سياسية - اجتماعية - ثقافية - عامة، تأسست عام 2011

“الحزام المحيطيّ” اتفاقٌ لم تنتهِ صلاحيته

تحقيق/ رامان آزاد –

لا اختلاف كبير على المستوى الفكريّ في توجهات حكوماتِ أنقرة المتعاقبة، والفارقُ هو عمليّ، يتأرجحُ بين الإقدامِ والإحجامِ وسياسةِ الابتزازِ، ورغم أنّ السياسة التركيّة مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة قد شهدت متغيرات كبيرة في مستوى المبادرة، إلا أنّها بالوقت نفسه تؤكّد أنّها بصددِ تحقيقِ طموحاتٍ تاريخيّةٍ، وعلى مستوى العلاقة مع إسرائيل مازالت أنقرة ملتزمةً بمضمونِ اتفاقِ الحزامِ المحيطيّ (بن غوريون- مندريس) عام 1958.
البحثُ عن الحليفِ
من غير الممكن تفهّم دوافع أنقرة لإقامة علاقات إيجابيّة مع إسرائيل إلا في ضوء المراجعة التاريخيّة، لاستقبال الدولة العثمانيّة لليهود الوافدين من أوروبا والتركة العثمانيّة لقادة الجمهوريةِ التركيّة المتمثلة بالميثاق الملليّ التي تجاهلتها مقررات معاهدة لوزان 24/7/1923، تلك المعاهدة ساهمت برسم خريطة الشرق الأوسط الذي نعرفه اليوم. ففي لوزان، رسمت الدولة التركيّة حدودٌ تنذرُهم بتناقضات مستقبليّة على كامل مسارها، ففي الشمال البحر الأسود حيث الاتحاد السوفييتي، وإلى الجنوب الامتداداتُ الجغرافية القديمة للاحتلال العثمانيّ، داخل المنطقة العربيّة وكذلك الحال غرباً ومشاكل الجزر والمياه الإقليميّة مع اليونان.
كان ثقل الوجود السوفييتي أولوية، ثم الأزمات الحادة مع سوريا والعراق ثانياً، وهو ما دفع الأتراك للبحثِ عن حليفٍ دائمٍ، فوقع الخيار على الولايات المتحدة الأمريكيّة. ويذكر أنّه وراء كواليس لوزان نفسها، أجرى عصمت إينونو، رئيس الوفد التفاوض التركيّ، محادثات موازيةً ومنفردةً مع البعثة الأمريكيّة لتدشينِ تحالفٍ استراتيجيّ.
حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلّت المساعدات الأمريكيّة المقدّمة إلى تركيا على مستوى الدعم الماليّ والتسليح أقل من توقعات الأتراك، ما دفعهم للبحثِ عن وسيطٍ له وزنٌ نوعيّ من شأنه التأثير في دائرةِ صناعةِ القرار في البيت الأبيضِ والكونغرس، فكانت إسرائيل هي الهدفُ ومعها اللوبي اليهوديّ في الولايات المتحدة. وهكذا، كانت تركيا أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل في 28/3/1949 أي بعد عام واحد من إعلان قيام إسرائيل، ورفعت أنقرة مستوى تمثيلها الدبلوماسي في تل أبيب إلى مستوى السفارة، وفي 3/7/1950 قدّم سيف الله إسين أوراقَ اعتماده لحاييم وايزمن كأول سفير تركيّ في إسرائيل. وكان الاعتراف التركيّ بإسرائيل مفاجئاً حينها، فقد صوّتت تركيا إلى جانب العرب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد قرار تقسيم فلسطين في 29/11/1947.
فأنقرة استدركت خطأ تصورها بالتصويت ضد قرار التقسيم، إذ اعتبرت إسرائيل حليفة لموسكو، ولكنها ما أن تيقنت أنّ إسرائيل تمثل إرادة الغرب الليبرالي، وحليفة الولايات المتحدة الوثيقة ضد الشيوعيّة السوفيتيّة. حتى انقلبت إلى الاعتراف بإسرائيل، لتكونَ ممرَ الوصولِ إلى قلبِ واشنطن وعقلها.

