روناهي / قامشلو ـ التعامل بعنصرية في العالم لاختلاف اللون والدين والقومية والبشرة موجود وبكثرة، ولعل بعض الدول التي تنادي بحقوق الإنسان وحفظ الحريات هي من تظهر لديها هذه الحالات ومنها أمريكا، ودائماً الكثير من الرياضيين يقفون ضد هذه الممارسات بأساليب وطرق مختلفة.
في عالم الرياضة أكثر أنواع العنصرية هي ضد اللون والبشرة ومن يتعرضون لها هم أصحاب البشرة السمراء، والحالات والتجاوزات كثيرة منذ زمن بعيد، ورغم الخروج بعقوبات ضد من يرتكب هذه المخالفات إلا أنها مستمرة حتى الآن.
في أمريكا وبتاريخ 25 أيار الماضي قُتل جورج فلويد وهو رجل أسود على يد رجل شرطة أبيض بطريقة لا إنسانية، وهذه الحادثة أثارت موجة غضب واحتجاجات داخل وخارج الولايات المتحدة.
ووجّه وقتها الكثير من الرياضيين رسائل بطرق وأساليب مختلفة تندد بالقتل والتعامل بعنصرية مع الآخرين، ومجدداً تكررت الرسالة مع استئناف دوري السلة الأمريكي للمحترفين.
“حياة السود مهمة” بهذا الشعار ناهضوا التمييز في أمريكا
وأحنى لاعبو يوتا جاز ونيو أورليانز بليكانز، رؤوسهم وجثوا على ركبهم خلال عزف السلام الوطني، وارتدوا قمصاناً حملت شعار “حياة السود مهمة”، في أول مباراة في استئناف دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين الذي توقف منذ آذار بسبب جائحة فيروس كورونا.
وانضم المدربون والحكام إلى اللاعبين وجثوا على ركبهم، احتجاجاً ضد التمييز العنصري وعنف الشرطة في أول مباراة بعد توقف 140 يوماً.
وكُتب شعار “حياة السود مهمة” على أرض الملعب في منتجع ديزني وورلد، الذي يستضيف ما تبقى من مباريات البطولة بمشاركة 22 فريقاً.
وتضامن الرياضيون حول العالم ضد التمييز العنصري، بعد الاحتجاجات التي اندلعت عقب مقتل جورج فلويد، بينما كان في عهدة شرطة مينابوليس في أيار المنصرم.
قصة حزينة مرَّ عليها عقود من الزمان ولم تُنسَ
في الأول من شهر تموز الماضي بدأت حملة في بريطانيا لإقامة تمثال للاعب كرة قدم استبعده المسؤولون من الانضمام لمنتخب إنكلترا عندما اكتشفوا أنه أسود البشرة.
وكان يمكن أن يكون جاك ليزلي – الذي رُشح في عام 1925 للانضمام إلى المنتخب أول لاعب أسود يلعب في منتخب إنكلترا، قبل فيف أندرسون بـ 53 عاماً.
وعندما توفي ليزلي في عام 1988، وهو في الـ88 من عمره، كان هناك كثير من اللاعبين السود في مستويات عُليا في كرة القدم.
وكان ليزلي رياضياً موهوباً، وبدأ اللعب لنادي باركينغ، حيث جذب سجله الكبير في تسجيل الأهداف انتباه نادي بليموث أرغيل، الذي كان من أندية الدرجة الثالثة.
وفي عام 1925، دعا مدرب نادي بليموث أرغيل، بوب جاك، هدافه النجم ليزلي إلى مكتبه، ونقل إليه أخباراً مثيرة، فقد رشحه ليلعب في المنتخب الإنكليزي أمام إيرلندا.
وكان هذا إنجازاً كبيراً بالنسبة إلى اللاعب، وتشريفاً لنادي بليموث، أحد أندية الدرجة الثالثة.
وكان اختياره حديث النادي والبلدة، ولكن بعد أيام، وعندما نشرت الصحف أسماء أعضاء الفريق، الذي كان في صدارته بيلي ووكر، من نادي أستون فيلا، ورد اسم ليزلي باعتباره احتياطياً. ولم يسافر ليزلي مع الفريق الإنكليزي إلى بلفاست.
وبينما كافح الفريق الإنكليزي وقتها ليحصل على التعادل صفر- صفر، سجل ليزلي مع ناديه بليموث مرتين في مباراته مع بورنموث الذي خسر المباراة 7-2.
