يقترن اسم الحزب الديمقراطي الكردستاني تاريخيا مع كل ما هو سيء، فلم يُسجل التاريخ، لا القديم منه، ولا الحديث، أي موقف وطني كان قد اتخذه هذا الحزب لتحقيق آمال الشعب الكردي وحقوقه، وفيما سُمِّيت بالثورة التي قام بها في مراحل معروفة معينة، ما كانت إلا تعاوناً مع أعداء تاريخيين ليس للكرد فقط، وإنما لشعوب المنطقة عامة.
ولإظهار الحقائق اليوم نقدم الجزء الأول من سلسلة خيانة الحزب الديمقراطي الكردستاني، ونلقي الضوء على محطات من تاريخ هذا الحزب، والذي لم نجد فيه ما يدعو إلى الافتخار، بل على العكس، نرى أن هذا الحزب قد قبل على نفسه أن يكون أداة تُنفذ من خلالها بعض الدول مخططاتها، وتستخدمه في وجه أعدائها، لتقوم بالانقلاب عليه عند قضاء الحاجة.
اتفاق البرزاني وعارف.. إنكار حقوق الكرد
وفيما يتعلق بالاتفاق، الذي وقع بين الملا مصطفى البرزاني، والمشير عبد السلام عارف، في العاشر من شباط عام 1964، فقد تحدث عنه الراحل جلال طالباني في كتاب حوار العمر – مذكرات الرئيس جلال طالباني للكاتب صلاح رشيد: “عقد الاتفاق بين الملا مصطفى والمشير عبد السلام عارف في العاشر من شباط 1964، ولم يتضمن أي اعتراف بحقوق الشعب الكردي، حتى البيان الذي صدر لاحقا، كان فيه تراجع واضح عن الوعود السابقة، ففي الاتفاق الذي أعلنه مجلس قيادة الثورة برئاسة عبد السلام عارف، ورد اسم الشعب الكردي، ولكن البيان اللاحق أشار إلى اسم الشعب الكردي بـ “إخواننا الكرد!”، وكان البارزاني قد وعد الحكومة بألا تتحدث عن الحكم الذاتي، وأن تعمل على حل الحزب، وتنضم لمشروع العمل القومي المشترك، وفي بيان أصدره الملا مصطفى لاحقا باللغتين الكردية والعربية، أشار إلى أنه يثق بعبد السلام عارف، وبأنه قائد إسلامي مؤمن، والمؤمنون مؤتمنون، وعليه سوف يضع ثقة شعبه به، ولذلك يجب على الناس أن ينصرفوا إلى أعمالهم”.
وحسب المصدر ذاته، فإن هذا الاتفاق كان بقرار من البرزاني فقط، ودون مشاورة المكتب السياسي للحزب، الأمر الذي شكل شرارة بدء الخلاف بين الطرفين.
لم يكن الملا مصطفى البرزاني في حياته السياسية والعسكرية ساعيًا لتحقيق المصالح الكردية، وإنما كانت غاياته بناء مملكة كُردية، يُنصّب عليها ملكا، ويقوم الشعب الكردي أجمع بخدمته، للحفاظ على منزلته وحكمه، من هنا يمكننا فهم الصراع، الذي دار بين مصطفى البرزاني، وجلال طالباني، الأمر الذي أدى إلى انقسام الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1975م.
التفرد والسلطوية قسَّما الحزب الديمقراطي
وحول هذا الموضوع، يقول الكاتب هادي حسين عليوي: في مقال له بعنوان: “البارزاني والطالباني… صراع الأفكار وصراع السلطة”، لا يمكن الجمع بين عقليتين مختلفتين في التفكير، والأسلوب، وفي النظرة والسلوك، والثقافة، في حزب يعتمد على القيادة التاريخية، وأسلوب القيادة الدينية، والطاعة العمياء، وهذا ما عاشه جلال الطالباني”.
في هذه السطور، يتحدث الكاتب عن العقلية السلطوية التي كان البرزاني يتبعها، والذي لم يقبلها جلال الطالباني، الذي كان يدعو إلى عقلية ديمقراطية منفتحة في قيادة الحزب، ما ولّد صراعاً بين القطبين داخل الحزب الواحد، وهذا الصراع قد أدى إلى تقسيم الحزب في نهاية المطاف.
من هنا، يتبين سعي البرزاني للهيمنة، والتفرد في السلطة حتى قبل بناء تجربة الحكم الذاتي المشيدة الآن في باشور كردستان، أي أن التحركات، التي قام بها البرزاني على أنها ثورة لتأمين حقوق الشعب الكردي، ما كانت إلا تحركات لنيل مكتسبات عائلية ضيقة.
سياسة البرزاني هذه، قد أثرت على مستقبل باشور كردستان عامة، فتلك السياسة والسعي إلى حكم العائلة الملكية أديا إلى تقاسم النفوذ في باشور، فانقسمت بذلك باشور بين البرزانيين، والطالبانيين، فضلا عن التقسيم التي تُعاني منه أرض كردستان.
لم ينتهِ الأمر بالبرزاني بتقسيم باشور بين السليمانية وهولير، بل وصل إلى حد المواجهة المسلحة بين الطرفين، وقد سقط في هذه المواجهات آلاف الشهداء من الكرد، ومن الطرفين.
الديمقراطي تسبب في إراقة دماء الكرد
أولى المواجهات المسلحة بين الحزبين وقعت عام 1978، فأدت إلى سقوط العشرات من الضحايا، ومن بينهم قائد في الاتحاد الوطني الكردستاني، في الهجوم المسلح الذي قاده الديمقراطي على 800 عنصر من عناصر الاتحاد.
