No Result
View All Result
المشاهدات 0
تقرير/ فيروشاه أحمد –
بات من الواضح بأن تركيا تعيش حالة تخبط في سياساتها الخارجية، سواء مع القوى الإقليمية أو الدولية، ومنذ تدخلها في الأزمة السورية لم تستقر على منهج سياسي ودبلوماسي بقدر؛ ما تُلوح بالعصا الغليظة لقوات سوريا الديمقراطية التي قامت مع التحالف بمحاربة وطرد القوى الإرهابية من شمال وشرق سوريا.
تركيا الآن تمارس رعونة سياسية تفتقد لأبسط مفاهيم قواعد اللعبة السياسية وحتى العسكرية، ولا تختلف سياسة أردوغان الآن عن السياسات التركية القديمة منذ مئات السنين وحتى الآن، بل دائماً تطرح نفسها من خلال القوة العسكرية فقط، ونتيجة ذلك لاقت هزائم كثيرة كان آخرها في الحرب العالمية الثانية، وقتها خسرت كل الرهانات وأصبحت كالرجل المريض تقاسمت دول التحالف كل إمبراطوريتيها.
كأن أردوغان لم يقرأ التاريخ كي يستوعب الحاضر، فهو ينتقل من تحالف إلى تحالف، ومن اتفاقات إلى أخرى، وجل اهتمامه ألا يقوم في شمال وشرق سوريا إدارة ذاتية لا مركزية تعيش فيها كل المكونات في ظل دستور يضمن للكل حق العيش الكريم.
لعبة المقايضات وعبئ الاستحقاقات
حين لجأت تركيا مع الدول الضامنة إلى تأجيل الهجوم على إدلب كي تحافظ على مرتزقتها هناك، سارعت وبكل قوة إلى دعمها للمرتزقة ولا سيما مرتزقة داعش في شرق دير الزور كي تحارب قوات سوريا الديمقراطية، وهي أيضاً كقوة عسكرية ومن خلال الحرب الخاصة عملت على زعزعة الأمن في شمال وشرق سوريا، وأطلقت صواريخها على المدنيين العزل في كوباني وغيرها من المدن، بل طالت نيرانها الأطفال والصحفيين.
لا يمكن لتركيا أن تلعب بهذا الشكل لو لم تتوافق بمقايضات سياسية واقتصادية مع الدول الكبرى، أو أن هذه الدول تحاول أن تدفع بتركيا بالغرق في المستنقع السوري، حينها يمكن لهذه الدول أن تراهن على استحقاقات جديدة مع تركيا وما أكثرها، كل الرهانات مفتوحة أمام هذه الدول كي تبتز تركيا وتعقد معها صفقات اقتصادية، وقد لا تكترث أنقرة بزعزعة وضعف اقتصادها بقدر ما تحاول الارتماء في حضن واشنطن وموسكو، كي تسمحا لها بالتدخل العسكري في شمال وشرق سوريا بداعي الحفاظ على أمنها القومي.
قد تكون قمة هلسنكي الأخيرة بين بوتين وترامب بداية لخرق التفاهمات بين الطرفين، فالروس يحاولون أن تنسحب أمريكا من اقصى الشمال الشرقي من سوريا مع العراق مقابل أن تقلل موسكو من التواجد الإيراني في سوريا. لكن؛ المشهد بات أكثر حدة حين أبقت واشنطن على قواتها، بل رسخت تواجدها بشكل أكبر من خلال بناء قواعد عسكرية في أماكن مختلفة في سوريا، هذا ما دفع بوتين إلى أن يعزز علاقاته مع أردوغان كي يبعد تركيا من الناتو، ولإتاحة الفرصة لها لضرب قوات سوريا الديمقراطية، حتى تصبح مخططات أمريكا غير متوازنة ولو لفترة مؤقتة.
من جانب آخر؛ تعمل روسيا وأمريكا من خلال خلق هذه الفوضى والحروب كي تعرض أسلحتها المتراكمة للبيع في المنطقة، مؤخراً نشرت روسيا منصات لصواريخ إس 300، هذا قد يعيد للذاكرة الحرب الباردة بين الدولتين قبل انهيار الاتحاد السوفيتي، من خلال هذه المعادلة قد تسمح كل من روسيا وأمريكا للدول الاقليمية بالتدخل في الشؤون الداخلية وبالطرق العسكرية في أغلب بلدان المنطقة، وتدخل تركيا العسكري الأخير في الشمال السوري جاء من خلال هذه التناقضات والمقايضات كي تحصل على استحقاقات جديدة.
