No Result
View All Result
المشاهدات 2
مان أحمي –
إنّ القوى السياسيّة في العالم، عندما تتعرض بلدانها إلى أزمات سياسيّة، وانتفاضات شعبيّة ترفض النظام الموجود، نتيجة عدم تمكن ذلك النظام من حل المشاكل الموجودة في ذلك البلد، تبدأ تلك القوى بالبحث عن نظام آخر يستطيع حلّ القضايا والمشاكل التي تعاني منه البلاد، واستشفاف ما قد يتعرض له البلد من قضايا وأزمات في المستقبل، ومحاولة وضع الحلول لها.
وعلى الأغلب تأتي تلك الحلول عن طريق الدستور والقوانين المتعلقة به، والتي عن طريقها تحلّ المشاكل والقضايا المتجذرة والطارئة في البلاد.
فمثلاً عندما قامت الثورة في انكلترا ضد الحكم الملكيّ المطلق، في عام 1688م والتي سمّيت بالثورة المجيدة، كان من نتائجها إصدار إعلان الحقوق عام 1689م، والتي من أبرز ما ورد فيه، أنّ حقَّ الملك في التاج مستمدٌّ من الشعب الممثل في البرلمان وليس من الله كما كان يدّعي، وبذلك تم فصل الدين عن الدولة، وكذلك حماية حرية الرأي والتعبير في البرلمان. إذا استطاعت هذه الثورة حلّ أزمة الحكم المطلق المستمد من الله، ووضعته بيد الشعب.
أما الثورة الفرنسيّة التي قامت في عام1789م ضد الحكم الملكيّ المطلق، وكان شعارها، حرية، مساواة، إخاء. فقد ذهبت إلى إصدار إعلان حقوق الانسان والمواطن الفرنسيّ، حيث اعتبرت وثيقة فوق دستوريّة لا يجب المساس بها، لأنّها تحلّ القضايا التي كانت سبب الثورة في فرنسا، ومن أبرز بنودها، يولد الناس ويعيشون أحراراً متساوين في الحقوق، وأنّ غرض كلّ اجتماع سياسيّ حفظ الحقوق الطبيعية للإنسان والذي لا يجوز مسّها، وهي حقّ التملك وحقّ الأمن وحقّ مقاومة الظلم والاستبداد، وأنّ القانون هو إرادة الجمهور فيجب أن يشترك الجميع في وضعه. وبذلك استطاعت الثورة الفرنسيّة أن تحقق تغييراً في النظام السياسيّ، عن طريق تحويل فرنسا من الحكم الملكيّ المطلق إلى الحكم الجمهوريّ، والاعتماد على مبادئ أساسيّة منها، فصل الدين عن الدولة، وفصل السلطات، حماية حق المساواة وحرية التعبير. ومن ثم توالت الثورات في أوروبا حيث تبنّت مبادئ الثورة الفرنسيّة.
أما الحرب الأهليّة التي حدثت في أمريكا عام 1861 واستمرت حتى عام 1865م، بين ولايات الشمال وولايات الجنوب، حيث ولايات الشمال كانت تطالب بمركزيّة صارمة متشددة، وولايات الجنوب التي كانت تطالب بالانفصال، نتيجة خلاف حول قانون يمنع العبوديّة بين الطرفين، فكانت النتيجة هي التوصل إلى حل وسط بين المركزيّة والانفصال، وذلك بعد مقتل الملايين من الأمريكيين، فكان التسوية بالقبول بالحلّ الوسط ما بين الانفصال والمركزيّة، وكان هذا الحلّ هو بتبني النظام الفيدراليّ.
أما في سويسرا وهي دولة اتحاديّة منذ عام 1291م، ومازالت، وقد وضعت لها آخر دستور 1848م والمعمول به إلى الآن، فهذه الدولة الأوروبيّة يتكون شعبها من أربع قوميّات وهي الألمانيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والرومانيّة، وحقوق جميع القوميات متساوية ومحفوظة بموجب الدستور وهي بحالة مستقرة منذ مئات السنين، بالرغم من أنّها محاطة بدول قوميّة من نفس القوميات الموجودة فيها، كدولة ألمانيا الاتحاديّة وفرنسا وإيطاليا. وبذلك حلّتِ القوى السياسيّة وشعوب تلك الدول قضاياها ومشاكلها عن طريق التوافق على دستور يتضمن العدالة في حلّ قضايا البلاد.