خلال الأعوام الأولى من الحرب العراقية الإيرانية استمر الصراع على أشده بين الحزبين، بسبب ارتباطهما بأطراف إقليمية متصارعة، وتحولت كردستان إلى ساحة للحرب؛ بعد أن دخلت القوات الإيرانية إلى منطقة نفوذ طالباني في منطقة بنجوين، رغم معارضة طالباني، وكان مقاتلو الحزبين ينصبون الكمائن لبعضهما دون الدخول في مواجهات مباشرة خلال هذه المرحلة.
وفي أواسط ثمانينات القرن الماضي، وسيطرة الهدوء على جبهات القتال في الحرب العراقية الإيرانية؛ عادت المواجهات بين الطرفين.
وفي أيار عام 1994 اندلع قتال بين الحزبين بسبب خلاف على أرض في بلدة “قلعة دزة”، فشمل مدناً وبلداتٍ عديدة، فأسفرت الاشتباكات عن فقدان حياة ما يقرب من 300 شخص، وتوقف القتال بعد أن تم التوصل إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في آب 1994م.
واستمرت المواجهات بين الجانبين حتى أواسط 1998م، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين برعاية أمريكية في أيلول عام 1998، حيث أصرت واشنطن على وقف المعارك بين الطرفين، وظل التوتر يسود الشارع الكردي مدة طويلة، بعد أن سببت الحرب آثارا سلبية على المجتمع، وسقوط ضحايا عديدة من الشعب الكردي، ووصلت ضحايا تلك الحرب إلى ما يقرب من خمسة آلاف شخص، وقد هجّرت عشرات الآلاف من المدنيين الكرد.
عودة الصراع التاريخي في كركوك
واليوم تعيش محافظة كركوك توترا أمنيا وصل حد المواجهة بين أبناء المحافظة الواحدة، وذلك على خلفية سعي الديمقراطي الكردستاني إلى إعادة بسط سيطرته على المحافظة، ما أثار حفيظة أبناء المحافظة، فخرجوا بمظاهرات حاشدة رافضة للسيطرة على المحافظة، وهذا ما دفع الديمقراطي إلى تحريك ازلامه في المحافظة، فوقعت صدامات بينهما، أدت إلى وقوع ضحايا في هذه المواجهات.
تعدُّ كركوك من المناطق الخاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، وبناء على ذلك، رأى الاتحاد الوطني أن ما تقوم به سلطات الديمقراطي الكردستاني في كركوك، محاولة لإضعاف الاتحاد الوطني الكردستاني، وموقفه هذا جاء على لسان النائب عن مكتب الاتحاد الوطني الكردستاني، في قضاء كويا في هولير، آسو كاكه رش، الذي قال في لقاء له: “الحزب الديمقراطي الكردستاني هو المسؤول عن المشكلة الحالية في كركوك”، لأن أهالي كركوك بشكل عام لا يريدون عودة الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى كركوك، ومن قاموا بنصب الخيمة في كركوك تربطهم صداقة قديمة مع الملا مصطفى، واستمرت مع مسعود البرزاني.
وأشار كاكه رش، إلى أن ما يجري في كركوك هدفه إضعاف الاتحاد الوطني الكردستاني، ومن المؤكد أن كركوك لا يمكن حمايتها بدون الاتحاد الوطني، ويحاول الحزب الديمقراطي الكردستاني، وتركيا تقليل دور الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك، وإضعافه الأمر الذي يجعله يخسر كركوك.
من جهة أخرى، يعيش الديمقراطي الكردستاني منذ نشأته على الكذب، وخلق الفتن بين الأخوة، فما يحدث في كركوك اليوم ليس وليد اللحظة، وإنما هو استكمال لتاريخ قائم على محاربة الأخوة لإضعاف البيت الكردي.
تحقيق المصالح الشخصية على حساب الكرد
ويرفض الديمقراطي الكردستاني أي نوع من أنواع الاتحاد بين الكرد، وفي سبيل ديمومة سلطته الملكية، لذا يقدم الديمقراطي الكردستاني على محاربة أي شيء يخص الكرد، سواء أكان شخصاً، أو حزباً.
وقد تحدث عن ذلك آسو كاكه رش، بوضوح: “يلجأ الديمقراطي الكردستاني، إلى العمل بالوسائل الممكنة من أجل بقائه، وإن الحزب الديمقراطي الكردستاني يشكل عائقاً أمام الثورات في أجزاء أخرى من كردستان، فمنذ تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني وحتى الآن، لا توجد قوة كردية لم يثر الحزب الديمقراطي الكردستاني مشكلة معها”.
وأوضح كاكه رش: أن “الكرد يحاولون منذ سنوات عقد مؤتمر وطني في هولير، لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني لا يسمح بذلك، وفي ذكرى معاهدة لوزان، اجتمع الكرد في لوزان لوضع استراتيجية، لكن الحزب الديمقراطي الكردستاني لم يشارك تلك الاجتماعات، وهذا ما يثبت أن سياسة الحزب الديمقراطي الكردستاني تعادي حصول الكرد على حقوقهم، وشعارهم هو “إذا لم نقم بثورة سندمرها”، وحتى الآن لا يمكنهم أن يكونوا كرداً، فهم يحاولون القضاء على حلم الكرد في الوحدة”.
وبناءً على كل ما سبق، يتضح حجم الأضرار، التي تُلحقها سياسة الديمقراطي الكردستاني، بالشعب الكردي والقضية الكردية، حيث أن وحدة الشعوب هي العامل الأول في انتصار قضاياها وتحقيق حريتها، ولكن ما يتبعه الديمقراطي الكردستاني، يقف حجرة عثرة في تحقيق هذه الوحدة، الأمر الذي يتطلب العمل بشكل جدي على التخلص من تلك السياسيات، للوصول إلى ما يصبو إليه الشعب الكردي في تحقيق أهدافه.