لعبة الطباشير القوقازية
من خلال ما تقدم؛ تبقى تركيا ذاك الطفل المترنح في وسط دائرة ضيقة لا يدري أين يرتمي ومن يختار، فروسيا تشدها كي تحارب به استراتيجيات أمريكا؛ وهي في الوقت نفسه؛ تعتمد على المرتزقة وداعش كي يُعلِنا الحرب على قوات سوريا الديمقراطية، وعندما لا تُجدي محاولات المرتزقة نفعاً، تبادر هي وبكل رعونتها السياسية والاقتصادية والعسكرية لتعلن الحرب على المنطقة وكل مكوناتها، في السياق ذاته وفي الطرف الآخر من الدائرة تشدها أمريكا كي تجعلها عصاً في عجلات الاستراتيجية الروسية، وتلتفت واشنطن لعدوتها التقليدية إيران بخطاب فيه دعوة للحوار أو تقاسم النفوذ في الجنوب السوري.
هذه الدائرة المرسومة من “طباشير” متعددة الألوان ومن كل الدول المتصارعة على سوريا هي لتفتيت المكونات السورية وضرب وحدتها العسكرية المتمثلة بقوات سوريا الديمقراطية، ولم يكن اختيار تركيا من قبل واشنطن وروسيا صدفة عابرة بقدر ما هي قراءة دقيقة لتاريخ المنطقة؛ وتحديداً بعد اتفاقية سايكس بيكو 1916، لأن تركيا وعبر الحكومات المتعاقبة في ظل الجمهورية الطورانية تعمد على محاربة وإفشال كل مشروع ديمقراطي تجتمع فيه كل الشعوب والمكونات على مبادئ العيش المشترك.
لقاء ترامب وبوتين وتقاسم النفوذ
كلما اشتدت حدة الصراع بين القطبين في وضع حلول للأزمة السورية يلجؤون إلى لقاءات جديدة كي يرسموا خارطة طريق أخرى للحل وتبقى استراتيجياتهم ثابتة بتقاسم نفوذهما في سوريا، قمة هلسنكي أفرزت تباينات وخلافات بينهما أكثر مما لوحت به في الأفق تفاهمات حول إنهاء الحرب، قد لا تختلف قمة باريس عن هلسنكي اللَهمَ إلا إذا توصلا إلى تفاهمات بتثبيت مناطق النفوذ لهما، ولا يمكن أن يُعلنا عن أي تفاهم بغياب حصص الدول الإقليمية، ويبقى المشهد الأكثر أهمية في المنظور البعيد هو شمال وشرق سوريا.
من جهة أخرى؛ يرى بعض المراقبين بأن هذا اللقاء ربما لا يتناول الملف السوري، بل إحياء العلاقات التجارية بين واشنطن والدول الأوروبية كي لا يستغل بوتين هذا الجفاء بين الطرفين، ومن القضايا المُلحة أيضاً لدى الرئيسين عرض بوتين على ترامب صفقة يمكن من خلالها إجبار إيران على الانسحاب من سوريا، لكن المسؤولون في طهران يسخرون من انسحابهم من سوريا، وقد علق حسن سلامي نائب القائد العام لحرس الثورة الإسلامية على هذه الصفقة بأن ليس لديهم أي خطة للبقاء في سوريا على المدى البعيد، وتبقى المخاوف الأوروبية من سياسات ترامب إذا ما منح لبوتين خلال هذا اللقاء الشرعية لسياساته الخارجية العدوانية.
خلط الأوراق والضياع التركي
في كل مرحلة من الأزمة السورية تفقد تركيا هيمنتها عل المنطقة ومن خلال هذا الفقدان تخسر كل أوراق اللعبة، لهذا ومن خلال هذا العجز تلجأ إلى استخدام القوة العسكرية في مناطق شمال وشرق سوريا، فكان احتلالها لعفرين في بداية 2018، والآن تحاول استجرار المنطقة إلى حرب أخرى، ودائماً تلجأ إلى خلط الأوراق مع الدول الإقليمية والدولية كي تكسب شرعية مُزيفة بتدخلها في الشمال السوري.
