نحو عشر سنوات ومنطقتنا تموجُ على صفيحٍ ساخنٍ حافلٍ بالأحداثِ الجِسامِ، وقد انطلى على كثيرين ممن خرجوا للساحاتِ ونادوا بشعاراتِ الحريّةِ ومن ثم حملوا السلاحَ أنّهم عمليّاً أصبحوا أداةَ التغيير وليس هدفه، وأنّهم مجردُ قرابين محرقةٍ لتنفيذ مخطط كبير لا ناقة لهم فيها ولا جمل. فالثورةُ سُرقت بأحلامِها وشعاراتِها وصرخاتِها ودمائها. والمطلوبُ تغييرُ المنطقةِ مهما كلف الثمنُ.
النموذج التركيّ الجاهزُ للتصديرِ
“لا توجدُ مصادفةٌ من وراءِ أيّ حدثٍ سياسيّ، فعندما يقعُ يمكنُ الجزمُ بأنّه وقع هكذا وفق ما خُطط له”، هذا ما قاله روزفلت الرئيس الأمريكيّ الأسبق: فقد صدّقَ البعضُ حكايةَ الثورات ولم يدركوا سرَّ توقيتِها غير المتوافقِ معَ التوقيتِ المحليّ لبلدانهم، وأنّ القضية تتجاوزهم لتكونَ مخططاً متكاملاً لتغييرِ المنطقةِ وفقَ المصالحِ، وتركيا أداةُ التغيير، وأول دورٍ أُسند إليها أن تكونَ النموذجَ الذي يُبهرُ مجتمعاتِ المنطقةِ، فيكون التغييرُ وفقَ نمطها. وكان المطلوبُ خلقُ نموذجين الأول للهدفِ فكانت تركيا، والآخر للأسلوبِ، فبعدَ هروب زين العابدين بن علي في 14/1/3/2011 واستقالةِ الرئيس المصريَ مبارك في 11/2/2011، تخيّل البعضُ أنّ مجردَ التظاهرِ ورفع شعارِ “الشعبُ يريدُ إسقاط النظام” هو وصفةٌ سحريّةٌ تُنهي النظامَ القائم! فمع انطلاقِ ما اُصطلحَ عليه بالربيعِ العربيّ كانت تركيا قد أنجزت نموذجَها الخاص بقيادةِ حزب العدالة والتنمية.
وحين كان العالمُ يعيشُ تداعيات أحداث 11/9/2001 كان حزبُ العدالةِ والتنمية في طور التأسيس ولم تكنِ القوى الكبرى غافلةً عن التحولات التركيّة، بل كان المطلوبُ نموذجٌ إسلاميّ يقابلُ وربّما بديلٌ عن السعوديّ والإيرانيّ.
يعرّف حزبٌ العدالة والتنمية نفسه بأنّه يتبعُ مساراً معتدلاً غير معادٍ للغربِ ويتبنّى منهجاً اقتصاديّاً قوامُه رأسماليّة السوقِ ويسعى بهوسٍ عجيبٍ للانضمامِ للاتحاد الأوربيّ. وإذ ينفي الحزبُ جذوره الإسلاميّة فإنّ كلّ قادته وأولهم أردوغان كانوا أعضاء ونواباً منشقين عن حزب الفضيلة الإسلاميّ الذي حلّه قرارُ المحكمةِ الدستوريّة في 22/6/2001، وتأسس العدالةُ والتنمية في 14/8/2001 ووصل للحكمِ بنتيجةِ انتخابات 3/11/2002، وشكّل الحكومة، وقد اُتهم بأنه يقودُ البلادَ بعيداً عن النظام العلمانيّ نحو أسلمةِ المجتمعِ، ولكن المحكمة الدستوريّة قضت برفض الاتهام بقرارها الصادر في 30/7/2008.
