بعد أشهر قليلة نسدل الستار على العام العاشر من بداية الأزمة السورية، التي بدأت بمطالب شعبية كانت في متناول الأيدي، ولو تحقق الجزء اليسير منها لما وصلنا نحن السوريين إلى ما فيه الآن، من قتل ودمار وتشريد وهجر وفقر واحتلال للمدن والأراضي السورية من قبل الدولة التركية المحتلة، إبان التوافقات بينها وبين الروس تارةً، وبينها وبين الولايات المتحدة تارةً أخرى، نتيجة صراع المصالح التي تتخذها تلك الدول في تحقيق مآربها مهما كانت تضحيات الشعوب، فأصبحت الساحة السورية ساحة صراع دولي لقوى الهيمنة العالمية، التي تصادر القرارات الأممية والدولية وتفعل ما تريد دون رادع.
وعلى الرغم من كل ما يجري على الساحة في سوريا لا زالت الحكومة السورية تتعامل مع السوريين بذات الأسلوب والمنهج الذي كانت تتخذه قبل أحداث 2011، وكأنها تعيش في كوكب آخر متخذة من نظرية المؤامرة الكونية والتستر خلفها طريقةً للتعامل مع الأزمة المستفحلة منذ عشر سنوات، وهي تعلم تماماً أنها هي من أوصلت الأمور إلى هذه المراحل الكارثية، نتيجة تعنتها في المفاوضات التي تخص الحلول داخلياً وخارجياً، وعدم الاستماع للأصوات التي تسعى للحل السياسي والسلمي، والكل يجمع على أنه أفضل الحلول لإنهاء المعضلة السورية.
والتصريحات المتكررة لأركان الحكومة السورية وعلى رأسها بشار الأسد ضد الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، ومجلس سوريا الديمقراطية، وقوات سوريا الديمقراطية، واتهامها بالانفصال والخيانة والعمالة لهذا وذاك، إن دلت على شيء إنما تدل على تلك الرؤى الضيقة وغير المنطقية للأمور، وتدل على الغباء والتسلط، وهم يعلمون تماماً بأن إدارة سوريا بأكملها خرجت من أيديهم، وهناك قوى إقليمية ودولية هي من تتحكم بزمام الأمور وتديرها خلف الكواليس، وأن الحكومة السورية ما هي إلا بيادق شطرنج يتحكم بها هؤلاء. ومن الصفاقة اتهام من دافع عن الأراضي السورية وحررها من رجس الإرهاب الدولي، بالانفصال والعمالة، وكان على الحكومة السورية العمل على فتح الحوار مع الإدارة الذاتية، ومجلس سوريا الديمقراطية، وقوات سوريا الديمقراطية، لأن ما تبقى من سوريا سالمة لم تطلها يد الدمار هي المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية شمال وشرق سوريا، ومن حرر وطرد الغزاة هم أبناء هذه المنطقة، الذين دافعوا عن سوريتهم وعن أرضهم بكل بسالة ونكران للذات، وضحوا بالآلاف من الشهداء في سبيل ذلك، وهذا ما تدركه الحكومة السورية ذاتها.
ومع ذلك فإن مجلس سوريا الديمقراطية منفتح على الآخر ويطالب جهاراً نهاراً الحكومة السورية بالجلوس للحوار والوصول إلى الحلول لجميع المشاكل العالقة بين الطرفين، وعلى مسؤولي الدولة عدم المماطلة وغلق الأبواب أمام الحوار مع الإدارة الذاتية، لأن السوريين هم المعنيون بحل الأزمة السورية بالدرجة الأولى، وبخاصة أن المجتمع الدولي غير مهيئ على الأقل في هذه الأوقات بالضغط على الأطراف الفاعلة في الصراع السوري، وغير جاد بإيجاد مخرج لإنهاء معاناة السوريين وهو غير مبالٍ بما يجري في المدن السورية المحتلة من قبل تركيا ومرتزقتها، لهذا فإن الحوار بين الإدارة الذاتية والحكومة السورية ضروري، إن كان مبيناً على الصدق والعمل الجاد والاعتراف بالإدارة الذاتية ومشروعها الديمقراطي، والكرة الآن في ملعب الحكومة السورية ومدى تفهمها لفكرة تقبل الآخر وتعايش الشعوب، والاعتراف بحقوق الجميع.