تجلس خضرة السواركة امرأة في العقد الثامن من عمرها، وسط معرض نجلها بأحد أحياء مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، متأملة بيوت الشعر وعدة أعمال من الصوف حولها كانت قد أتمتها ليتم عرضها وبيعها للناس التي تستهويها في حياة الصحاري.
وسط حنينها لتلك الأيام بدأت خضرة السواركة حديثها، وهي تصف مدى رغبتها بالعودة إلى العمل في رعاية الأغنام بين قبيلتها ونمط حياتهم البسيط الهادئ، بعيداً عن صخب المدينة والهواتف الذكية التي احتلت المنازل، وساهمت في تغيير هوية الأفراد.
ولدت خضرة السواركة في الصحراء وتربت بين المواشي والجمال والخيول، فكان نمط حياة النساء بسيط تستيقظن في الصباح الباكر وتعجن الطحين ثم تقمن بخبزه على الصاج، لتصطحبن معهن كزاد على الطريق خلال رحلتهم في رعي الأغنام بالمراعي والأراضي الخضراء التي تستغرق 9 ساعات تقريباً وتكون ضمن جماعات من الفتيات.
وأوضحت أن رحلة الرعي تبدأ كل يوم صباحاً منذ مشرق الشمس وتنتهي في العصر وخلال تلك الفترة الطويلة تأخذ الراعية قسطاً من الراحة، فربما تغفو في منطقة آمنة وتتناوب بقية من معها من النساء لحراستها والقطيع، أو تتناول الطعام الذي يكون عبارة عن الجنبة أو الغموس المكون من مزيج رغيف الصاج مع الحليب الذي تحلبه من الغنمة التي ترعاها.
وأشارت إلى أن المشاركة هي نهج في حياتهن فيتقاسمن وجبة الطعام وسط تبادلهن لعدد من الأحاديث التي تتمحور حول القبيلة ونمط الحياة وصعوبة مهنتهن، وتتقايضن لتلبية احتياجاتهن فالمال ليس له أهمية كبيرة في ظل امتلاكك لشيء ذو قيمة تستطيعين استبداله مع أخرى بما يلزمك.
مواهب متعددة
ولفتت إلى أنهن خلال عملية الرعي كنَّ يمتهنَّ غزل الصوف اليدوي، الذي قد تصل مدة إنتاج القطعة الواحدة منه ربما ثلاثة أشهر، فيتركن المواشي ترعى ويتسابقن من منهن ستنهي القطعة التي بدأتها أولاً.
وقالت أنه بالرغم من مشقة تلك الأيام إلا أنها تفتقد الطمأنينة التي كانت تشعر بها حينها، ونمط الصحراء الذي يجبر الفتاة أن تتعلم صنع كل شيء بيدها خلاف الأيام الحالية, فتخيط ملابسها بنفسها، وتحصل على الحليب من أغنامها لتصنع منه الجبن واللبن والسمن، وتعد من صوفه الأريكة التي تجلس عليها وتوقد النار من الحطب، وتحفظ اللحوم بطريقة ما كي لا تتلف.
وأكدت على اعتماد الفتاة على نفسها في البادية منذ نعومة أظافرها نظراً لظروف البيئة القاسية التي تفرض على سكان الصحاري التعايش معها بطريقة أو بأخرى، وأنها كانت قبل نكبة فلسطين تعيش برفقة عائلتها وعدد من القبائل البدوية في قرية روبين التي هُجّر سكانها منها وبني عليها عدد من المستوطنات اليهودية، لتنتقل إلى قطاع غزة.
وأوضحت إنها حملت معها إلى غزة خيمتها وأنعامها وظلت ترعي الأغنام، حتى بعد أن أصبح لديها عائلة كبيرة مكونة من إحدى عشر ابن وابنة، لافتةً أنها اعتادت على الترحال من مكان لآخر وفق لمكان تواجد الماء والخضرة منذ نعومة أظافرها، فاعتبرت غزة مدينة جديدة تصلح بيئتها لرعي أغنامها، وفي يوم ضاق الحال عليها فاضطرت لبيع مواشيها كي تنفق على علاجها واتجهت للعمل في الصوف وبيوت الشعر.
وقد علمت خضرة السواركة بناتها وحفيداتها كل ما تعلمته من حياة البادية من صنع المأكولات والمنسوجات، فأصبح لديهن دخل خاص بهن، وهذا ما تعتبره إنجازها الصغير، فقد أنشأت نساء قويات مستقلات مادياً، كما علمت أبنائها الفتيان مهنة إعداد الخيم من الشعر وساعدتهم من خلال المنتوجات التي صنعتها خلال الأعوام الماضية على فتح معرض يعتبر اليوم قُبلة مُحبي الحياة البدوية بغزة.