يتبنى الحزبُ فكرةَ إحياءِ العثمانيّة كأيديولوجيا، وقد قال أحمد داوود أوغلو في اجتماع مع نوابِ الحزب في 23/11/2009: “إنّ لدينا ميراثاً أل إلينا من الدولة العثمانيّة، إنّهم يقولون هم العثمانيون الجدد، نعم نحن العثمانيون الجدد، ونجد أنفسنا ملزمين بالاهتمام بالدول الواقعة بمنطقتنا، نحن ننفتحُ على العالم كله، حتى في شمال إفريقيا والدول العظمى تتابعنا بدهشة وتعجب”. لم يكن كلامُ داوود أوغلو تصريحاً عابراً، بل عنواناً للمرحلة التي دخلتها تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية. ولذلك يجبُ فهمُ تفاصيلِ النموذجِ التركيّ الذي يوجّهُ سياساتِ أنقرة بالمنطقة على مدى عقدين، والتغييراتِ التي طرأت في تركيا لتكونَ العربة الأولى في قطار التغيير، وربَّ معارضٍ لهذه الفرضيّة، فيطرحُ السؤالَ: لِمَاذا لم تشهد تركيا موجاتِ العنفِ كما بالبلاد العربيّة؟ والإجابة ببساطة لأنّها العربة القاطرة وليست التابعة، وعندما تغرقُ بالفوضى فالنموذجُ يسقط.
تركيا حائزةٌ على رضا الأمريكيّ والروسيّ نسبيّاً ضمن المُعطى الجيو استراتيجيّ، فيما لازالت مجتمعاتنا مأسورةً بعقلِ القبيلةِ وصناعةِ الطواطم إلى ما شاء الله، فهي مجتمعاتٌ وقعت في قعرِ بئرِ الحرمانِ والجوعِ والتخلفِ، ولكنها لا تفكرُ بالخروجِ، بل بالاقتتالِ والسيادةِ على جغرافيا القعرِ.
كونفدراليّة الخلافة الإسلاميّة
الدورُ الذي تقوم به تركيا بالخروج العسكريّ عن حدودِها والتدخلِ في سوريا وليبيا وإقامةِ قواعدَ عسكريّةٍ في قطر ودعمِ حركاتِ الإسلامِ السياسيّ الموالية للوصولِ للحكمِ يهدفُ إلى إقامةِ مشروعها الإقليميّ، فتغييرُ الأنظمةِ الحالية بأخرى موالية لها سيجعلها تلقائيّاً تحتلُ مركزاً قياديّاً فيما يشبهُ أسلوبَ البيعةِ على الولاءِ والطاعةِ.
في 28/12/2019 عرض المستشارُ العسكريّ الأولُ للرئيسِ التركيّ، عدنان تانوردي، خلال لقائه مع تلفزيون العقيدةِ التركيّ الحكوميّ تفاصيلَ خطة أردوغان لتأسيسِ الخلافة الإسلاميّة العابرة للقاراتِ، وجاء الحديثُ عقب جلسةٍ لمؤتمرِ الاتحاد الإسلاميّ الدوليّ بإسطنبول يوم 23/12/2019، وترأسها الجنرال المتقاعد تانوردي.
ودعا «تانوردي»، إلى سرعةِ إنشاءِ شركة خدمات عسكريّة وأمنيّة إسلاميّة، تعمل في مجالاتِ التدريبِ والدعمِ العسكريّ الخارجيّ على غرار “بلاك ووتر” الأمريكيّة، ما اعتبره المراقبون إيعازاً بإنشاء تنظيم دينيّ مسلح بغطاءٍ سياسيّ. وفعليّاً فإنّ تانوردي أنشأ ميليشيات عسكريّة باسم “سادات” ويديرها بنفسه ومهمتها تدريبُ الشبابِ من مختلفِ دول العالم الإسلاميِ ليكونوا دعاة وجنوداً للخلافة الإسلاميّة ومقرّها إسطنبول.
وتؤكد الوثائق التي نشرها موقع نورديك مونيتور الاستقصائيّ السويديّ، أنَّ تنظيمَ الدورات السنويّة للمؤتمر، والتي يفترضُ استمرارها حتى عام 2023، (وهو عام انتهاء مفاعيل اتفاقية لوزان)، يتولاه معهد البحوث الاستراتيجيّة لأنصار العدالة “أسّام(ASSAM) ليكونَ بمقامِ العقلِ التنظيميّ لمشروعِ أردوغان بتوظيفِ شعاراتِ الإسلامِ السياسيّ وتشكيلاتِ “الإخوان المسلمين” من أجل الترويج لكونفدراليّة إسلاميّة يرأسها الخليفة المزعوم ومقرها المفترض إسطنبول.
