كثرت في الآونة الأخيرة، التحركات الدبلوماسية والعسكرية في منطقة الخليج العربي، انطلاقاً من التنافس الغربي من جهة، والروسي والصيني من جهة أخرى، على جذب دول الخليج التي حاولت مؤخراً أن ترسم خطاً مستقلاً نوعاً ما لتحركاتها، وما نتج عن ذلك من تغيرات مفاجئة في مواقف هذه الدول، بالإضافة إلى الحديث عن مسار التطبيع بين السعودية وإسرائيل… فما هي حيثيات ما يجري؟ وإلى أين ستؤول هذه التطورات؟
تزايد مؤخراً الحديث عن التطبيع السعودي – الإسرائيلي، إذ تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى صياغة اتفاق إبراهيمي جديد بين الطرفين، إلا أنه وعلى الرغم من النشاط الدبلوماسي بشأن ذلك، فإن هذا المسار يسير بشكلٍ بطيء.
هذا المسعى الأمريكي جاء بعد التقارب الخليجي بقيادة السعودية مع روسيا والصين وإيران، ما أثار حفيظة واشنطن والقوى الغربية، ودفع هذه الدول، حسب تقارير، إلى إعادة تقييم استراتيجيتها في المنطقة. وبدأت بإظهار الاهتمام في الشرق الأوسط والخليج تحديداً، تحت عنوان مواجهة النفوذ الروسي والصيني والإيراني المتنامي في المنطقة، حيث تسبّب ضعف الموقف الأمريكي والغربي وعدم ثقة دول الشرق الأوسط بالحليف التقليدي (الولايات المتحدة الأمريكية) للبحث عن حلفاء جدد وتهدئة الأجواء مع الخصوم التقليدين وأبرزهم إيران، وما زاد القلق الأمريكي والغربي الحديث والتسريبات عن تنامي التعاون بين دول الخليج وروسيا والصين، ووصول هذا التعاون إلى مراحل متقدمة وسط الحديث عن إمكانية إنشاء قواعد عسكرية صينية في الإمارات.
استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الجديدة تقوم على محاولة إعادة الثقة لدى حلفائهم في الخليج العربي، وزيادة النفوذ العسكري والسياسي تحت عناوين عديدة منها حماية الممرات المائية في الخليج والضغط على إيران التي يتهمونها بأنها زادت من نسبة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تسمح لها بتصنيع قنبلة نووية، وفي هذا السياق، أرسلت خلال الأسابيع الماضية واشنطن قوات عسكرية كبيرة إلى الخليج؛ إذ أرسلت القوات الجوية سرباً من طائرات “إف 35″، وسرباً آخر من طائرات “إف 16″، وكانت القوات الجوية قد احتفظت منذ أشهر الربيع الماضي بسرب من طائرات “اي 10”.
الجانب الآخر من هذه الاستراتيجية يقوم على محاولة إقناع السعودية بالانضمام إلى الدول المطبّعة مع إسرائيل، عبر تقديم عروض منها دعم البرنامج النووي السعودي، وتقديم أسلحة نوعية ومتطورة إلى الرياض، وهذه الإغراءات الهدف منها أيضاً هو دعم الموقف الغربي في الحرب الأوكرانية، بالإضافة إلى اتخاذ موقف يناسب مصالح الولايات المتحدة الأميركية والغرب بخصوص النفط ومنظمة أوبك.
الخطوات الأمريكية والغربية تجاه الشرق الأوسط والخليج تحديداً، من المتوقع أن تتسارع خلال الفترة المقبلة، وتهدف إلى إعادة إحياء تشكيل الناتو الشرق أوسطي، وذلك بقيادة السعودية. تحت عنوان حماية الممرات البحرية من “الاستفزازات الإيرانية” ومواجهة التحديات التي تواجهها دول المنطقة، وتكون إسرائيل عضواً في هذا التحالف.
الدول الخليجية والسعودية تحديداً، تلقفت هذه المساعي الغربية بنوع من التجاوب لكنه بطيء إلى حدٍّ كبير، وتبيّن ذلك من خلال الاجتماعات السعودية – الأمريكية، بالإضافة إلى التواصل السعودي مع أوكرانيا ودعوة الرئيس الأوكراني إلى القمة العربية الأخيرة.
هذه المواقف دفعت إيران للقلق من عودة دول الخليج والسعودية تحديداً، عن مصالحاتها الأخيرة مع إيران، بالإضافة إلى القلق من تنازل روسيا لدول الخليج على حساب إيران، مقابل ألا تعود هذه الدول عن تقاربها مع روسيا والصين، وهذا ما تبيّن من تصريحات إيران الهجومية بشأن الجزء المتنازع عليه مع الإمارات، إلى جانب تنفيذها مناورات عسكرية، لكن هذه التصريحات والمناورات لا تهدف إلى نسف مساعي التهدئة مع الخليج، بل هي رسالة تحذيرية مفادها بأن الاستقرار في المنطقة يتم عبر التعاون مع إيران لا مع الولايات المتحدة والغرب، وهذا ما صرّح به أحد المسؤولين الإيرانيين على هامش المناورات، والذي قال إن مسؤولية حماية الممرات البحرية تقع على عاتق دول المنطقة فقط، وهذه إشارة تحذيرية إلى المساعي حول تشكيل ناتو شرق أوسطي أو قوة بحرية لا تشارك فيها إيران.
خلاصة تحليلية: من خلال ما سبق يتبيّن أن جميع هذه التطورات الأخيرة من الحشود العسكرية في الخليج، والحديث عن تشكيل حلف شرق أوسطي، ومساعي إبرام تطبيع بين السعودية وإسرائيل، وتعزيز الاتفاقيات الموقعة سابقاً في هذا الصدد، جميعها تأتي في سياق التنافس الأميركي الغربي من جهة والروسي والصيني والإيراني من جهة أخرى.
ومن المستبعد أن تتجه التطورات في المنطقة إلى حرب مفتوحة أو صدام مباشر، كما أنه من غير المتوقع في الوقت الحالي أن تحدث اتفاقيات استراتيجية كبيرة حتى فيما يتعلق بالتطبيع بين السعودية وإسرائيل؛ فهذا لن يحدث بشكل علني، لكنه سيكون هناك تعاون أمني واقتصادي بين الدولتين، وهذا ما ظهر عبر إعلان إسرائيل البدء بإنشاء سكة حديد تربط السعودية بإسرائيل، ويعود ذلك إلى حساسية موقف السعودية كدولة كبرى في العالم الإسلامي، لذلك ستبقى معالم التنافس وخطوات الحرب الباردة وتهدئتها عندما تصل إلى مرحلة خطيرة مستمرة، ما دام الصراع على الهيمنة ومساعي تكريس القطب الأوحد بين روسيا والصين من جهة والغرب من جهة أخرى متواصلة.