ماهيّة الحماية الجوهرية ودورها في بناء مجتمع أخلاقي وسياسي وتصديها للهجمات الخارجية والداخلية في ظلِّ حرب الشعب الثورية؛ كان ولا يزال مستمراً بجهود حثيثة من قِبل أبناء المجتمع فهذا المفهوم من أهم ثمار ثورة 19 تموز على مدار سنواتها الـ 12، والذي ترسّخ بتضحيات آلاف الشهداء.
نظّم اتحاد مثقفي مقاطعة الطبقة بالتنسيق مع قوات الحماية الجوهرية في الطبقة ندوة حوارية لشرح مفهوم الحماية الجوهرية وأهميتها وحمل حماية المجتمع على عاتق كل أفراده، أُديرت الندوة من قبل الديوان المُشكل من الإداري في وحدات حماية المجتمع بمقاطعة الطبقة “ميلاد فارس” وإدارية مكتب المرأة في وحدات حماية المجتمع بمقاطعة الطبقة “كينيش عفرين“، وذلك في قاعة مركز الثقافة والفن بمقاطعة الطبقة في السابع من شهر أيلول الجاري، حضر الندوة جموع غفيرة من مثقفي المقاطعة، وأعضاء وعضوات قوات الحماية الجوهرية ومجلس تجمع نساء زنوبيا وقوى الأمن الداخلي، وتم التطرّق لدور الحماية الجوهرية بحماية مكتسبات الثورة، وشرح مفهوم الحماية الجوهرية وكيف استطاعت التصدي للحروب الداخلية الخارجية ووجوب انخراط أبناء المجتمع في قوات الحماية الجوهرية وتم فتح باب النقاش أمام الحضور، واختُتمت الندوة بترديد شعارات “لا حياة بدون القائد” و”عاشت مقاومة الشعوب”.
الحماية الجوهرية في حرب الشعب الثوريّة
الدفاع المشروع أو الحماية الذاتية هو دفاع مقدس وواجب كل فرد من أفراد المجتمع والذي يحافظ بها على وجوده، فالدفاع من أجل القيم والمبادئ يعتبر حقاً مشروعاً، ومن دونه؛ فإن موضوع الحياة والهوية سيكون على المحك، والشعوب عبر التاريخ كانت دائماً في وجه الطغاة والمستبدين الذين يهدفون إلى السلب والنهب والقتل والصهر والإبادة للهوية والقيم.
وفي هذا الصدد؛ قال الإداري في وحدات حماية المجتمع في مقاطعة الطبقة “ميلاد فارس“: “يقع على عاتق كل شخص في إقليم شمال وشرق سوريا نتيجة الأخطار التي تُهدد مناطقنا على الصعيدين الداخلي والخارجي من قبل الدول الرأسمالية والسلطوية بسعي هذه الأنظمة المستمر لطمس هويتنا وثقافتنا المبنية على أُسس تاريخية أخلاقية عريقة، لكن ما يزعجهم أكثر إن مشروع الأمة الديمقراطية هو مشروع ينافي السلطة والديكتاتوريات، هذا المشروع يدعو لحرية جميع الشعوب ضمن مبدأ أخوّة الشعوب”.
وأردف: “مناطق إقليم شمال وشرق شوريا تعرضت لهجمات كثيرة ومتكررة بدءاً من داعش والمجموعات الأخرى، لم نستطع التصدي للهجمات لولا وجود قاعدة أساسية في مبدأ الحماية ليكون الشعب يداً واحدة، فمبدأ الحماية الجوهرية يدعو إلى ترسيخ الثقافة الواحدة بمبدأ الأمة الديمقراطية، وبناء منظومة دفاعية واحدة مبنية على أسس العدالة والمساواة والتصدي للخطر، والمحافظة على قيم المجتمع هي غاية مطلوبة ومرجوّة من جميع المؤسسات”.