كان اللقاء الرباعي في اسطنبول (ألمانيا، فرنسا، روسيا، وتركيا) قبل فترة وجيزة، ورغم تأكيد البيان الختامي لهذا اللقاء على تحقيق الأمن والاستقرار بما فيه الحل السياسي الشامل ليضمن حقوق كل السوريين، إلا إن تركيا جعلت القمة بمثابة ذريعة لها لترمي بصواريخها نحو كوباني والمدنيين فيها، وهي رسائل واضحة لقوات سوريا الديمقراطية التي تصدت وحاربت مرتزقة أردوغان (داعش ) وقد قصفت غيرها من البلدات في الشمال السوري، هذه الحرب المجنونة التي يتهيأ لها أردوغان تأكيد على فشله في إدلب، وفشل علاقات تركيا مع واشنطن وروسيا، وتأجيل مناقشة وضع عفرين في ظل الاحتلال التركي وما يتعرض له الأهالي من الظلم والقتل والسلب والنهب.
المضحك المبكي في سياسة ترامب والإدارة الأمريكية أنها أعلنت بأنها قلقة بخصوص هذا التوتر، وكأنها لا تشترك مع قوات سوريا الديمقراطية في التحالف لمحاربة داعش، وتتجاهل تماماً دعم تركيا الكامل لداعش، فعمدت إلى تهدئة الأحول ريثما يلتقي ببوتين بعد أقل من أسبوع، ما يمكن القول بأن أمريكا تحاول دائماً العمل مع كل الفرقاء وفق معايير مزدوجة، فلا هي تسمح لتركيا بالتوغل في الشمال السوري؛ ولا تريد أن توقف هذه الرعونة والاستفزازات، بل تعمل على بناء تفاهمات مؤقتة إزاء ترتيبات جديدة لهذه المنطقة.
من جانب آخر؛ تحاول واشنطن أن تكسب قوات سوريا الديمقراطية كحليف دائم لها لمحاربة الإرهاب وتحافظ على تركيا كفريق دائم في الناتو، في السياق ذاته؛ يرى المراقبون بأن دمشق وموسكو أبدتا ارتياحهما حيال هذه الأفعال العسكرية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية كي تضغطا على مجلس سوريا الديمقراطي باستكمال الحوار مع دمشق، ومن هذا التعاون تعمل موسكو على تعزيز موقفها وهيمنتها في الساحل السوري.
ما يمكن أن يطرأ؟؟
قوات سوريا الديمقراطية التي تضم مختلف المكونات السورية باتت الآن قوة ضاربة في شمال وشرق سوريا، وهي التي وفرت مناخاً آمناً لهذه المنطقة كي تعيش بسلام، وهي ليست ذراع لأي قوى إقليمية أو دولية بقدر ما تعمل وفق مشروعها الديمقراطي المتمثل بالإدارة الذاتية لهذه المنطقة، من هذا المنطلق أعلنت قيادة قوات سوريا الديمقراطية عقب الهجمات العسكرية التركية الأخيرة، بأن هجمات تركيا على الشمال السوري ستُطيل عمر المرتزقة وتخفف الضغط عليهم، وتُطيل عمر معركة دحر الإرهاب، بينما اُختِصر موقف أمريكا الرسمي عبر المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية بأن بلاده على اتصال مع الطرفين بشأن هذه الهجمات وتعمل على تهدئة الوضع، ما يُلاحظ من الموقف الأمريكي وكأن قوات سوريا هي شريكة تركيا في زعزعة المنطقة.
لا يمكن تجاهل شعوب شمال وشرق سوريا وفي مقدمتهم الشعب الكردي من وضع الحلول السياسية في سوريا؛ كونها شعوب حافظت على مناطقها بالحماية والدفاع عنها من خلال قوات سوريا الديمقراطية. لهذا؛ لا يمكن تهميش أي شعب من الدستور السوري الذي سيُقِر بالتعددية الثقافية واللامركزية من خلال مشاركة كل الشعوب السورية في صياغة دستور جديد لسوريا، ووضع حد للاعتداءات والانتهاكات والاحتلال التركي الحالم بسلطنة عثمانية جديدة.
No Result
View All Result