ومنذ القرن السابع عشر وإلى بداية القرن الواحد والعشرين، تعدّدت وتنوعت ثورات الشعوب، وأصبحت تتبنى قضايا ومبادئ أكثر تقدّماً من تلك التي حدثت في البدايات.
إنّ المغزى من عرضنا هذا، لنبين كيف أنّ القوى السياسيّة والشعوب في العالم عالجت القضايا الأساسيّة التي تعاني منها عن طريق الدساتير التي عالجت تلك القضايا ووضعت لها الحلول العادلة، بعد فشل الأنظمة السابقة عن معالجة تلك القضايا.
وفي الحالة السوريّة أيضاً، حيث تدور رحى حرب للسنة الثامنة لم تبقِ على أخضر أو يابس ودمرت العمران والبنيان، وتعاني البلاد من عدم وجود توافق حول حلول للقضايا السياسيّة الجوهريّة مثل الديمقراطيّة والتعدديّة السياسيّة وحلّ قضايا القوميات والمكونات المؤلفة للشعب السوريّ في إطار نظامٍ تعدديّ ديمقراطيّ يحفظ لكل قومية خصوصيتها الثقافية وشراكتها في الحياة السياسيّة، والقضايا الاجتماعيّة والاقتصاديّة المتجذرة في سوريا مثل الفقر والجهل والمرض والعنف ضد المرأة والبطالة وأزمة السكن والتفاوت الاجتماعيّ والاقتصاديّ والتضخّم وغيرها… وقضايا البيئة والتي تتضمن حمايتها ومعالجة التلوث الناشئ عن الفعّاليات الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
إذاً والحال هذه في سوريا التي تعاني أزمات وقضايا متجذرة منذ بداية تشكيل سوريا الحالية، نتيجة اتفاقية سايكس بيكو سازانوف 1916م، والاتفاقيات الملحقة بها، فلم تستطع الأنظمة المتعاقبة بدساتيرها من حلّ هذه القضايا، لأنّ هذه الدساتير لم تكن تعالج القضايا المتأزمة في سوريا، ونتيجة ذلك تعرض الشعب السوريّ على مدى اثنين وسبعين عاماً من استقلالها عام 1946م، إلى شتّى أنواع الظلم والقهر والقتل، وبالأخص ما حدث منذ 15 آذار عام 2011م وحتى تاريخه، أي ما يزيد على سبع سنوات، حيث قُتل مئات الآلاف وشُرد وهجّر الملايين من الشعب السوريّ ودمّرت البنية التحتيّة في البلاد، نتيجة الحرب الأهليّة المستمرة، هذه البلاد التي بناها السوريون بكدّهم وعرقهم وتضحياتهم، وكما تعرّضت سوريا لاحتلال أراضيها في ستينيات القرن الماضي، وكذلك إبان الحرب الأهليّة الحالية، كلّ ذلك بسبب عدم استطاعة الأنظمة المتعاقبة على حكم سوريا من حلّ القضايا والمشاكل التي يعاني منها الشعب السوريّ بمختلف مكوّناته القوميّة المتعددة والدينيّة المتعددة كذلك.
لذا عندما تقول الأمم المتحدة والقوى الدوليّة والإقليميّة، والقوى السياسيّة بما فيه النظام في سوريا، بأنّها بصدد وضع دستور جديد لسوريا، فيجب أن يتضمن هذا الدستور معالجة القضايا التي أشرنا إليها سابقاً، وإلا فلن يكون هذا الدستور المزمع وضعه بأفضل حالٍ من الدساتير السابقة التي وُضعت لسوريا، لأنّ تلك الدساتير السابقة بما فيه الحالي، لم تعالج القضايا السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيئيّة التي تعاني منها سوريا.
فالعبرة إذا ليست بوضع دستور جديد لسوريا، وإنّما العبرة بأن يعالج الدستور الجديد القضايا المتجذرة في سوريا ويضع لها الحلول العادلة، وعلى رأسها حل قضية الشعب الكرديّ، وقضية دمقرطة سوريا.
No Result
View All Result