 

 

 

 

 

 

الحزام المحيطي واتفاق الشبح
إسرائيل التي أُعلن عن قيامها في 14/5/1948 فوق الأراضي الفلسطينية، كانت نقطة عبريّة وسط محيطٍ عربيّ واسعٍ، ورغم الدعمِ الغربيّ (البريطانيّ والأمريكيّ) الكبير لها، فقد أدرك قادتها أنّهم يعيشون مأزقاً جغرافيّاً صعباً، وحصارٍ عن بيئةِ المنطقة، فتطلعت إلى كسرِه عبر تحالفاتٍ مع قوى تتشارك معها نفسَ الخصومةِ تجاه العربِ، بأخذِ الظروفِ التاريخيّةِ للمنطقةِ بالاعتبارِ.
في الرؤية التي صاغها ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة إسرائيليّة، ومعه صديقه إلياهو ساسون، تمَّ التأكيد على أنّ إسرائيل يُمكنها النجاة من الحصارِ العربيّ الخانق، عبر التعاون مع الأقليات العرقيّة والدينيّة بالمنطقة، وتشكيل تحالفاتٍ واسعةٍ مع قوى طرفيّة تقعُ في تماسٍ مع العالم العربيّ مثل تركيا وإيران، أو لها قدرةُ التأثير السلبيّ عن بُعدٍ مثل إثيوبيا. وأُطلق على رؤية بن غوريون وساسون اسمُ “الحزام المحيطي”، لأنّها تستخدمُ دولاً تحيط بالعالم العربيّ تماماً من الشمال والشرق والجنوب.
وفق “الحزام المحيطيّ”، تحتل تركيا موقعاً مركزيّاً، وأدركت إسرائيل أنَّ القدسَ ليست قضية دينيّة أو قوميّة بنظر الأتراك مثل العرب، واستندت للعلاقةِ التاريخيّة الجيّدة بين اليهودِ والأتراك، والعداءِ المتأصل بين الأتراك والعربِ نتيجةَ الاحتلالِ لأربع قرون، وكذلك رغبة أنقرة الملحّة بالحصول على دعم الولايات المتحدة، كل ذلك سيجعلُ تركيا حليفاً دائماً وموثوقاً لإسرائيل.
كانت نبوءة بن غوريون وساسون صائبة، فبعد الاعتراف التركيّ بإسرائيل، فاز عدنان مندريس زعيم الحزب الديمقراطيّ، برئاسة الحكومة التركيّة، وسرعان ما أبدى مندريس نيته الدعم المطلق لإسرائيل ضد العرب، وذلك لتحقيق غرضين، الأول دعم علاقاته بواشنطن، والثاني مواجهة ما كان يراه توغلاً سوفيتيّاً في دول الجوار العربية، وبخاصة سوريا.
قام رئيس الوزراء الإسرائيليّ ديفيد بن غوريون بعدة زيارات سريّة إلى تركيا، كان أهمها في 29/8/1958 حيث التقى رئيس الحكومة التركية عدنان مندريس، تحوّل ذلك الحزام إلى اتفاقٍ شفهيّ منبثق عن اجتماع سريّ بين عدنان مندريس وبن غوريون، وعُرف لاحقاً باسم “الميثاق الشبح”، نظراً لطبيعة السريّة الكاملة التي فرضت على تفاصيله وقت الاتفاق. (بدأت فكرة “ميثاق الشبح” أو “التحالف المحيطي” مجرد تنظير في شكلِ محاضرات ومذكرات قبل عام 1948). أرادت أنقرة أن يبقى الاتفاق مع إسرائيل سريّاً، وتذكر الباحثة الإسرائيليّة عفرا بنغيو في كتاب نشرته بالإنكليزيّة أنَّ إسرائيل قد استخدمت في وثائقها كلمة “تحالف” بدلاً من “اتفاقية” للدلالة على الأهمية التي تعطيها لهذا الاتفاق. ولا تعترف رئاسة الأركان بوجود الاتفاقية، فيما تقول وزارة الخارجيّة التركية إنّه لا يوجد أيّ اتفاق مع إسرائيل يسبق الاتفاق الذي وقّع في 3/11/1994.
