تحقيق/ رامان آزاد –
لا اختلاف كبير على المستوى الفكريّ في توجهات حكوماتِ أنقرة المتعاقبة، والفارقُ هو عمليّ، يتأرجحُ بين الإقدامِ والإحجامِ وسياسةِ الابتزازِ، ورغم أنّ السياسة التركيّة مع وصول حزب العدالة والتنمية للسلطة قد شهدت متغيرات كبيرة في مستوى المبادرة، إلا أنّها بالوقت نفسه تؤكّد أنّها بصددِ تحقيقِ طموحاتٍ تاريخيّةٍ، وعلى مستوى العلاقة مع إسرائيل مازالت أنقرة ملتزمةً بمضمونِ اتفاقِ الحزامِ المحيطيّ (بن غوريون- مندريس) عام 1958.
البحثُ عن الحليفِ
من غير الممكن تفهّم دوافع أنقرة لإقامة علاقات إيجابيّة مع إسرائيل إلا في ضوء المراجعة التاريخيّة، لاستقبال الدولة العثمانيّة لليهود الوافدين من أوروبا والتركة العثمانيّة لقادة الجمهوريةِ التركيّة المتمثلة بالميثاق الملليّ التي تجاهلتها مقررات معاهدة لوزان 24/7/1923، تلك المعاهدة ساهمت برسم خريطة الشرق الأوسط الذي نعرفه اليوم. ففي لوزان، رسمت الدولة التركيّة حدودٌ تنذرُهم بتناقضات مستقبليّة على كامل مسارها، ففي الشمال البحر الأسود حيث الاتحاد السوفييتي، وإلى الجنوب الامتداداتُ الجغرافية القديمة للاحتلال العثمانيّ، داخل المنطقة العربيّة وكذلك الحال غرباً ومشاكل الجزر والمياه الإقليميّة مع اليونان.
كان ثقل الوجود السوفييتي أولوية، ثم الأزمات الحادة مع سوريا والعراق ثانياً، وهو ما دفع الأتراك للبحثِ عن حليفٍ دائمٍ، فوقع الخيار على الولايات المتحدة الأمريكيّة. ويذكر أنّه وراء كواليس لوزان نفسها، أجرى عصمت إينونو، رئيس الوفد التفاوض التركيّ، محادثات موازيةً ومنفردةً مع البعثة الأمريكيّة لتدشينِ تحالفٍ استراتيجيّ.
حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ظلّت المساعدات الأمريكيّة المقدّمة إلى تركيا على مستوى الدعم الماليّ والتسليح أقل من توقعات الأتراك، ما دفعهم للبحثِ عن وسيطٍ له وزنٌ نوعيّ من شأنه التأثير في دائرةِ صناعةِ القرار في البيت الأبيضِ والكونغرس، فكانت إسرائيل هي الهدفُ ومعها اللوبي اليهوديّ في الولايات المتحدة. وهكذا، كانت تركيا أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل في 28/3/1949 أي بعد عام واحد من إعلان قيام إسرائيل، ورفعت أنقرة مستوى تمثيلها الدبلوماسي في تل أبيب إلى مستوى السفارة، وفي 3/7/1950 قدّم سيف الله إسين أوراقَ اعتماده لحاييم وايزمن كأول سفير تركيّ في إسرائيل. وكان الاعتراف التركيّ بإسرائيل مفاجئاً حينها، فقد صوّتت تركيا إلى جانب العرب في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ضد قرار تقسيم فلسطين في 29/11/1947.
فأنقرة استدركت خطأ تصورها بالتصويت ضد قرار التقسيم، إذ اعتبرت إسرائيل حليفة لموسكو، ولكنها ما أن تيقنت أنّ إسرائيل تمثل إرادة الغرب الليبرالي، وحليفة الولايات المتحدة الوثيقة ضد الشيوعيّة السوفيتيّة. حتى انقلبت إلى الاعتراف بإسرائيل، لتكونَ ممرَ الوصولِ إلى قلبِ واشنطن وعقلها.