم تتجاسر الكتابة النسائية على التعبير عن الذات، أو الجهر بالخصوصية الأنثوية، فلجأت الكاتبات إلى الأسماء المستعارة، وكانت تكتب في غياب الذات، فالسرد النسائي مرّ – كما مرّت المرأة في نضالها من أجل الدفاع عن حقوقها – بمراحل تدريجية متعددة ومتنامية، لترتقي إلى الإبداع والخلق الفني والجمالي بلغة سردية حيّة، فقد حاولت الخروج من سيطرة الرقيب المتمثلة بالتابوهات الثلاث السياسة والجنس والدين، وأن تعبّر في الوقت ذاته عما تريده؛ دون مواجهة مباشرة معه أحياناً، فالسرد النسوي، يقف في مواجهة موروثات وتراكمات اجتماعية، ثقافية وحضارية.
ومن الظواهر التكرارية في السرد النسوي التركيز على العنف؛ باعتباره أحد ركائز الثقافة الأبوية، منها القهر الجسدي المفرط للأنثى، وقد تسلل العنف إلى السرد من فكرة التنميط الجنسي القائمة على التمايز الثقافي بين الذكور والإناث، بما في ذلك توهّم الفوارق العقلية، والحسية، والعاطفية، وكأن الذكورة في تعارض مطلق مع الأنوثة، فالتحرر من القيود الجنسية يُعدُّ قضية مهمة من بين القضايا التي تتحدى لها المرأة، ومن خصائصه الحبكة المتقنة، وبناء الشخصية، والتدفّق اللغوي، وتوسّع دائرة كتابة السيرة الذاتية.
واستطاعت الكتابة النسائية في خضم مرحلة ما بعد الحداثية أن تحقق حضوراً مشرقاً؛ أتاحت للمرأة التعبير عن الذات المؤنثة، وعن وجودها، وعلاقتها بالآخر، والمشاركة الفعلية في تنمية المجتمع وتطويره، وأعادت الكاتبة صياغة صوتها بتمثيلات أدبية، ذات صور ونماذج أنثوية تعكس ثقافة منفتحة لا تؤمن بالحدود المرسومة لها، ولا تتحدد بالمعايير التي تحدّها أو تقمعها، وأظهرت قدرة فائقة على تتبع القضايا الكبرى لبلدها؛ لتخطّ لها طريقاً واضحاً، وتتحدى كل الصعاب، وتساهم في بلورتها، كما برعت في تحليل أوضاع أوطانهن، والتحوّلات التي تطرأ في كافة نواحي الحياة، فكرياً وثقافياً وسياسياً واجتماعاً، وعبّرت عن وجهة نظر تتبنى رؤية نسوية للعالم في فكّ أغلال الأعراف الأدبية الذكورية التي تقيّد اللغة والسرد والذات؛ من أجل الانطلاق، وبناء الخصوصية المميزة للكتابة عند المرأة.