حرية الرأي في سوريا لا محظورات فيها ولا ممنوعات، هذه قاعدة أساسية منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، وقد ورثها عن أسلافه من رؤساء سوريا منذ الاستقلال عام 1945 وما قبله، حيث الحرية حق لكل سوري ومواطنة سورية بالتعبير عن الرأي، خصوصًا النقد بكل حرية ضمن أُطر الدستور ومحددات القانون. وفي المقابل تستطيع الأجهزة المعنية قطع لسان وحنجرة ويد كل من يتكلم أو يكتب أو يرسم، بموجب الأحكام العرفية السائدة منذ استيلاء جنرالات حزب البعث العربي الاشتراكي على الحكم. وفرض أنفسهم حكامًا على هذا الشعب بالحديد والنار، وسوّمه كل أصناف وألوان التفقير والتجهيل والحرمان والاستبداد والفساد.
في سوريا كان ومازال مبدأ “لا مانع من التعبير” ساريًا ومفعولاً لكن على المعبِّر دفع الثمن، والثمن هو دومًا الحرية، وأحيانًا يكون أغلى ويرقى ليستولي على الحياة ويغتصبها.
رغم كل ما جرى في سوريا على مدى ثلاثة عشر سنة من ثورة واقتتال وحرب وفوضى وتدخلات خارجية واحتلالات، وما نجم عنها من مجازر راح ضحيتها مليون إنسان، وما ترتب عليها من موجات نزوح ولجوء وهجرة طالت حياة أكثر من عشرة ملايين مواطن؛ لازالت السلطة في دمشق، وحتى سلطات الأمر الواقع الأخرى لم تتعلم الدرس الأول والوحيد في الأزمة المأساة السوريّة، ألا وهو أن هذا الشعب يرفض الحجز على حريته أو النيل من كرامته.
ما كانت الثورة السورية لتندلع في 18 آذار 2011 لولا احتجاز واعتقال أطفال في درعا وتعذيبهم وإهانة أهاليهم وذويهم من قبل عاطف نجيب ولؤي العلي، لأن أحدهم كتب عبارة ثورية على حائط، فرغم محاولة المثقفين والنشطاء في دمشق وعموم سوريا القيام بحراك سياسي شعبي يطالب بالإصلاح والتغيير في 5 شباط و15 آذار إلا أنهم فشلوا، لكن اجتراء السلطة على المس حتى بحرية الأطفال وتعريض حياتهم للخطر وممارسة التعذيب معهم والانتقاص من كرامة ذويهم أمر لم ولن يقبله السوريون، وهو ما أدى لكل ما نحن فيه اليوم وسنظل نعاني منه لعقود قادمة.
ورغم اندمال كل الجراح سيبقى جرح الاعتقال والتغييب القسري جرحًا مفتوحًا في وجدان كل السوريين لا يمكنهم السكوت أو التغافل عنه، فلماذا تصرّ السلطة في دمشق وغيرها على الاستمرار في هذا النهج الذي ثبت فشله في قمع هذا الشعب وتخويفه وثنيه عن مطالبه المشروعة؟ لماذا الإصرار على إطالة أمد الأزمة الوطنية والإنسانية ورفض الشروع بحلها، لماذا تصرّ حكومة دمشق على تعميق الجرح الوطني والشرخ المجتمعي، والتأكيد على أنها أبعد ما تكون عن الوطنية وعن السورية، وأنها مجرد سلطة تقوم مقام واجهة لقوى الاحتلالين الإيراني والروسي. ولا همّ لها إلا التنكيل بالسوريين وتحويل حياتهم إلى جحيم، وزادت الطين بلّة لتحوِّل سوريا من دولة فاشلة إلى مزرعة مخدرات وبؤرة للإتجار بالبشر وتصدير الإرهاب.
لقد قالها السوريون مليارات المرات “الموت ولا المذلة”، وأن الحياة ترخص لأجل الحرية والكرامة. فمتى تعي سلطات الأمر الواقع هذه الحقيقة البديهية عن السوريين، وتتصرف بموجبها، وتُفرِج عمن لديها من معتقلين، وتتوقف عن ممارسة هذه الجريمة الشنيعة التي ستظل سبة في وجه مرتكبيها سيحاسبون عليها ولن تسقط بالتقادم ولن تُنسى للأبد.