وأوضح الموقع السويديّ أنَّ معهد “أسّام” التركيّ استكمل صياغة دستور فيدراليّة الدول الإسلاميّة، والذي يكاد يتطابقُ مع الدستور التركيّ، إلا أنَّ لغةَ الفيدراليّة ستكونُ العربيّة وعاصمتها إسطنبول، علماً بأن هذا الدستور الذي نشر موقع نورديك مونيتور صورة لمواده، يتضمن فصلاً خاصاً برئيس الكونفدراليّة الإسلاميّة الذي هو الخليفة. وأعرب تانوردي عن قناعته بأنّ كونفدراليّة الدول الإسلاميّة ستتحققُّ، وأنّهم من أجل ذلك يعملون لتسريعِ عودةِ المهدي المنتظر.
وتُظهر قائمة الدول التي تحلمُ القيادة التركيّة بأن تكونَ كونفدرالية الخلافة، 61 دولة بينها 12 دولة من الشرق الأوسط هي وفق نص الدستور: البحرين والإمارات وفلسطين والعراق وقطر والكويت ولبنان وسوريا والسعودية وعُمان والأردن واليمن، ومن دول شمال إفريقيا تضمُّ القائمة الجزائر وتشاد والمغرب وليبيا ومصر وتونس.
ولا يدخر أردوغان مناسبة للإشارةِ إلى طموحِ تركيا التوسعيّ، ففي آخر كلمة ألقاها عبر دائرة تلفزيونيّة مغلقة السبت 6/6/2020، بمناسبة افتتاح مشاريع خدميّة قال: “عظمة تركيا لا ولن تُقاسَ بعدد سكاننا وحجم اقتصادنا، والمدى الذي تصلُ إليه أسلحتنا، وأكّد أردوغان أنَّ “تركيا لن يثنيها أيُّ شيءٍ عن تحقيقِ هدفها في أن تكونَ دولةً كبيرةً”
إسرائيل والشرقُ الأوسط الجديد
مع صعودِ العدالةِ والتنمية تمَّ طرح نظرية العمق الاستراتيجيّ لأحمد داوود أوغلو والذي ترجمه وروّج له مركز الجزيرة القطريّ، ولم يكن ذلك صدفة، فالتعاونُ التركيّ القطريّ متعددُ المستوياتِ ومستمراً حتى اليوم، والدوحة هي مركز الإخوان بالخليج. والمشروع التركيّ يقوم على أساس دينيّ عابرٍ للقوميات ويتطلب إعادة ترسيم المنطقة أيضاً.
المشروعُ التركيّ والانفتاح على المنطقة العربيّة تسبقُه طروحاتٌ أمريكيّة، لإعادةِ صياغةِ المنطقةِ مجدداً، فقد صوّت الكونغرس الأمريكيّ عام 1983 عليه بالإجماع، وأعاد طرحه الجنرال الأمريكيّ رالف بيترز عام 2006، ونظّر له زبيغنيو بريجنسكي.
تقاطعاتٌ كبيرةٌ تجمعُ بين تركيا وإسرائيل، والخلافُ التركيّ والإسرائيليّ مع العربِ يتضمنُ ثلاثةَ ملفاتٍ هي (الأرض والأمن والمياه)، وتلك ليست مصادفة أيضاً، فتركيا لها علاقاتٌ واسعةٌ سياسيّة وعسكريّة وتجاريّة مع إسرائيل، وهذا معطى هامٌ جداً، وكلُّ مراكز القرار الدوليّ تأخذ أمنَ إسرائيل واستمرارها بعينِ الاعتبار، ليس كمجرد كيانٍ، بل كمعيار للفرز بالمنطقةِ، وتركيا البلد الإسلاميّ الوحيد بحلف الناتو اعتباراً من 21/9/1951، ومثل إسرائيل لها دورٌ وظيفيّ مهمٌ بالمنطقةِ.