علاقة تنافع وعضوية الناتو
عام 1951 اصطفت تركيا مع القوى الغربيّة ضد قرار مصر إغلاق الممر الملاحيّ لقناة السويس أمام السفن الإسرائيليّة. وفي حزيران 1954، وأثناء زيارة رسميّة له إلى واشنطن، قال عدنان مندريس أمام الصحافيين إنّ “الوقت حان ليعترف العرب بحق إسرائيل في البقاء”.
انطوتِ العلاقاتُ التركيّة الأمريكيّة والأوروبية، على أهميةٍ كبيرةٍ دوماً، بغضّ النظر عن الأحزابِ الحاكمةِ في البلاد وتوجّهاتها السياسيّة، خاصة منذ انضمام تركيا إلى حلف الناتو في 18/2/1952 بعد المشاركة في الحرب الكوريّة إبان حكم عدنان مندريس، وتحوّلِها إلى سدٍّ أمام خطر الشيوعيّة (الاتحاد السوفيتي) وطموحات التوسّع خلال فترة الحرب الباردة. وتواصل التعاون التركيّ الإسرائيليّ بعد الانقلاب العسكريّ في تركيا والإطاحة بمندريس عام 1960، واعترفت إسرائيل بالجنرال غورسيل، واستمرتِ اللقاءات الاستخباراتية العسكرية بمعدلِ مرتين بالعام.
بعد الحرب بين تركيا واليونان عام 1963، شعرت أنقرة بخذلان لندن وواشنطن لها وظهرت بوادر توتر في علاقات تركيا بإسرائيل عام 1964 بسبب عدم تصويت إسرائيل إلى جانب تركيا في الأمم المتحدة بشأن الأزمة القبرصيّة، فاتجهت تركيا نحو العرب ولكن التعاون العسكريّ استمر حتى عام 1966 موعد الانتهاء الرسميّ لهذا التعاون.
حافظت تركيا على الازدواجية منذ أواخر الستينات حتى أواخر الثمانينات، والتزمت موقف الحياد في حروب العرب مع إسرائيل في حرب 5/6/1967 وحرب 6/10/1973، وفتحت علاقات مع منظمة التحرير الفلسطينيّة عام 1975، واعترفت بدولتها بالمنفى عام 1988، وكان بمقابل تأييد العرب حصلت على النفط خلال السبعينيات، وصوّتت في 1975 على قرار الجمعية العامة 379 الذي يساوي بين الصهيونيّة والعنصريّة، وصوّتت ضد قرار اتخاذ القدس عاصمة لإسرائيل عام 1980، ورغم ذلك استمرت في علاقاتها الدبلوماسيّة.
في 23/2/1996 وقّعت إسرائيل وتركيا اتفاقية شراكة استراتيجيّة، وقد كان للعسكر دور فيها حيث وقّع عليها رئيس الأركان الجنرال شفيق بير، وبدأت الاتفاقيات السريّة السابقة تظهرُ للعلن.
اتخذت أنقرة مواقف استيعابيّة للمتغيرات الكبرى مثل انهيار الاتحاد السوفياتي وحرب العراق عام 1991، فأعادت النظر في دورها في النظام العالميّ الجديد، ومكانتها ضمن حلف الناتو، وسعت للسلام بين العرب وإسرائيل”، والمفارقة أن اتفاق 1996 لم يأتِ تتويجاً لعملية السلام، بل جاء بعد أن انتهى الأمل منها بمقتل إسحق رابين في 1995 وتولى نتنياهو الحكومة الإسرائيليّة. وتوالتِ الأحداث بالمنطقة في العراق، والانسحاب الإسرائيليّ من لبنان، وإعادة التموضع في فلسطين (الضفة وغزة)، ثم سوريا وحرب تموز 2006 وحربي غزة في 2008 و2014، إلا أنّ العلاقات العسكريّة لم تتوقف.
