روناهي/ قامشلو- الحياة الريفية التي طوى عليها الدهر بقيَّ عبق ذكراها حي ينتعش بين الحين والآخر في مخيلة بعض قاطنيها, هناك حيث يكمن دفء القرب وأصالة الأجداد رغم صغر مساحاتها وقلة سكانها.
عرف الريف منذ القدم ببيوته الصغيرة المشيدة بدفءٍ قد انبعث من أيدي ساكنيها الذين جعلوا منها أجمل البيوت بالرغم من بساطتها, الطرق الغير معبدة على الأغلب, والمحفوفة بالعطاء, المساحات الصغيرة التي تفصل بيوتها عن بعضها دون أن تفصل بين قلوب أصحابها.
بالتعاون تُرسم أجمل صور التكافل الاجتماعي
“نسيجٌ ما بين الطفولة والشباب كنا, قلوب صغيرة مليئة بالأمل والبهجة, ونشاط شبابي مبالغ به لدرجة كبيرة, في الريف كنا جميعاً نعرف بعضنا, جميعنا ذي قربة مهما اختلفت بنا الأصول والشعوب, التكافل في الأفراح والمآسي على حدٍ سواء بين بعضنا البعض كان يعطينا القوة, كنا نزور بعضنا ونتعاون فنرسم أجمل صور التكافل الاجتماعي الذي كان يعوضنا عن نقص الخدمات في الريف”, هكذا عبرت الأم مكية زورو لصحيفتنا روناهي، وهي من سكان قرية “نيف” في وصف عميق منها عن حياتهم الريفية السابقة والتي كانت بالرغم من مشاقها تتخطى جميع أشكال التطور في سعادتهم وحياتهم الهانئة حينها، بحسب تعبيرها.
تقع قرية نيف غربي مدينة قامشلو على بعد حوالي 13 كيلو متر, حيث بنيت القرية على يد العائلتين المعروفتين باسم حسين صالح وتيلو منذ ما يقارب القرن, وتتكون القرية من 35عائلة.
المرأة في الريف.. كل عمل يخص عائلتها واجبها
أضافت مكية زورو إلى حديثها بالقول: “تزوجت في سن الثانية عشرة وانتقلت من قرية “طوبس” إلى نيف, حياتنا كانت بسيطة بالرغم من المشاق والمسؤوليات التي حملناها على عاتقنا رغم صغر سننا, فالنساء في القرية كنّ يتعايشن مع بعضهن كأنهن أخوات, إلى جانب ذلك كنا نحمل على عاتقنا واجب تقديم العون للرجل في أية عمل كان, كنا نتعاون معهم في الزراعة والفلاحة لقلة الآليات الزراعية حينها, كما في تربية المواشي, وفي البناء, ولم يكن هناك فروقات وتمييز بين ما على المرأة القيام به فكل عمل يخص عائلتها كان واجبها كما الرجل”.
ولأن المرأة الريفية كانت مثال المرأة الكادحة في اعتماد غالبية النساء على الموارد الطبيعية والزراعة لكسب لقمة عيشهن مما جعلهن مسؤولات أساسيات عن الأمن الغذائي والمعيشي مؤديات بذلك دوراً أساسياً في دعمهن لأسرهن ومحيطهن.
وبهذا الخصوص أشارت الأم مكية بالقول: “معظم دخلنا الغذائي كان من مواردنا الطبيعية كتربية الدواجن والمواشي والأغنام الذي كان يوفر لنا معظم حاجيات المنزل من بيض ولحوم وألبان وأجبان, كما الخبز الذي كنا نعتمد على محاصيلنا الزراعية في توفير الطحين لنخبز بأنفسنا على تنور القرية في حلقة نسائية تتعالى فيها الضحكات والبهجة”.
وأما بالنسبة للأعراس في القرية فقد كان الاحتفال بالزواج يدوم لأيام عدة على خلاف الوقت الحاضر, كان يُجمل الأعراس الشبان والشابات على مدار أيام يصل بعضها إلى الأسبوع, كل شيء في السابق كان له هيبته الخاصة في نفوس قاطني الريف, جلسات المسنين والنسوة, ألعاب الأطفال الغربية, وبهجة الأعياد مع أول إشراقةٍ للشمس، كلها كانت ذات معانٍ خاصة لهم.
كما أن كل قريةٍ في السابق كانت تمتلك غرفة شاسعة المساحة تعود إلى بيت المختار، حيث كانت مخصصة لاستضافة الزوار الغرباء، بالإضافة إلى أنها كانت مجلس السهر اليومي لديهم, حيث كان يحضر إليه جميع الرجال في القرية عند المساء, وكان يحضر معهم رجل أو شاب لتقديم القهوة الذي يعرف باسم (القهوجي), كما كانوا يلقون الشعر أو يغنون أن وجد بينهم من يتمكن من ذلك.
في ذات السياق ألتقينا مع كثومة أحمد أيضاً من سكان قرية نيف، والتي عبرت بدورها عن أيام شبابها في الريف والحياة الهانئة آنذاك حيث قالت: “ولدت وتزوجت في ذات القرية وفي ذات المحيط الهادئ بالنسبة لحياتنا في السابق, في الصباح كان من أولويات مهامنا سحب الماء من البئر بالدلو, خلافاً لصعوبة هذا الأمر في الوقت الحاضر فقد كانت حينها من أسهل الأمور التي كانت تقوم بها المرأة الريفية, من ثم تخبز الخبز الطازج منذ الصباح”.
“واجهنَ كل الصِعاب بالنشاط”
واستكملت كثومة أحمد حديثها: “بيوتنا التي نقطنها إلى أيامنا هذه كنا من أوائل الأيادي التي ساعدت في تشييدها إلى جانب الرجال, حيث كانت حياة المرأة الريفية أصعب من حياة الرجل في الريف, فالرجل وعلى وجه الخصوص في السابق كان يؤدي دوراً واحداً مقارنةً مع المرأة التي كان دورها أساسي في دعم أسرتها ومحيطها من أجل تحقيق الأمن الغذائي، وريادتها في تأمين دخل بمشاركتها مع الرجل جنباً إلى جنب في كافة الأعمال, لتحسين سبل المعيشة الريفية والاهتمام بالمصلحة العامة للأسرة”.
واختتمت كثومة أحمد حديثها مشددةً على أن النساء الريفيات كنّ يسهمن في الزراعة وتربية المواشي والأعمال الريفية إلى جانب الأعمال المنزلية, مؤكدةً بأنه مع هذا كله كانت النساء الريفيات قويات واجهن كل الصعاب بالنشاط الكامل وبذلن كل ما بوسعهن من أجل تحسين حياتهن وحياة من حولهن”.