سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

الدراما السورية.. معاناة باهتة في رواية قصص الحرب واللجوء

تعد الدراما أداة رئيسية لنقل صورة المجتمع، وفي بعض الأوقات تلعب دوراً كبيراً في إثارة القضايا وربما المساعدة في حلها، إلا أنه وفي الحالة السورية تمر بأزمة حقيقية بعد تسع سنوات من الحروب، وبقي اللاجئ السوري على هامش اهتماماتها.
حاولت بعض المسلسلات في سياقها الدرامي نقل جزء من قضايا اللاجئين السوريين الموجودين في لبنان على وجه التحديد، لا سيما وأنها تندرج ضمن فئة الأعمال السورية اللبنانية المشتركة التي زاد الإقبال عليها خلال السنوات التسع الأخيرة.
من أبرز تلك الأعمال “غداً نلتقي – 2015” لكاتبه إياد أبو الشامات، وبطولة كاريس بشار، مكسيم خليل، عبد المنعم عماري، عبد الهادي الصباغ وغيرهم. وقد حاول المسلسل سرد قصص عائلات سورية وفلسطينية هربت من جحيم الحرب إلى لبنان، وأنشأت مجتمعها الخاص في مدرسة مهجورة بالقرب من بيروت لتتحول كل غرفة فيها إلى بيت صغير. تتنوع الشخصيات في العمل بين المؤيد للنظام السوري والمستفيد منه والمعارض له وحتى المتطرف الراغب في حكم الدولة الإسلامية، وبين الإنسان المثقف الحالم وآخر يبحث عن لقمة العيش أو وسيلة يهرب بها من مستنقع اللجوء، فينجح بعض منهم بالوصول إلى بر الأمان (فرنسا) في حين يكون الموت الفعلي أو النفسي من نصيب آخرين.
تطرق المسلسل إلى جوانب من القضايا السوريا المتشعبة دون الانحياز إلى أي من أطراف النزاع، ليتمكن المخرج رامي حنا باستخدام الإضاءة الخافتة والديكورات الشاحبة من تصوير الفقر المدقع والتشرد الذي أمسى سمة المهجّرين السوريين في دول الجوار، وهذا ما جعله -بالإضافة إلى الأداء العالي للممثلين- واحداً من الأعمال القليلة التي أحبها الجمهور السوري، وحتى العربي بجميع أطيافه.
ظروف اللجوء القاسية والقهر الذي يلازم السوريين في لبنان نجدها أيضاً في المشاهد الأخيرة من المسلسل القصير “العميد – 2020” الذي لعب فيه تيم حسن دور بروفيسور في التحليل الجنائي، يدفعه شغفه المهني إلى الكشف عن ملابسات اختفاء زوج روائية معروفة لعبت دورها الممثلة كاريس بشار، لتظهر حقائق القضية أن الزوج لم يكن يعمل في بيع اللوحات والتحف الفنية بل في الاتجار بالبشر ويدير شبكة لبيع أطفال المخيمات. يظهر المسلسل مشاهد مؤلمة لواقع المخيمات السوريّة في لبنان، ويسلط الضوء على الظروف المعيشية الصعبة التي تدفع كثيراً من اللاجئين السوريين إلى البحث عن أي سبيل للخلاص.
قصص المعاناة ما قبل اللجوء وبعده
لكن معاناة السوريين لا تبدأ مع اللجوء، وإنما ما يسبق ذلك من معاناة في الداخل السوري، وما يرتبط بذلك من أحلام الهجرة وخيباتها، وهو ما حاول الكاتب ممدوح حمادة التطرق إليه في مسلسل “ضبوا الشناتي – 2014” من خلال الكوميديا السوداء بوصفها جزءاً من حالة العائلة السوريّة القابعة في مناطق سيطرة النظام السوري وما تعانيه من فقر وانعدام أساسيات العيش.
يعد هذا المسلسل، الذي قام بأدوار البطولة فيه بسام كوسا وأمل عرفة وآخرون، من أهم المسلسلات التي نقلت معاناة شريحة واسعة من العائلات في الداخل السوري، إذ يروي قصة عائلة تحاول الهرب من الضغط الذي سببته الحرب، وتحلم بالذهاب إلى القارة العجوز، فترهن بيتها وحياتها لتحقيق هذا المبتغى، وفي نهاية العمل تنجح الأسرة بركوب القارب (البلم) لكنها، وكحال العديد من العائلات السوريّة، تختتم رحلتها بالموت. وعلى عكس عمله “ضيعة ضايعة” يستثني الكاتب الطفلة سيرينا من مصير عائلتها بعدما ربطتها أمها بوعاء بلاستيكي أنقذها من الغرق، ولعل ذلك كان رغبة من الكاتب في ترك باب الأمل مفتوحاً حتى في صميم المأساة.
إعلان مخفي لقصص السلطة
أفقدت تداعيات الحرب العمل الدرامي السوري أصالته، وأدت إلى ما يكاد يكون انعدام القدرة الإنتاجية على المضي قُدماً في تقديم المحتوى النابع من عمق المشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى السياسية، فباتت أغلب الأعمال الدرامية عربية مشتركة، وخاصة اللبنانية السورية منها، أبطالها نجوم سوريون، ومخرجوها أسماء معروفة لجأت إلى شركات الإنتاج الخليجية غالباً، التي تفضل عدم الخوض في تفاصيل النزاعات السوريا، إما لأسباب ترويجية، أو لأخرى سياسية.
ومن جهة أخرى تسيطر الأجهزة الأمنية في سوريا على جميع جوانب الحياة، ليتحول العمل الفني المرئي من مرآة لنقل الألم والهم الشعبي إلى إعلان مبطن للرسائل التي يرغب النظام في إيصالها، وزاد الوضع قتامة مع حالة التشرذم التي طالت الممثلين السوريين، ومنع بعضهم من العودة إلى البلاد. لذلك باتت معظم الأعمال المنتجة داخل سوريا تكرر رواية النظام للأحداث وتخدم مصالحه، أما تلك التي يتم إنتاجها وتصويرها في الخارج فيمكن القول إن غالبيتها لم يرتقِ إلى مستوى الحدث السوري ولم يستطع نقل الواقع بتجرد.
يُذكر أن كثيراً من اللاجئين السوريين قاموا بإنتاج عشرات الأفلام الروائية والقصيرة والوثائقية التي لامست إلى حد ما واقع اللجوء وطرحت مواضيع وقضايا ترتبط بمعاناتهم، لكن أكثرها لم يكن في متناول المشاهد العادي، وإنما تم إنجازها للمشاركة في المهرجانات والمسابقات السينمائية العالمية.