وكسبت علاقات تركيا مع الغرب دفعاً جديداً على جميع الأصعدة في عهد “تورغوت أوزال”، الذي شغل منصبي رئيسي الوزراء والجمهورية، ولعبت سياسة “اللبْرَلَة” التي انتهجها دوراً كبيراً في هذا المنحى، وفتحت أبواب مؤسسات الدولة على جماهيرَ عريضةٍ بعد أن كانت حكراً على فئة معينة من النخب، والأقليات الأجنبية، بوجه أخص.
أردوغان جولة البحث عن الشرعيّة
لم يتغير هذا التقليد في عهد أردوغان، على عكس المتوقع، بل إن علاقات تركيا مع أمريكا وأوروبا وصلت إلى أوجها في عهده، إلى جانب علاقاته الشخصية والحزبيّة منذ بدء مشواره السياسيّ. وبات جلياً أنَّ علاقات أردوغان الشخصيّة والحزبيّة مع الإدارة الأمريكيّة والدول الأوروبيّة بدأت قبل وصوله إلى سدة الحكم في تركيا عام 2002. فتجاوز كلّ العقبات السياسيّة والقانونيّة للوصول إلى السلطة في بلاده عبر إشاراته المتواصلة إلى أمريكا والدول الأوروبيّة كمرجعيّة لشخصه وحزبه وبرامجه السياسيّة، والزياراتِ المكوكيّة التي أجراها إلى العواصم الغربيّة لكسر الحظر القانونيّ على ممارسته السياسة بسبب قصيدة شعريّة أنشدها في لقاء جماهيريّ قالت المحكمة العليا حينها أنها تؤجِّج مشاعر الكراهية والعداوة بين المواطنين.
إعلان أردوغان التخلي عن النهج الإسلاميّ لأستاذه نجم الدين أربكان، زعيم حزب الرفاه المنحلّ من جانبٍ، واتخاذَه أمريكا وأوروبا ومعاييرَهما الديمقراطيّة مرجعيّة لشخصه وحزبه من جانبٍ آخر، ضَمِن له الحصول على دعم الجماهير العريضة المحافظة، إلى جانب النخب المثقفة “الديمقراطيّة” والليبرالية. وهذا ما ساعده في تلميع صورته في العالم العربيّ والإسلاميّ والغربي أجمع.
كان أردوغان ورفاق دربه عرّفوا حزبهم الجديد في وثيقة برنامجه العام بأنّه “حزب جماهيريّ محافظ ديمقراطيّ”، وسعى لإزالة مخاوف العلمانيين والمؤسسة العسكرية حول احتمال اتباعه نهجاً إسلاميّاً بالحكم، وحرص في بدايات حكمه على عدم استخدام خطابات وشعارات إسلاميّة لطمأنة الفئة التي تعتبر نفسها مؤسِّسة “تركيا الحديثة”. ولا شكّ أنّ زياراته للولايات المتحدة قبل تأسيس حزبه ومشاركته في يوم الاستقلال الأمريكيّ في 4/7/2001، أي قبل شهر واحد من إعلانه عن تأسيس حزبه في 14/8/2001، تلبية لدعوة خاصة تلقاها من الإدارة الأمريكيّة، ولقاءاته مع اللوبي اليهوديّ، وتكريمه بجائزة “الشجاعة الفائقة” اليهوديّة، واجتماعه مع مسؤولين أمريكيين عن الملف التركيّ، ومسؤول مكتب الاستخبارات الأمريكيّة عن الملف الكرديّ “هنري باركي”، وواضع مصطلح “الإسلام المعتدل” “جرونت فلار”، والسياسي اليهوديّ الأمريكيّ ريتشارد نورمان بيرل، أحد أقطاب المحافظين الجدد، وغيرهم، بالإضافة إلى الزيارات إلى العواصم الغربيّة.
نموذج للتصدير
روّج أردوغان وشركاؤه المؤسسون لحزب العدالة والتنمية، والذين كانوا أعضاء سابقين في حزب الرفاه الإسلاميّ بأنهم المجددون، وحققوا تقدماً سياسيّاً واقتصاديّاً، تحت شعار “صفر مشاكل” وفي السياسة الخارجية اعتمدوا نهجاً يقوم على “القوة الناعمة” بدل الصدام ما مكّنهم من عقد علاقات مع دول المنطقة والعالم، بما فيها إسرائيل، وخلال عقد من الحكم ثبتوا مصطلح “النموذج التركيّ” الذي يشير إلى الجمع بين “الإسلام” و”الديمقراطية” بآنٍ واحدٍ.