وحدة شعوب شمال وشرق سوريا واليقظة الدائمة كانت وما زالت من أهم أسباب النجاح في الدفاع عن المنطقة والوجود، أشار فارس إلى ذلك: “من خلال المنظومة الدفاعية يمكن التصدي لكل الهجمات التي تستهدفنا في الوقت الحالي، في السابق أيضاً تصدينا لكل الهجمات من مرتزقة داعش عندما هاجموا كوباني رأينا مفهوم الحماية الجوهرية كان واضحاً والتفاف الجماهير حول حركة التحرر الكردستانية ومبدأ الدفاع، فكان هناك تنسيق متكامل بين المجتمع والقوات العسكرية، هذا ما سنح للتصدي لهجوم مرتزقة داعش والقضاء عليه، حيث كانت أول خطوة لانهيار هذه المرتزقة المدعومة عالمياً”.
وفي ختام حديثه؛ نوه الإداري في وحدات حماية المجتمع بمقاطعة الطبقة “ميلاد فارس” إلى ضرورة تكاتف الجهود واليقظة من الجميع: “مفهوم الحماية لا يقتصر فقط على قوات الحماية الجوهرية، بل هذا حمل على كافة مكونات المجتمع، حتى القوات العسكرية؛ لأن القائد عبد الله أوجلان بدأ الحركة بالجوهرية السرية، لكن الظروف الحالية فرضت علينا أن نكون علنيين، هذا لا يمنع ولا يعني أن نكون لجان جوهرية سرية من أجل كشف الأخطار المحيطة بمجتمعنا ومناطقنا للتصدي لهذه الأخطار بحسب نوع الهجوم”.
الحماية الجوهرية ودورها في بناء مجتمع ديمقراطي
اتخذ نظام الإدارة الذاتية منذ تأسيسه في السابع من أيلول لعام 2018 من الحماية الجوهرية أساساً وركيزة لدفاع الشعوب المشروع عن حقوقها.
وبدوره؛ قال الكاتب والناشط في مقاطعة الطبقة “أسامة الأحمد“: “يكتسب مفهوم الحماية الجوهرية من الناحية النظرية والعملية أهمية بالغة في البناء والتأسيس لمجتمع حر ديمقراطي قادر على إدارة نفسه بنفسه ويعبّر عن هويته الأصيلة وامتلاكه كافة المقومات التي تُظهِر صورته الحقيقية، فالحماية الجوهرية كمفهوم عملي تعني أن المجتمع واعٍ تماماً للحفاظ على هويته وحاضره لبناء مستقبل أفضل”.
الدور المنوّط بقوات الحماية المجتمعية دور هام وعلى المستوى العام الفكري والأمني والمؤسساتي، أشار فارس لهذه النقطة: “الحماية الجوهرية هي مفهوم فكري ومعرفي إشارته الأولى نضج المجتمع وقدرته على الحفاظ على مكتسباته وبناء غد مُشرق، وهذا تماماً يُلغي دور السلطات الاستبدادية، فمجتمع غير قادر على حماية نفسه وهو مجتمع يفتقر للأصالة فيصبح المجتمع لقمة سائغة أمام الاستبداد والأنظمة السلطوية، فمن الضروري أن يتم التعريف عن عمق بمفهوم الحماية الجوهرية ولا يتم أخذه على أنه فقط مفهوم أمني أو عسكري يقوم على حماية الأفراد والتجمعات، بل يتخذ أبعاد أعمق وأقوى”.
وفي الختام تطرق “أسامة الأحمد” لأهمية ودور ترسيخ مفهوم الحرب الثورية ومفهوم وثقافة الحماية المجتمعية: “إن أي رقعة جغرافية معرضة للخطر بدون مفهوم الحماية الجوهرية وبدون حرب الشعب الثورية، فالمجتمع بدون هذه الركيزتين يُبدي عجزه، باتحاد مفهوم الحماية الجوهرية وحرب الشعب الثورية يصبح المجتمع ناضجاً فكرياً ومعرفياً ومتماسك ومتلاحم قادر على الدفاع عن نفسه وحماية مكتسباته”.
والجدير بالذكر أن قوات الحماية الجوهرية في مقاطعة الطبقة تأسست في النصف من العام 2022، وأخذت دورها منذ ما يقارب عام بعد ما تم تشكيل دعائمها وخطوها بشكلٍ صحيح.