اعترفت أنقرة بإسرائيل في 28/3/1948 أي بعد أقل من عام على إعلانها، وكانت أول دولة إسلاميّة تقوم بذلك، وفي 3/7/1950 وتم تعيين سيف الله إسين، أول سفير تركيّ بإسرائيل، وفي عام 1958، وقع رئيس الحكومة الإسرائيليّ دافيد بن غوريون ورئيس الحكومة التركيّ عدنان مندريس اتفاقية تعاون ضد التطرف ونفوذ الاتحاد السوفييتي بالشرق الأوسط. وإذا ما علمنا أنّ تلك المرحلة جزءٌ من الحربِ البادرة يمكن فهم أنّ هذه الاتفاقية تتوافق مع سياسة حلف الناتو ضد المعسكر الشيوعيّ. وفيما يلي من سنوات وقع عدد من الاتفاقات منها اتفاقٌ للتعاون العسكريّ عام 1996، وأُجريت مناوراتٌ عسكريّةٌ بحريّة مشتركة بينهما في كانون الثاني 1998، ومنذ 1/1/2000 وُضعت اتفاقيةُ التجارةِ الحرّةِ الإسرائيليّة التركيّة موضع التنفيذ. وفي عام 2005 قام أردوغان وكان رئيساً للحكومة بزيارةٍ إسرائيل والتقى خلالها رئيس الوزراء أرييل شارون ونائبه شيمون بيريز ووزير الخارجية سيلفان شالوم ووضع إكليلَ وردٍ على قبر ثيودور هرتزل.
طرح رئيس الحكومة الإسرائيليّة شمعون بيريز الشرق الأوسط الجديد The New Middle East عنواناً لكتابه عام 1993. وفي مقابلة في آذار 1995 قال بيريز “أعتقد أنّ جامعتهم العربيّة يجب أن تُسمّى جامعةَ الشرق الأوسط”، مضيفاً “لقد أصبحت الجامعة جزءاً من الماضي”. ووفق ما سبق يُفهم اجتماع القدس الأمنيّ الثلاثيّ في 24/6/2019.
الإخوان المسلمين أداةُ التغيير
من المؤكد أنّ أنقرة منخرطة في المخطط المرسوم باعتبارها النموذجَ المطلوب تعميمه بالمنطقة فكانت جائزة الترضية التي نالتها نظير دورها تدخلها في شمال سوريا واحتلالُ مناطق الكرد، بلا خسائر كبيرة، لأنّها استخدمت سوريين لتحقيق أهدافها وأخرجتِ الكردَ من مناطق شمال سوريا، وموسكو وافقت على ذلك وقبلها واشنطن. إلا أنّ أنقرة تطمع بمزيد من الجائزةِ عبر المساومة على إدلب، فكلّ مفرداتِ الأزمة السوريّة تدينُ بالولاء لتركيا، وقد انحشرت بالجيوبِ التركيّة تركيا شمال البلاد، فأنقرة دفعت داعش إلى كوباني وعندما انهزم جغرافيّاً كانت الأراضي التركيّة ملاذ قادته الهاربين، وهي أيضاً التي تقود النصرة ومجاميع ما يسمّى “الجيش الوطنيّ”.
ما يتحدثُ به البعضُ عن الثورة هو وهمٌ محض، فالنموذج الذي صُنع هو الجهاديّة والارتزاق، أي الانتحاريّة والبنادق المأجورة، متجاوزين النموذج الأفغانيّ، وبذلك تحققت معظم الأهداف الموضوعة بالطريق، فكانت المرحلة الثانية بتصدير البنادق المأجورة إلى ليبيا.
تمكينُ الإخوانِ المسلمين من حكمِ تونس ومصر كان إجهاضاً لثورتهما، وافتعالُ الحربِ المدمّرة في اليمنِ في موقعه الجيو استراتجيّ هو استنزافٌ لدولِ الخليج، تلك الدول العاجزةُ عن حمايةِ نفسها ولدى شعوبها ما يكفي من أسباب للتغيير ولكنها تدفعُ الأموالَ الطائلةَ لتأمينِ الحمايةِ. واليمن موطنُ العروبة الأصيلة، ولعل الذاكرة العربيّة تجاوزت أنّها كانت مقبرة الأناضول، بفضل الأئمة الزيديين، ولكنهم أضحوا مجرد حوثيين قبليين وعملاء لإيران، وتسعى أنقرة لتصديرَ المرتزقة إليه.
