عدم الاعتراف بما آلت إليه المرأة من عبودية وعجز ومحدودية في دورها هو في الوقت نفسه عدم تحقيق الرجل لطبيعته الذاتية، لذا على الرجل التقرب من قضية المرأة على أنها قضيته أيضاً، وعلى المرأة أيضاً ألا تتقرب من قضيتها على أنها قضية انتقام أو تحدٍّ، القضية قضية كينونة الإنسان بكامل تفاصيله الجوهرية والأخلاقية، لذا عليهما إدراك حقيقة العلاقة التكاملية فيما بينهما، وأهمية الاختلاف في الإنتاج والاستمرار.
تمتلك المرأة القدرة والإرادة القوية في خلق ذاتها، وخلق قوة شخصية الرجل، الذي ينمو بذرة في أحشائها، وينمو بفضل طاقة جسدها، وتحتويه بحضنها ليكبر يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام حتى البلوغ، وتبقى على ارتباطٍ معه، وتتابعه حتى آخر يوم في حياتها، المرأة ببيولوجيتها وقدراتها تضاهي الكون ذاته لكن الرجل الماكر أبدع في محاولاته العديدة، وبالسبل كافة إبعادها عن دورها الريادي في المجتمع، الذي بدأ منذ أن خلقت البشرية، ودامت لآلاف السنين حتى استطاع أن يحقق هدفه في انقلاب العهد الأبوي على العهد الأمومي وعمل بدلاً عنها، وأقنعها، وأوهمها بالخنوع والخضوع بديلاً عن كينونتها، والمرأة بدورها قبلت بذلك، وأن هذه الصفات أكثر استراتيجية لتأمين حياتها وإبراز وجودها، وأنها الصفات التي تضفي التكاملية الحقيقية على الرجل، و نسيت تاريخها العريق منذ نشأة الإنسان، وتجاهلت طبيعتها ووظيفتها البيولوجية، التي تكمل بها الجنس الآخر، حتى باتت المرأة بذلك أقرب للماسوشيين (المتلذذين بتعذيب رفاقهم لهم)، وأدت الدور الامتثال للمجتمع، و بالرغم من ذلك ظلت المرأة تؤدي دورها الأمومي في خلق شخصية الرجل والعمل على نضجه، وتقوية فكره حتى بلوغ الرشد.
وهنا تكمن المعضلة ويكون السؤال:
كيف يمكن للرجل أن يكون حراً، وقد تربى وكبر في حضن امرأة مكبلة ومفرغة جوهرياً من طبيعتها الطاهرة والعفيفة ومجردة من قدراتها الفطرية، والخارقة ومشبعة بثقافة الخضوع والخنوع والعبودية، إذاً هناك إشكالية تربوية ومجتمعية تبرز أمامنا لوحة بعيدة كل البعد عن الصورة الحقيقية، التي لا تمت لا للمرأة ولا للرجل بأي صلة، ولا أي وصف، فالقضية وجودية بكل معنى الكلمة؛ لذا أدعو كلا الجنسيين من خلال زاويتي هذه لثورة ذهنية مجتمعية عادلة بعيدة عن المواجهات العقيمة غير المجدية؛ لإعادة تصحيح مسار الحياة في علاقة المرأة والرجل من خلال (الحياة الندية)، والتي هي إحدى أبعاد الأمة الديمقراطية ليكملا بعضهم، ولتنتعش الحياة من جديد.