وقالت حفيدته واسمها ليزلي هيسكوت: “أعتقد أن المدرب أرسل طلبه قائلاً: لدي لاعب مُبهر هنا، يجب أن يلعب لإنكلترا”.
وتتابع: “ثم جاء شخص إلى النادي ليراه. فلم يكن المسؤولون يراقبون لعبه، بل كانوا ينظرون إلى لون بشرته. ولهذا السبب حُرِم من فرصة اللعب لبلده”.
وأشار جاك ليزلي نفسه فيما بعد إلى ذلك قائلاً: “إنهم عندما اكتشفوا أني أسود لابد أنهم شعروا وكأنهم اكتشفوا أني أجنبي”.
وتقبل جاك ليزلي ما حدث، بحسب ما قالته حفيدتاه ولم يعبّر أبداً عن أي شعور بالمرارة.
وعلى الرغم من مساعدته نادي بليموث في إيصاله إلى صدارة الأندية الأربعة في الدرجة الثانية، وتوليه قيادة فريق النادي، وتسجيله في موسم (1931-1932) 21 هدفاً في 43 مباراة، فلم يحظَ ليزلي أبداً باللعب لإنكلترا.
وقد كرم نادي بليموث أرغيل ليزلي بوضع صورة جدارية زيتية له، وإطلاق اسمه على غرفة مجلس النادي.
محاولة الإنصاف رغم موته منذ أكثر من عقدين من الزمن
في مطلع شهر تموز الماضي شرعت مجموعة من المشجعين في بدء حملة لإنشاء تمثال له، ويقول أحد مؤسسي الحملة: “في الوقت الذي تسقط فيه بعض التماثيل، نريد إقامة واحد لجاك ليزلي، إحياء لإنجازاته المبهرة، وحتى نتذكر الظلم الذي عاناه”.
ويقول رئيس نادي بليموث، سايمون هاليت لبي بي سي: “أيدَ مشجعونا فكرة إقامة تمثال له وشاركوا في التبرعات. وفي هذا إعلان بانضمامهم إلى مكافحة العنصرية في كرة القدم”.
وأضاف: “التاريخ يكتبه الفائزون من خلال انتصاراتهم، وأعتقد أننا الآن نحاول الاهتمام أكثر بضحايا هذه الانتصارات”.
ويقول بيل هيرن، المؤلف المشارك لكتاب عن الرواد السود في كرة القدم: “كان يجب أن يكون جاك ليزلي شخصية كبيرة في تاريخ كرة القدم الإنكليزية والمجتمع”.
وأضاف: “كل واحد منا بحاجة إلى نموذج، ولم يكن هناك نموذج للاعبي كرة القدم السود الشباب، لا في الثلاثينيات، ولا الأربعينيات، ولا الخمسينيات”.
ويقول: “لو أن ليزلي قد لعب لإنكلترا، كما كان ينبغي، لكان ألهب طموح أجيال من شباب اللاعبين السود”.
وانتهى مشوار ليزلي الكروي بعد إصابته عندما طار رباط من جلد كرة في عينه وأصابها.
وعاد هو وأسرته إلى شرق لندن، وواصل هو مهنته كصانع لغلايات الماء.
وبعد تقاعده، طلبت منه زوجته، لافينيا، أن يذهب إلى نادي ويستهام ويسألهم إن كان هناك عمل له. وهناك التقى بمدرب النادي، رون غرينوود، الذي عرفه على الفور، وتذكره باعتباره لاعباً كبيراً.
كان ليزلي يمسح الطين عن أحذية نجوم كرة القدم في إنكلترا. وعرض عليه غرينوود وظيفة في غرفة الأحذية، حيث كان يمسح الطين عن أحذية نجوم كرة القدم في إنكلترا، مثل بوبي مور، وجيف هيرست، ومارتن بيترز، وتريفر بروكينغ.
ولسخرية القدر في قصة حياة ليزلي، كتب عليه أن ينظف أيضاً حذاء مهاجم ويستهام الأسود، كلايد بيست، الذي كان خلال الستينيات والسبعينيات لايزال واحداً من بين عدد قليل من اللاعبين السود، الذين يتصدرون أندية كرة القدم الإنكليزية.