إدلب بين التوافقِ والتناقضِ
إدلب تحددُ مصير الوجود التركيّ في سوريا وهناك جملةُ اتفاقات عقدت بين موسكو وأنقرة لضبط أيقاع الميدان فيها وتشمل اجتماعات أستانة واتفاق سوتشي 28/9/2018 التي تآكلت خطوطها ما استدعى اتفاق هدنة جديد في موسكو في 5/3/2020 وخلالها مررت أنقرة أكثر من 10 آلاف جندي وأكثر من 4 ألاف آلية ومدرعة ونشرت منظومات دفاع جويّ.
تركيا تستعدُّ من جديد لإسقاط الطائرات الروسيّة” تحت هذا العنوان، كتب فلاديمير موخين، في “نيزافيسيمايا غازيتا”، في 5/6/2020 حول إرسال أنقرة دفعة مضادات جويّة جديدة إلى إدلب السوريّة.
وجاء في المقال: “تفاقم الوضع في إدلب لخفض التصعيد مرة أخرى. فرغم الاتفاقات الروسيّة التركيّة للحفاظ على عملية السلام بالمنطقة، انضمَّ الطيران الروسيّ إلى القتال ضد المقاتلين العصاة في سوريا لأولِ مرة منذ حوالي ثلاثة أشهر. على هذه الخلفيّة، تنشر شبكات التواصل الاجتماعي لقطات لنقل صواريخ Atilgan التركيّة المحمولة المضادة للطائرات، والتي يمكنها تدمير ليس فقط الطائرات المسيّرة، إنّما والطائرات المقاتلة الروسيّة.
العديد من الخبراء واثقون من أن تركيا تنوي تعزيز نفوذها في شمال غرب سوريا، ما سيؤدّي إلى عمليات قتاليّة نشطة. هذا هو رأي منسق مسائل الدفاع والأمن بمعهد التفكير الاستراتيجيّ، العقيد المتقاعد في الجيش التركيّ، مدحت ايشيق. فهو يلفت الانتباه إلى حقيقة أنّ “أنقرة ترسل أسلحة إلى الشمال الغربيّ من سوريا، لأنَّ القيادة التركيّة تنظر في احتمال استئناف المعارك مع القوات الحكوميّة السوريّة”.
صواريخ Atilgan التركيّة، والتي، تظهرها مقاطع الفيديو على الشبكات الاجتماعيّة، في إدلب، ستكون في مكانها المناسب إذا استأنفت دمشق الضربات الجويّة. هذا ما يراه المحللون الأتراك. فلا يمكن استبعاد استخدام هذه الصواريخ، مع تعزيز الطيران السوري. فكما أعلنت السفارة الروسيّة في دمشق، سلمت موسكو إلى دمشق دفعة جديدة من مقاتلات ميغ 29. ولن يكون أمام القوات التركية خيار سوى محاولة إسقاط طائرات الميغ هذه.
في هذا الصدد، يرى المستشرق والصحفيّ أندريه أنتيكوف أن تصرفات أنقرة، التي تدعم مقاتليها في إدلب بمضادات جويّة، “تظهر محاولة للضغط على روسيا”. فاستمرار تطهير إدلب لن يرضي تركيا. فهي ليست مستعدة لفقدان سيطرتها على الأراضي التي يلاحظ فيها تتريك السكان وتدفق المسلحين. إذا قامت سوريا بالقضاء على هؤلاء المقاتلين، فسيُطرح السؤال حول انسحاب تركيا من المناطق الشماليّة الغربيّة بسوريا. لذلك، فإنَّ تصعيدَ الوضع بهذه المنطقة من قبل الأتراك أمرٌ ممكنٌ حقاً”.
مجتمعاتِ المنطقةِ لديها الأسباب الذاتيّة للتغيير وتتوّقُ له بعد استهلاكِ كلِّ الشعاراتِ على المنابرِ دونَ خطواتٍ جادة لتحسينِ الوضع المعيشيّ، فكان من السهلِ استقطابها. والنموذج التركيّ أبهر الكثير ومنهم سوريون يتغنون باحتلال أردوغان لبلدهم ويعتبرونه إنجازاتٍ لصالحِ التغييِر، وبذلك انقلب الحالمون بالتغيير إلى عشاق لشخصِ أردوغان. ولكنه لن يعملَ لصالحِهم فهو يستخدمهم فقط… يحارب بهم وليس لأجلهم، ولهذا يرسلهم إلى ليبيا.