ظهرت الثورة الزراعية منذ أكثر من 5000 عام لتأمين عملية إنتاج الغذاء للبشر، وخلق نوع من الاستقرار من خلال ارتباط الأفراد بأرضهم وزيادة روح التعاون والتشارك بينهم، وارتبطت الزراعة بشكل كبير بتطور أشكال الحياة عند الأفراد، حيث تطورت حياتهم من التنقل والاعتماد على الصيد، وجمع النباتات البرية لتأمين احتياجاتهم من الغذاء إلى حياة الاستقرار والأسرة والتشارك.
ترتبط المرأة منذ القديم بشكل وثيق بأرضها بسبب أطفالها فهي دوماً تلجأ لتأمين مكان آمن لهم، لذا فهي كانت السبّاقة لاكتشاف الزراعة لتأمين احتياجات أسرتها من الطعام بدلاً من التنقل المستمر، وبقيت هي الأوفى للأرض الخصبة التي تشبهها بالعطاء، فبحسب دراسات ظهرت مؤخراً تؤكد بأنه على الصعيد العالمي، تعمل امرأة واحدة من بين كل ثلاث نساء في الزراعة، وهذا له أسباب عدة منها؛ حب المرأة وتعلقها بالأرض التي تعطيها الشعور بالأمان والاستقرار، وهذا يؤثر إيجاباً على المجتمعات، فبعد النزاعات والحروب الدائرة في العالم وتغير وتلوث المناخ بسبب المواد الكيماوية وعوادم المصانع والسيارات، تعتبر الزراعة فرصة كبيرة لإنقاذ هذا الكوكب من كل هذا التلوث، ناهيك عن أهميتها الأساسية وهي تأمين الغذاء، ولكن الكثير من البلدان لا زالت بعيدة عن الوعي بأهمية الزراعة الكبيرة.
في شمال وشرق سوريا ابتعد المجتمع ككل عن الزراعة مؤخراً والمرأة بشكل خاص، حيث ترك الكثير من أهالي الريف قراهم ولجأوا إلى المدن لأسباب مختلفة، وهذا تسبّب بشكل كبير بتراجع الزراعة في مناطقنا، ولكن في الوقت الراهن وبعد الأزمة الاقتصادية التي باتت سوريا تعانيها بشكل كبير بعد انهيار الليرة السورية بسبب قانون قيصر المفروض عليها، وقبلها بسبب الحرب الدائرة على أرضها منذ سنوات، لذا لا بد من صب جل اهتمامنا على الاقتصاد المحلي، من خلال الزراعة التي تعتبر ذات أهمية بالغة في تأمين الكثير من احتياجات المواطنين وتحارب الجوع والفقر والبطالة، وبالرغم من أنه بعد ثورة روج آفا والشمال السوري وبعد تأسيس الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال سوريا ظهرت بوادر كثيرة تشجع على الزراعة، وحاولت الجهات المعنية جاهدةً أن تعيد للمرأة أمجاد ثورتها الزراعة التي اكتشفتها منذ آلاف السنين، حيث بدأن من قرية “جن وار” بتشجيع النساء على تأمين احتياجاتهن من الخضار من خلال الزراعة، وكذلك قامت المرأة في هذه المناطق بإنشاء مشاريعها الزراعية الخاصة لتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجتمعها، ولكن هذه الخطوات ما زالت صغيرة ولم تصل للمستوى المطلوب للاعتماد عليها كإنتاج محلي كافٍ، لذا يجب على النساء في شمال وشرق سوريا أن يُحسّنَ من حضورهن في القطاع الزراعي ولا يتوقفن عند حد الزراعة فقط بل يصبحن كقوة معترفة في نظام السوق من خلال اعتمادهن على ذاتهن في بيع مزروعاتهن، وتأسيس مشاريعهن الخاصة من معامل ومخازن لصناعة المُربيات وغيرها من الأطعمة من الإنتاج الفائض، وبذلك سيقل الاعتماد على الخدمات الغذائية الخارجية وتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه الناحية، كما يتوجب على الجهات المعنية أن تدعم النساء في هذه الخطوات بشكل كبير وذلك بتقديم كل الخدمات الحيوية من الآلات والبذار لهن.. وتوفير كل ما يلزم لإظهار دور المرأة الهام في هذا القطاع الهام.