وأحب ليزلي العمل، لأنه كان يحاط بلاعبي كرة القدم، ولكن العمل ذاته لم يكن مناسباً لشخص مثله، كان ينبغي أن يحتل مكاناً متميزاً في تاريخ كرة القدم.
قوانين صارمة من الفيفا هل تأتي أكُلُها ؟؟؟
وأصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” في العام 2019 مجموعة من القوانين الجديدة لحفظ حقوق اللاعبين مع أنديتهم خلال السنوات المقبلة، وشدد على عقوبات مكافحة العنصرية في ملاعب كرة القدم.
ويقدم “فيفا” بحسب ما وصف عبر موقعه الرسمي على الإنترنت أسلوب جديد ومبتكر للحد من تلك الظواهر التي قد تؤثر على تطور كرة القدم في المستقبل.
وأشار الموقع في وقتها إلى أن بعد 15عاماً بدون أي تغيير في قوانين لجنة الانضباط والتأديب، هناك رؤية جديدة يريد الاتحاد الدولي تطبيقها.
وقام “فيفا” ببعض التغييرات في ملف العنصرية والتمييز، لمكافحة ما يتعرض له الرياضيين وهو تعدٍ صارخ على حقوق الإنسان.
وبالتعاون مع شبكة “Fare”، تم الاتفاق على مبدأ عدم التسامح مطلقاً مع مظاهر العنصرية وأي شكل من أشكال التمييز بما يتماشى مع بيان “جياني إنفانتينو” رئيس “فيفا” وكان مفاده أن التمييز ليس له مكان في كرة القدم.
وسلط الاتحاد الدولي الضوء على أربع نقاط مهمة يجب الاهتمام بها في هذا الصدد:
1- اتساع نطاق رؤية “فيفا” المناهضة للعنصرية والتمييز لتتماشى مع أعلى المعايير الدولية، بما في ذلك مقاضاة أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني أو القومي أو الاجتماعي أو الجنس أو الإعاقة أو الميول الجنسية أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو الثروة أو مكان الميلاد أو أي وضع آخر أو لأي سبب آخر.
2- القاعدة العامة، في حالة إيقاف المباراة من قبل الحكم بسبب تعرض أحد الأشخاص للهجوم العنصري والتمييز وفقاً للمعايير المعروفة دولياً تلغى المباراة تلقائياً.
3- فيما يتعلق بمرتكبي الجرائم في حوادث عنصرية أو تمييزية، فإن خطة “فيفا” هي وجود دروس تثقيفية لهم من أجل مكافحة التمييز في عالم كرة القدم.
4- كما يجوز للجنة الانضباط والتأديب التابعة للفيفا أن تسمح للضحية المعرضة للعنصرية والتمييز بالإداء ببيان رسمي ومساندتهم للخروج من المحنة التي يعيشون فيها.
أن مواجهة العنصرية في عالم الرياضة وخاصةً كرة القدم أمر هام جداً ورأينا قصة اللاعب ذو البشرة السوداء في إنكلترا وماذا حل به، وفي سوريا وفي نادي الجهاد على وجه التحديد عانى الكثير من اللاعبين الكرد العنصرية في التعامل معهم وذلك بسبب انتمائهم القومي، وابتعدوا عن عالم المستديرة ودُمر مستقبلهم الرياضي، بسبب عقليات بعض الإداريين والمدربين وقتها، والآن وبعد ثورة روج آفا الأحوال تغيرت، ولكن عنصرية الاتحاد “العربي” السوري في التعامل مع مناطق الإدارة الذاتية مستمرة وتعاديها في الكثير من النقاط، وعلى وجه الخصوص أبناء الكرد، وحتى أنها اعتقلت لاعبين من نادي الجهاد في العام 2016 بداعي خدمة الاحتياط واستهدفت لاعبين معنيين، وكان لبعض الإداريين ضمن النادي يد في الموضوع.
ويبدو إن العالم مازال يلزمه الكثير وخاصةً الرياضي، للتخلص من العقلية العنصرية والتي لا تتقبل الآخر بسبب عرقه ودينه ولون بشرته، بالرغم من صدور قرارات من الفيفا نفسها ولكنها لم تساعد كثيراً في الحد من التجاوزات حتى الآن، وخاصةً الأفعال المنافية للأخلاق ضد من يحملون البشرة السوداء بالتحديد.