استقطب أردوغان بخطابه الشعبويّ الإسلاميّ الذي تربّى عليه أصلاً، واعتمد عليه بكثرةٍ في تلميعِ صورته، ورصّ صفوفِ مؤيديه، بالداخلِ والخارجِ. فكانتِ القضيةُ الفلسطينيّة إحدى أهم القضايا التي ركّز عليها لكسب المنطقة العربيّة، وشهد العرب جملة من المواقف القوية والتصريحات الناريّة مثل انسحاب أردوغان من مؤتمر دافوس في ٣٠/١/٢٠٠٩ بحضور شمعون بيريز، والتصريحات التصعيديّة بعد العدوانِ الإسرائيليّ على أسطولِ الحرية وسفينة مرمرة لكسرِ الحصار عن غزة في ٣١/٥/٢٠١٠، ومقتل 10 ناشطين أتراك كانوا على متن السفينة، ومثلها أيضاً قول أردوغان “القدسُ خطٌ أحمر” في كلمة له في ١٤/١١/٢٠١٧ أمام القمةِ الطارئةِ لمنظمةِ التعاونِ في إسطنبول، رداً على إعلان ترامب نقل السفارة الأمريكيّة إلى القدس. وسادت خطاباته نبرة إسلاميّة متشددة راديكالية، لزيادة رصيده في العالم العربيّ والإسلاميّ. وتجاوز العرب عن زيارة أردوغان إلى قبر بن غوريون ووضعَ الزهور عليه عام ٢٠٠٥.
لم تتجاوز مواقفُ أنقرة إزاء إسرائيل والقضية الفلسطينيّة، الزوابع الإعلاميّة والمواقفِ الاستعراضيّة لن تؤدّي إلى حلِّ القضية الفلسطينية الشائكةٍ المعقّدة، واقتصرت على صنعِ انتصاراتٍ شخصيّةٍ على شكلٍ فقاعاتٍ طارئةٍ. فقد استقبل الأتراك أردوغان بعد دافوس بطلاً قوميّاً وإسلاميّاً، ورغم التوتر الذي ساد الخطاب السياسيّ والإعلاميّ فقد استمر التنسيق وعلاقات التبادل التجاريّ والتعاون العسكريّ والأمنيّ، واعترف أردوغان بالقدسِ عاصمةً لإسرائيل في ٢٨/8/٢٠١٦، وضمن صيغة اتفاق التصالح ذُكرت أنقرة و”القدس” وليس “تل أبيب”، ليكونَ ذلك إقراراً رسميّاً بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ما تقوم به أنقرة ليس غائباً عن مراكز القرار الدوليّ، إلا أنّ أردوغان يستثمر كلّ الأدوات ويقدّم نفسه على أنّه النموذج الإسلاميّ الذي يلبي رغبة واشنطن، مقابل النموذجين السعوديّ المتشدد والإيرانيّ الطامح. وربما يكونُ للغربِ دورٌ في إيقاظِ أحلام والنزعات لدى أردوغان، بعد المديح المبالغ فيه لنجاحاته، وتصويره قوياً أكثر مما يبدو، وتقديم تركيا في ظل حكمه أكبر من حجمها الحقيقيّ، بالمقابل كان الانبهار العربيّ والإسلاميّ بالنموذجِ التركيّ عاملاً مهماً ظهرت آثاره في الربيعِ العربيّ
ليس صدفة وحدة الموقف التركيّ والإسرائيليّ إزاء مسألة سد النهضة التي ستؤثر بشكلٍ مباشر على نقص الموارد المائيّة والإضرار بالاقتصاد والمجتمع المصريين، فاتفاق الحزام المحيطيّ افترض هذا التنسيق قبل أكثر من نصف قرن، وما يحدث اليوم هو مجرد تنفيذ أدوارٍ لخطط سبق رسمها ولن تتأثر بمرور الزمن.