تحقيق/ فيروشاه أحمد –
اجتمع ممثلو الشعب في بداية الاستقلال1950م لوضع دستور للبلاد (سورية) كي يحققوا أهداف مقدسة تليق بهذا الشعب، فاعتمدوا على قيم نبيلة منها العدل، وأسسٍ تضمن لكلِّ مواطنٍ حقَّه من خلال توفير قضاء نزيه في ظل حكم جمهوري ديمقراطي حر.
وأكد الدستور على ضمان الحريات العامة والأساسية لكل مواطن، كون الحريات العامة هي التي تسمو بالفرد وتحقِّق كلَّ معانيه الشخصية والإنسانية، إلى جانب نشر ثقافة روح الإخاء، وتعزيز شعور الانتماء للوطن لكل فردٍ، فالوطن بحاجة إليه من خلال قيامه بالدفاع عنه، بشرط أن تعمل الدولة على تحرير المواطن من حالات الفقر والمرض والجهل، والاهتمام بإقامة نظام اقتصادي يحقق للكل العدالة الاجتماعية، ومن جانب آخر تُعزِّز ثقة المواطن بالدولة من خلال وضع سياسة واضحة في الحقوق والواجبات، وتثقيف وتقويم شخصيته، كي يحسَّ بأنه مسؤول عن الوطن من خلال ثقافة وطنية، هذه مقدمة الدستور وهي جزء لا يتجزأ منه. ومن الملاحظ أنَّ أغلب مواد هذا الدستور لم يتطرَّق إلى مفاهيم قومية ولا دينية، بقدر ما يؤكد على الانتماء للوطن بغضِّ النظر عن العِرق والدين والطائفة، وكانت بداية حقيقية لبناء المواطن الحقيقي الذي يعتزُّ بانتمائه للوطن دون النظر إلى انتمائه القومي والديني. وككل الدساتير في العالم يتناول كل القضايا من خلال فصول متعددة ولكل فصل مواد محددة، لا يمكن أن ننسخ كل الدستور هنا بقدر ما يهمنا المواد التي تتناول حقوق القوميات والأقليات التي تعيش في سورية ومنهم الكرد، الفصل الثاني من المادة 16 تنص على (للسوريين حق الاجتماع والتظاهر بصورة سلمية ودون سلاح)، أما المادة 18 من الفصل نفسه؛ فنصت على (للسوريين حق تأليف الأحزاب السياسية على أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية). من يقرأ هذين البندين يتأكَّد من أنَّ هذا الدستور كان أكثرَ رقياً من كل الدساتير التي جاءت فيما بعد، لأن السلطات المتعاقبة منعت كل ما يدعو للرفض من خلال التظاهر، وأن التعددية الحزبية تجعل من الحياة الانتخابية منافسات شريفة من خلال برامج تلك الأحزاب، الفصل الرابع المادة 71 ينص على ( ينتخب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب وبالتصويت السري) والمادة 72 تحدد مدة رئاسة الجمهورية منذ انتخابه، ولا يجوز تحديدها إلا بعد مرور خمس سنوات كاملة على انتهاء الرئاسة، ألا يعني بأن سورية كانت تعيش حالة ديمقراطية، ولو حافظت الحكومات على هذه المواد وعملت بها لما دخل الشعب السوري الآن في حروب وويلات وتهجير وإقصاء؟.
دستور الأسد الأب
دستور سوريا وتعديلاته 1980م:
الباب الأول ـ المبادئ الأساسية ـ الفصل الأول، المادة 8 (حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة!). من هذه المادة الدستورية يمكن القول: إنَّ بداية النهاية باتت واضحة لكل المراقبين داخل وخارج سورية، لأن هذه المادة رسمت إطاراً واضحاً لتطلعات الشعب السوري، وبمختلف تياراته وأحزابه السياسية، فلا صوت يعلو فوق صوت البعث، وهذا تأكيد فاضح على أن الشمولية في الحكم أصبح فاقعَ اللون، لأنَّهم عطلوا الحركة السياسية بشكلٍ كامل.
المادة 21 من الفصل الثالث (يهدف نظام التعليم والثقافة إلى إنشاء جيل عربي قومي اشتراكي علمي التفكير مرتبط بتاريخه وأرضه من أجل تحقيق أهداف أمته في الوحدة والحرية والاشتراكية)، أما هذه المادة فقد أصبحت كالسيف على رقاب كل من لا ينتمي للعروبة وما أكثرهم!، فإما أن ترتشف من ذاكرة العروبة كل ثقافتك أو لا ثقافة لك. المادة 39 من الفصل الرابع الحريات والحقوق والواجبات (للمواطنين حق الاجتماع والتظاهر سلمياً في إطار مبادئ الدستور، وينظم القانون ممارسة هذا الحق)، من يقرأ نص هذه المادة يشعر بالسعادة، وكأنها من نصوص دساتير بعض الدول الراقية، فمنذ البدايات كانت الأحكام العرفية تمنع أي تجمع أو تظاهر في عموم شوارع سورية، وإلا كان القتل والاعتقال مكافأة كل متظاهر.
دستور الأسد الابن